حسن فيرداوس
كاتب
نحلة تائهة
بباب محطة القطار تصادف دخولي مع خروج امرأة في مقتبل العمر غاضبة . لم تجد من تبث له شكواها فتوجهت بكلامها إلي :- كنا نشتكي من تأخر القطارات والآن ربما سنشتكي من انطلاقها قبل وقتها
أجبتها مستنكرا:- لا أعتقد ذلك ..على الأقل بالنسبة للقطار السريع ...
لم تقتنع بكلامي وأرادت التعقيب عليه فتركتها وأسرعت لاقتناء تذكرة السفر إلى طنجة في قطار الساعة العاشرة والنصف صباحا....
داخل العربة رقم ثلاثة من الدرجة الثانية كل شيء على ما يرام ، حتى الجالسين فضلوا السكينة والصمت.. قبالتي عائلة فاسية جاءت خصيصا لتجريب القطار وزيارة المدينة السياحية الجميل ، ترافقهما طفلة بشعر يميل للون الكستنائي وعينين زرقاوين كأنهما اقتطعتا من لون السماء كما قال شاعر أمريكي . كلما نظرت إلي بفضول سبحت في زرقة لازوردية لكائن بريء يشع طفولة وحيوية . أعجبت بطريقة استعمالها لملعقة بلاستيكية في التهام بقية من حلوى الكريستمس احتفظت بها أمها داخل علبة كرتونية بيضاء ..ولم تكن الحلوى وحدها داخل العلبة بل رافقتها نحلةانطلقت من معتقلها ليطن أزيزها حولنا أمام استغراب الناس ..كانت تحلق بشكل لولبي تراود الطفلة عن حلوى القشدة اللذيذة ..حاولت " آسية "- وهو الإسم الذي نادتها به أمها - أن تبعدها بحركات سريعة في الهواء دون جدوى ..النحلة مصرة على أخذ حقها من الحلوى التي سافرت معها كمرعى متنقل بعد زحف الدمن على الحدائق ، فتحولت إلى محلات بيع الحلوى لترعى على القشدة والعسل المصنع..فبعد أن كان منتوج العسل يحمل أسماء نباتات وأشجار أصبح الآن يطلق عليه للتفكه عسل الشباكية والباتيسري ..بدا أن صبر الطفلة بدأ ينفذ من إصرار النحلة على تحقيق هدفها أو الموت دونه ، فخاطبتها بلكنة تنطق الراء غاءا يزيدها دلالا ورقة :- سير"غ" ي بحالك..هذي ديالي....!
لغة الكلام لم تحقق نتيجة مع النحلة ، فانفعلت آسية أكثر وكادت تسقط الحلوى على الأرض فرطنت والدتها بالفرنسية تأمرها بالكف عن أكل الحلوى حتى الوصول إلى محطة طنجة ..كشرت الطفلة وزوت ما بين حاجبيها لتتكلف غضبا بطعم البراءة ؛ ثم اتكأت على صدر أمها لتنام نصف ساعة ..الزمن الذي تبقى للوصول إلى مدينة طنجة ...
: 2019 القنيطرة
بباب محطة القطار تصادف دخولي مع خروج امرأة في مقتبل العمر غاضبة . لم تجد من تبث له شكواها فتوجهت بكلامها إلي :- كنا نشتكي من تأخر القطارات والآن ربما سنشتكي من انطلاقها قبل وقتها
أجبتها مستنكرا:- لا أعتقد ذلك ..على الأقل بالنسبة للقطار السريع ...
لم تقتنع بكلامي وأرادت التعقيب عليه فتركتها وأسرعت لاقتناء تذكرة السفر إلى طنجة في قطار الساعة العاشرة والنصف صباحا....
داخل العربة رقم ثلاثة من الدرجة الثانية كل شيء على ما يرام ، حتى الجالسين فضلوا السكينة والصمت.. قبالتي عائلة فاسية جاءت خصيصا لتجريب القطار وزيارة المدينة السياحية الجميل ، ترافقهما طفلة بشعر يميل للون الكستنائي وعينين زرقاوين كأنهما اقتطعتا من لون السماء كما قال شاعر أمريكي . كلما نظرت إلي بفضول سبحت في زرقة لازوردية لكائن بريء يشع طفولة وحيوية . أعجبت بطريقة استعمالها لملعقة بلاستيكية في التهام بقية من حلوى الكريستمس احتفظت بها أمها داخل علبة كرتونية بيضاء ..ولم تكن الحلوى وحدها داخل العلبة بل رافقتها نحلةانطلقت من معتقلها ليطن أزيزها حولنا أمام استغراب الناس ..كانت تحلق بشكل لولبي تراود الطفلة عن حلوى القشدة اللذيذة ..حاولت " آسية "- وهو الإسم الذي نادتها به أمها - أن تبعدها بحركات سريعة في الهواء دون جدوى ..النحلة مصرة على أخذ حقها من الحلوى التي سافرت معها كمرعى متنقل بعد زحف الدمن على الحدائق ، فتحولت إلى محلات بيع الحلوى لترعى على القشدة والعسل المصنع..فبعد أن كان منتوج العسل يحمل أسماء نباتات وأشجار أصبح الآن يطلق عليه للتفكه عسل الشباكية والباتيسري ..بدا أن صبر الطفلة بدأ ينفذ من إصرار النحلة على تحقيق هدفها أو الموت دونه ، فخاطبتها بلكنة تنطق الراء غاءا يزيدها دلالا ورقة :- سير"غ" ي بحالك..هذي ديالي....!
لغة الكلام لم تحقق نتيجة مع النحلة ، فانفعلت آسية أكثر وكادت تسقط الحلوى على الأرض فرطنت والدتها بالفرنسية تأمرها بالكف عن أكل الحلوى حتى الوصول إلى محطة طنجة ..كشرت الطفلة وزوت ما بين حاجبيها لتتكلف غضبا بطعم البراءة ؛ ثم اتكأت على صدر أمها لتنام نصف ساعة ..الزمن الذي تبقى للوصول إلى مدينة طنجة ...
: 2019 القنيطرة