حسن فيرداوس
كاتب
القارب الورقي
استمر تهاطل الأمطار حتى الصباح ..كونت المياه المتجمعة جداول ما بين الرصيف والطريق وانسابت مندفعة لتصل إلى البالوعة المشرعة كفم غول أسطوري بمدخل الزقاق .. وأنا واقف بمحاذاة حارس الاقامة المجاورة لاقامتي نشاهد معا صبية تمزق دفاتر مستعملة قديمة لتصنع من أوراقها قوارب ورقية ثم ترقمها ،وتضعها على بعد عشرات الأمتار من البالوعة ليحملها تيار الماء بسرعة وهم يتسابقون حتى خط الوصول : فأول من سيتجاوز قاربه مدخل البالوعة سيكون هو الفائز ، وليس هناك ثاني ولا ثالث ، ومن ينكفيء قاربه على الجانب ينسحب من السباق ويسحب قاربه المبلل والذي يقطر مدادا ..رجع المشهد بذاكرني الى الأيام المطيرة وشغب الطفولة ،٠ والاعتماد على الانتاج الذاتي للعب البسيطة والمجانية ..انتبهت الى الحارس الكهل فوجدته ممتعضا وعابسا ؛ سألته بعفوية عن سر هذا الوجوم ؛ وجاء جوابه متماهيا مع طبيعة عمله :-- اللعنة على العطل ..بعد قليل سيخنق هؤلاء العفاريت البالوعة ويخلقون لي من " بسالتهم " عملاإضافيا...! فهمت مراده ، و أ كدت له بأن ورق الدفاتر سهل التحلل في الماء ..و انتقلت إلى استدراجه إلى زاوية اخرى من الحديث :-- كلنا كنا يوما أطفالا،وصنعنا قوارب وطائرات ورقية ..وكم جرينا وقفزناورائها فرحين أليس كذلك ؟ التفت إلي وابتسامة ساخرة ترتسم فجأة على زاويتي فمه الأدرد قائلا :--أنا كنت مجرد راعي غنم وماعز ؛ وعندما كبرت صرت بغلا ثالثا لجر المحراث في تربة الترس الثقيلة ..ما دخلت كتابا ولا كان لي وقت لعب حتى زوجني والدي بنت خالي التي كانت تشبهني في كل السلبيات وتحولت إلى " قنية " للانجاب
قلت له دعك من الماضي وتأمل الصبية وهم يلعبون ..وبينما كان هو يتابع صيحات الصبية تحت المطر الذي بللهم من الرؤوس إلى الأقدام دون أن يبالون بلسعات البرد التي تبعثها الملابس المبللة ؛ كنت أرمقه وأركز على قسمات وجهه التي بدأت تنفرج وتفسح مساحة واسعة منه لابتسامة مستردة من زمن طفولة مفتقدة ؛ ربما بعثت في نفسه سعادة سرقت منه في غفلة الأيام ، ونزلت عليه بلسما يمسح بحنان الام ندوبا وجروحا قديمة
خفت حدة المطر ..وقلت المياه المندفعة إلى البالوعة وانفض الصبيان كما ظهروا ..ولكن بقيت ابتسامة خفيفة كطرز جميل على وجه ألف الكآبة،مع شيء من طعم السعادة ولحظات لم يعشها
القنيطرة 2018
......
.
استمر تهاطل الأمطار حتى الصباح ..كونت المياه المتجمعة جداول ما بين الرصيف والطريق وانسابت مندفعة لتصل إلى البالوعة المشرعة كفم غول أسطوري بمدخل الزقاق .. وأنا واقف بمحاذاة حارس الاقامة المجاورة لاقامتي نشاهد معا صبية تمزق دفاتر مستعملة قديمة لتصنع من أوراقها قوارب ورقية ثم ترقمها ،وتضعها على بعد عشرات الأمتار من البالوعة ليحملها تيار الماء بسرعة وهم يتسابقون حتى خط الوصول : فأول من سيتجاوز قاربه مدخل البالوعة سيكون هو الفائز ، وليس هناك ثاني ولا ثالث ، ومن ينكفيء قاربه على الجانب ينسحب من السباق ويسحب قاربه المبلل والذي يقطر مدادا ..رجع المشهد بذاكرني الى الأيام المطيرة وشغب الطفولة ،٠ والاعتماد على الانتاج الذاتي للعب البسيطة والمجانية ..انتبهت الى الحارس الكهل فوجدته ممتعضا وعابسا ؛ سألته بعفوية عن سر هذا الوجوم ؛ وجاء جوابه متماهيا مع طبيعة عمله :-- اللعنة على العطل ..بعد قليل سيخنق هؤلاء العفاريت البالوعة ويخلقون لي من " بسالتهم " عملاإضافيا...! فهمت مراده ، و أ كدت له بأن ورق الدفاتر سهل التحلل في الماء ..و انتقلت إلى استدراجه إلى زاوية اخرى من الحديث :-- كلنا كنا يوما أطفالا،وصنعنا قوارب وطائرات ورقية ..وكم جرينا وقفزناورائها فرحين أليس كذلك ؟ التفت إلي وابتسامة ساخرة ترتسم فجأة على زاويتي فمه الأدرد قائلا :--أنا كنت مجرد راعي غنم وماعز ؛ وعندما كبرت صرت بغلا ثالثا لجر المحراث في تربة الترس الثقيلة ..ما دخلت كتابا ولا كان لي وقت لعب حتى زوجني والدي بنت خالي التي كانت تشبهني في كل السلبيات وتحولت إلى " قنية " للانجاب
قلت له دعك من الماضي وتأمل الصبية وهم يلعبون ..وبينما كان هو يتابع صيحات الصبية تحت المطر الذي بللهم من الرؤوس إلى الأقدام دون أن يبالون بلسعات البرد التي تبعثها الملابس المبللة ؛ كنت أرمقه وأركز على قسمات وجهه التي بدأت تنفرج وتفسح مساحة واسعة منه لابتسامة مستردة من زمن طفولة مفتقدة ؛ ربما بعثت في نفسه سعادة سرقت منه في غفلة الأيام ، ونزلت عليه بلسما يمسح بحنان الام ندوبا وجروحا قديمة
خفت حدة المطر ..وقلت المياه المندفعة إلى البالوعة وانفض الصبيان كما ظهروا ..ولكن بقيت ابتسامة خفيفة كطرز جميل على وجه ألف الكآبة،مع شيء من طعم السعادة ولحظات لم يعشها
القنيطرة 2018
......
.