محمد ايت علو
كاتب
قراءة في المجموعة القصصية “منح باردة للنفوس الشاردة” للأديب محمد أيت علو
وردية الفقير
استاذة باحثة
المغرب
القصة هي شكل من أشكال الوعي المتبادل بين الناس والتجسيد العياني في اللغة لذلك الوعي، فالإنسان يسعى من خلال الأدب القصصي إلى تأكيد مجموعة من القيم الفردية والجماعية، وتفنيد أخرى رغبة في خلق قيم جديدة، أو تصحيح علاقات متوترة أو تقويم اضطرابات معينة. مما يجعلنا نؤكد على ان القصة شكل أدبي متميز يحاول رصد التفاصيل الدقيقة لماهية الإنسان وماهية الحياة وتتبع ملامح الشخوص وإيماءاتهم وحركاتهم والغوص في أعماق النفس البشرية.
ومن خلال هذا الطرح ومن العوالم الإبداعية لفن القصة نتطلع لرصد أهم التفاصيل الفنية التي ضمتها المجموعة القصصية المعنونة ب “منح باردة للنفوس الشاردة ” للكاتب محمد أيت علو والتي صدرت سنة 2017، وتعتبر المجموعة الإصدار الثاني من نوعه في مجال القصة القصيرة ضمن إصدارات مطابع النور الجديدة.
إن أول عتبة نصادفها ونحن نهم بسبر أغوار المجموعة هو العنوان الذي يمثل مدخلا رقيقا إلى المستوى الشاعري الذي يحكم مفاصل المجموعة، ويتغلغل في زواياها، ويؤكد في نفس الوقت على شاعرية المؤلّف، الذي يكتب بنوع من القلق الإبداعي والوجودي اللذين ترقص في ثناياهما أمال وأحلام وردية وبؤر ضوئية تكسر أفق القارئ.
تضم المجموعة تسع عشرة قصة استطاع الكاتب خلالها التقاط مجموعة من التفاصيل اليومية التي عشناها في فترة معينة، فكل قصة لا تحمل عبرة واحدة وإنما تصور قيما إنسانية يستطيع كل قارئ أن يحملها خلفياته النفسية والاجتماعية علً بعض جراحاته تندمل، الشيء الذي يؤكد على أن القاص كتب نصوصه متشربا من إناء الواقع الذي لا ينضح معينه معتمدا في ذلك أسلوبا متميزا بلغة يكتنفها الكثير من التلاعب الفني وهذا ما نلمسه في قصة “عزلة غريب ” حيث كتب لنا القاص نصا شعريا خالصا ممزوجا بالسرد مما يجعلنا نقع في حيرة تصنيفه وفي التأكيد على أن كلا من الشعر والسرد رفيقان وفيان للنص.
ومن الملاحظ أن عبارات الوصف تضافرت مع جمل السرد لتختزن العبارات القصيرة عالما واسعا من الأحداث المنبثقة من واقع مادي ودوراته المتنوعة بأفراحه وأحزانه، ففي قصة “طيف ابتسامة بلا رنين” تهيمن تيمة المدينة\ الوحش، بل وتؤطر الحكاية وتغلفها بملمح وحشي، فشخصية “علال” أضاعت ذاتها فيما أسماه القاص بالسراديب والكهوف التي تتخلل ساحة المدينة الكبيرة حتى صار أسير عالم صامت يخفي فيه ابتسامة تنم عن عدم الرضى بما آل إليه حاله.
تمتاز المجموعة بخصائص فنية أبرزها النسق الدرامي المتناسق من خلال استلهام العناصر الثلاثة (بداية وسط ونهاية) المتعارف عليها في الكتابات الكلاسيكية، لكن هذا النسق يبدو في بعض الاحيان منكسرا مخترقا أدوات الزمان والمكان باعتماد تقنية الاسترجاع وتقنية المونولوج.
وعند قراءتنا لكل نص على حدة نلمس اختلاف وتفرد كل نص عن الآخر، والجميل في الأمر سحر اللغة عند الكاتب والتي تجتذبك بشاعريتها:
– يسكنني النور من بدايته….أراه بروحي وقلبي أراه يأسرني و يحملني آفاقه الرحبة…
– اسحب ظلك من ظلي واتركني أرحل فقد تعبت راحلتي….
هنا تبرز لنا اللغة مفاتنها وجمال شاعريتها وتغريك وكأنها غجرية متلحفة يتتبعها القارئ محاولا فك شفراتها ليجد نفسه مستسلما ومكبلا لا يسعه إلا القراءة ومعاودة القراءة.
إن جميع النصوص المضمنة في المجموعة بدت قوية ومحترفة لكن بعضا منها خيب ظني قليلا في النهاية وكنت أتمنى أن تكون النهاية حالمة شأن بدايتها، بينما أمتعتني نصوص أخرى اعتقدتها في البداية بسيطة ولكن نهايتها أوقعتني في حيرة فنية جميلة مما جعلني أقتنع بأن العبرة ليست في البدايات أ و النهايات بل في الاتساق والانسجام بين أجزاء النص دون السماح للضعف أن يتسرب إليها. وهذا ما نلمسه في أسلوب الكتابة الذي لم يبتعد عن البساطة قد صار عميقا صورة وتبليغا وتأثيرا، فالقاص جعلنا نتخيل مجموعته القصصية كمن يرسم بيوتا فقيرة ويتفنن في تلوينها وتزيينها.
وردية الفقير
استاذة باحثة
المغرب
القصة هي شكل من أشكال الوعي المتبادل بين الناس والتجسيد العياني في اللغة لذلك الوعي، فالإنسان يسعى من خلال الأدب القصصي إلى تأكيد مجموعة من القيم الفردية والجماعية، وتفنيد أخرى رغبة في خلق قيم جديدة، أو تصحيح علاقات متوترة أو تقويم اضطرابات معينة. مما يجعلنا نؤكد على ان القصة شكل أدبي متميز يحاول رصد التفاصيل الدقيقة لماهية الإنسان وماهية الحياة وتتبع ملامح الشخوص وإيماءاتهم وحركاتهم والغوص في أعماق النفس البشرية.
ومن خلال هذا الطرح ومن العوالم الإبداعية لفن القصة نتطلع لرصد أهم التفاصيل الفنية التي ضمتها المجموعة القصصية المعنونة ب “منح باردة للنفوس الشاردة ” للكاتب محمد أيت علو والتي صدرت سنة 2017، وتعتبر المجموعة الإصدار الثاني من نوعه في مجال القصة القصيرة ضمن إصدارات مطابع النور الجديدة.
إن أول عتبة نصادفها ونحن نهم بسبر أغوار المجموعة هو العنوان الذي يمثل مدخلا رقيقا إلى المستوى الشاعري الذي يحكم مفاصل المجموعة، ويتغلغل في زواياها، ويؤكد في نفس الوقت على شاعرية المؤلّف، الذي يكتب بنوع من القلق الإبداعي والوجودي اللذين ترقص في ثناياهما أمال وأحلام وردية وبؤر ضوئية تكسر أفق القارئ.
تضم المجموعة تسع عشرة قصة استطاع الكاتب خلالها التقاط مجموعة من التفاصيل اليومية التي عشناها في فترة معينة، فكل قصة لا تحمل عبرة واحدة وإنما تصور قيما إنسانية يستطيع كل قارئ أن يحملها خلفياته النفسية والاجتماعية علً بعض جراحاته تندمل، الشيء الذي يؤكد على أن القاص كتب نصوصه متشربا من إناء الواقع الذي لا ينضح معينه معتمدا في ذلك أسلوبا متميزا بلغة يكتنفها الكثير من التلاعب الفني وهذا ما نلمسه في قصة “عزلة غريب ” حيث كتب لنا القاص نصا شعريا خالصا ممزوجا بالسرد مما يجعلنا نقع في حيرة تصنيفه وفي التأكيد على أن كلا من الشعر والسرد رفيقان وفيان للنص.
ومن الملاحظ أن عبارات الوصف تضافرت مع جمل السرد لتختزن العبارات القصيرة عالما واسعا من الأحداث المنبثقة من واقع مادي ودوراته المتنوعة بأفراحه وأحزانه، ففي قصة “طيف ابتسامة بلا رنين” تهيمن تيمة المدينة\ الوحش، بل وتؤطر الحكاية وتغلفها بملمح وحشي، فشخصية “علال” أضاعت ذاتها فيما أسماه القاص بالسراديب والكهوف التي تتخلل ساحة المدينة الكبيرة حتى صار أسير عالم صامت يخفي فيه ابتسامة تنم عن عدم الرضى بما آل إليه حاله.
تمتاز المجموعة بخصائص فنية أبرزها النسق الدرامي المتناسق من خلال استلهام العناصر الثلاثة (بداية وسط ونهاية) المتعارف عليها في الكتابات الكلاسيكية، لكن هذا النسق يبدو في بعض الاحيان منكسرا مخترقا أدوات الزمان والمكان باعتماد تقنية الاسترجاع وتقنية المونولوج.
وعند قراءتنا لكل نص على حدة نلمس اختلاف وتفرد كل نص عن الآخر، والجميل في الأمر سحر اللغة عند الكاتب والتي تجتذبك بشاعريتها:
– يسكنني النور من بدايته….أراه بروحي وقلبي أراه يأسرني و يحملني آفاقه الرحبة…
– اسحب ظلك من ظلي واتركني أرحل فقد تعبت راحلتي….
هنا تبرز لنا اللغة مفاتنها وجمال شاعريتها وتغريك وكأنها غجرية متلحفة يتتبعها القارئ محاولا فك شفراتها ليجد نفسه مستسلما ومكبلا لا يسعه إلا القراءة ومعاودة القراءة.
إن جميع النصوص المضمنة في المجموعة بدت قوية ومحترفة لكن بعضا منها خيب ظني قليلا في النهاية وكنت أتمنى أن تكون النهاية حالمة شأن بدايتها، بينما أمتعتني نصوص أخرى اعتقدتها في البداية بسيطة ولكن نهايتها أوقعتني في حيرة فنية جميلة مما جعلني أقتنع بأن العبرة ليست في البدايات أ و النهايات بل في الاتساق والانسجام بين أجزاء النص دون السماح للضعف أن يتسرب إليها. وهذا ما نلمسه في أسلوب الكتابة الذي لم يبتعد عن البساطة قد صار عميقا صورة وتبليغا وتأثيرا، فالقاص جعلنا نتخيل مجموعته القصصية كمن يرسم بيوتا فقيرة ويتفنن في تلوينها وتزيينها.