نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

سيد القرية عنتر..

أسمه يتردد في كل المجالس. هيبته ترسم دائرة اللغز، ولا تحدد معالمها. قامته الطويلة جعلته الوحدة القياسية اﻷكثر استعمالا عند الأهالي. صوته الجهوري علامة حضوره المسجل لدى الصغار قبل الكبار. عنتر، إسم يتردد صداه عبر كل الكثبان الرملية التي تنتصب جنوبا لحراسة الصحراء والقرية. عنتر، الفارس الذي يقود القبيلة دون اعتراض أو مشاكسة. هو أول من يصل ساحة السباق بعد طلوع الفجر، و آخر من يغادرها بعد أذان المغرب. يأتي وسط الزغاريد والصلوات على النبي المختار. هو و فرسه كتلة بياض لا يكسره إلا ذلك السرج اﻷحمر الموشى بخيوط الذهب والفضة. بصرخته ينطلق كل الفرسان في اتجاه واحد، تكون نهايته "تبوريدة "، ترتج لها الجبال والوديان العطشى ، المحيطة بالقرية من الجهات الثلاث.
مرت ثلاثة أيام على اختفاء عنتر. بدأ الحديث عن رحلة صيده همسا في اليوم اﻷول. في الغد تحول الهمس سؤالا يخرس المثرثرين وعشاق السيرة العنترية بقريتنا. و مع إشراقة شمس اليوم الثالث، كان الكل قد فقد صبره ورباطة جأشه.
- عنتر لا يتأخر أكثر من يوم ونصف أو يومين.
- معك حق آلسي قادر، أنا لا أذكر أننا قضينا أكثر من ذلك في الرحلات التي شاركناه إياها جميعا.
- اسمع آلسي لخضر، لقد نصحته بألا يذهب هذه المرة. هروب الغزالتين من حديقة "لاجودان" هو السبب.
لم تشهد القرية ليلة شبيهة "بليلة الهروب". هكذا تناقل إسمها الركبان، من و إلى القرية. غزالتان خرجتا من الحديقة الجانبية لبيت قائد الدرك الملكي بالقرية. كانتا تتجولان بهدوء في الشارع. انتبه اﻷطفال لظهورهما اللامتوقع. و بدأت المطاردة الراغبة في إرجاعهما إلى الباب المفتوح للحديقة. طفلان يعدوان خلفهما. يلتحق أطفال الحي بالمطاردة. تهرب الغزالتان إلى الحي المجاور. صار الأطفال بالعشرات.. ينضم بعض الكبار الخارجين من المسجد بعد صلاة المغرب. تكبر جماعة المطاردين، ومعها تزداد سرعة الهاربتين. بعد نصف ساعة، أصبح كل السكان خلف و أمام الغزالتان. كان البعض يحاول التنبؤ بمسار العدو لاعتراض أسرع كائنين صادفهما كل السكان كبارا وصغارا. . و أخيراً سلم الجميع بخسارة سباق الإنسان أمام الحيوان. شوهدت الغزالتان وهما تغادران القرية نحو الصحراء جنوبا.
في تلك الليلة، غادر عنتر القرية. وبعدها لم يعرف أحد وجهته. لكن الجميع يتحدث عن عدم حضوره المطاردة الكبرى، بسبب اجتماعه مع قبيلة الرحل، المرابضة على المضارب الغربية للقرية، حول توزيع حصص الرعي بين القبائل المقيمة و الضيوف.
أخبرنا "فايا "، وهو إسم التصغير لمصطفى، أن عنتر بدا صامتا، بعد عودته من الاجتماع، قبيل منتصف ليلة الهروب. دخل بيته، و حمل بندقيته "الخماسية"، وغادر إلى الصحراء..
بعد صلاة العشاء لليوم الثالث، توجه الجميع إلى بيت عنتر، الواقع في شمال القرية. كان ابنه الأكبر في استقبال الواصلين. الفوانيس تضيء كل الممرات والطرق في اتجاه البيت الكبير لفارس القرية.
كان الصمت سيد المكان والزمان. وحدها العيون كانت تثرثر بصخب اﻷسئلة الحائرة. فجأة، يصل "شيبوب"، وكأنه على موعد مع الجموع. أسرع إليه الإبن اﻷكبر، وبدأ النباح والجري .. تبع الجميع الكلب الذي يعدو أماما، ويلتفت خلفا للتأكد من تابعيه.. أضاءت مئات الفوانيس الصحراء النائمة.. التحق الرجال الرحل بالركب. بعد ست ساعات من الركض والمشي، ظهرت في الأفق خيالات فرس واقفة بجانب جسد ممدد على اﻷرض. كانت "عبلة" تضرب اﻷرض بقدميها اﻷماميتين، في انتظار أن يستيقظ سيدها وسيد القرية، المدرج بالدماء، عنتر..
 

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
مرحبا أستاذ عبدالإله..
إطلالة ميمونة؛ يباركها نص جميل اجتهد في حبك الحكاية؛ وفي تضمنها رموزا تحفل بدلالات واسعة تسلمنا إلى الرهان بإيحاء موفق..
أجدد التحية
 
مرحبا بك أستاذي العزيز السي محمد فري.
شكرا جزيلا على إطلالتك البهية. دام لك الإبداع والتميز.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى