حاميد اليوسفي من مواليد 1954 بالمغرب . يقطن بمدينة مراكش . عمل في قطاع التربية والتكوين كمدرس للغة العربية بالتعليم الثانوي التأهيلي لأكثر من ثلاثين سنة .
لم يتفرغ للكتابة إلا بعد تقاعده من الوظيفة والنقابة .
نشر بعض القصص القصيرة في موقع الكتابة الثقافي ، وموقع انتلجنسيا ، وعلى صفحة مكتبة أغردات العامة . كما فضل نشر أغلب أعماله في صفحته على فايس بوك ، إلا أنها تعرضت للاختراق فاضطر إلى فتح صفحة جديدة .
وفي الوقت الذي عقد العزم على الاستجابة لرغبة العديد من أصدقائه ، بجمع بعض قصصه القصيرة ، ونشرها ضمن مجموعة جاء وباء كورونا وأوقف المشروع .
نموذج من كتاباتك
عتبة الفقر
حميد اليوسفي
قصة قصيرة
الآن ترقى اجتماعيا . قطعت الإحصائيات دابر الشك باليقين ، أنه أصبح يملك في جيبه عشرين درهما . رغم تجاوزه لعتبة الفقر ، فإنه فقد ذاكرته . لا يملك بيتا ، أو لا يتذكر أين كان يسكن . تزوج في الخيال حورية تفِيضْ جمالا . اعتاد النوم مع خيالها في العراء . لا يؤدي ثمن الكهرباء . كل مصابيح الأزقة والطرقات ملك له . عندما ينهض من تحت الجدار عليه أن يحمل متاعه . متاعه خفيف إلى درجة أنه لا يحتاج إلى حقيبة . مشكلته مع المرحاض . زوجته في الخيال منحها الله قدرة جعلتها مثل الملائكة ، لا تأكل ولا تلبس ولا تشرب ولا تلد ولا تذهب إلى مرحاض . تظهر بالقرب من نهر عارية كما ولدتها أمها ، تأكل من شجرة تفاح ، وتستر عورتها بورقة توت ، ويفوح منها عطر نفيس ، يكاد يطرد عنه الرائحة الكريهة المنبعثة من جسمه . يتمنى كل يوم لو اختطفته مع العشرين درهما إلى عالمها الدافئ . لكن هيهات ! بينه وبينها جسور دونها سبعة نجوم . عليه القتال في سوريا وليبيا والعراق ، أو التَزَنُّر بحزام ناسف . كل هذا الفضاء الممتد أمامه مرحاض . بالأمس بنى أجداده السقايات ، وكان الناس يُسقَوْن الماءَ بالمجان . اختفت هذه المآثر . بحث عن الماء بشكل مضن . لن يستحم ، ولن يغسل وجهه . لن يتوضأ ، ولن يذهب إلى المسجد ، إلا إذا دفع ثمنا لذلك .
تحسس القروش في جيبه ، وفرك يديه من شدة البرد . درجات الحرارة انخفضت بشدة هذه الأيام . تحسس وجهه . هذه اللحية اللعينة لم يحلقها منذ مدة . يحك بشدة ذقنه . غبار يغطي شعر الرأس الذي نما هو الآخر بسرعة . إذا أراد حلقهما ، لا بد أن يتنازل عن العشرين درهما للحلاق ، وليفعل ذلك عليه أن يصوم يوما كاملا بليله ونهاره . سعل بقوة . بصق يمينا . دم اسود امتزج بلعابه . بصق يسارا . لا يذكر أنه دخل مستشفى ، أو زار طبيبا ، أو اقتنى دواء من صيدلية .
فرك يديه من شدة البرد ، ووقف بجانب مطعم شعبي في الهواء الطلق بمحاذاة السور . ثلاثة كراسي خشبية مستطيلة فقدت لونها الأصلي أمام طاولة أعلى في الوسط ، تكاد تخفي صاحب المطعم بقامته القصيرة وجسمه النحيل . بجانبه إبريق كبير من الشاي ، وقدر يغلي فوق النار ، وزجاجة من زيت الزيتون ، وبعض التوابل . وجبة في صحن صغير من (البيصارة)* مع قليل من الزيت البلدي ، وخبزة من حجم صغير ، وكاس شاي بستة دراهم . في الشمال أضفوا عليها نكهة خاصة ، فنطقوها بلكنة اسبانية (لا بِّيصارْ) . تحسس جيبه . لم يغامر ويجلس إلى جانب الزبائن . سيتناول فطوره في الخيال إلى جانب حوريته . اتجه إلى ساحة كبيرة . تخيل أنه اقتنى ثلاثة سجائر بثلاثة دراهم . انتصب واقفا إلى جانب حشد كبير من عمال الموقف ، يدخن و ينتظر مثلهم قدوم شاحنات ، تُقلهم للعمل في الحقول المجاورة . انتظر إلى منتصف النهار . استهلك السجائر الثلاث . لن يذهب إلى المقهى . فهو بعد قليل سيضطر لشراء وجبة غذاء ، وعليه أن يوفر ثمنها .عاد إلى جانب المطعم . صحن صغير من العدس أو (اللوبية) ، وقطعة خبز بعشرة دراهم . تحسس القروش في جيبه ، وتناول غذاءه في الخيال . ضحكت الحورية في الخيال ، ولم تشاركه أكل العدس . أحس بثقل في رأسه . لن يدخن . الميزانية المتبقية لا تسمح بشراء سجائر إضافية .. أين سيقضي بقية الوقت . إذا تحرك سيحرق المزيد من السعرات ، وسيحتاج في المساء إلى طعام أكثر ، ولم يتبق معه إلا درهم واحد ، ولن يستطع النوم مع حوريته ، وستسخر منه وتطعنه في رجولته .
في المساء شعر بالدوار . اختفت الحورية . أحس بالغثيان . تقيأ على رجلي سرواله حتى كادت تخرج أمعاؤه من حلقه . لم يستطع إنهاء المشهد . اتجه صوب المُخرج . أعاد إليه دراهمه العشرين ، وطلب منه أن ينزل إلى الشارع ، ويجتاز عتبة الفقر بنفسه .
مراكش في 01 فبراير 2018
المتابِعون
الجوائز
2
Somebody likes you
Somebody out there liked one of your messages. Keep posting like that for more!
1
First message
Post a message somewhere on the site to receive this.