المصطفى سالمي
كاتب
إنها شخصية مثيرة للجدل، احتار أقرب الناس إليها في معرفة كنهها، واختلفوا في تصنيفها، فتارة هي الوداعة والبراءة، وتارة أخرى هي الوقيعة والدسيسة، إنها كائن متذبذب في ميزان الوصف البشري، تجدها أغلب الأحيان وجها للابتسامة التي تكيل المديح للغير دون توقف، والناس يتعلقون بمن يغدق عليهم صفات الجمال وأوصاف الخير والصلاح حتى ممن بلغ الشر والقبح فيهم مداه، وقد تجدها كذلك تحرك لسانها بالدس والغيبة والنميمة، تنقل أخبار هذا لذاك، وأخبار تلك لهاته، ثم تتفرج على المشهد العبثي بعد ذلك، فتكشف جانبا مظلما من قبح وأنانية سوداء مقيتة، تمزجها بابتسامة انطوت على خبث ولؤم لا ينكشفان إلا لمن خصه الله بمزايا وقدرات مختلفة عن العوام، والنتيجة حيرة أغلب الناس إزاء ما يبدو من قناع البراءة الذي أحكم تثبيته على الوجه الذي هو أشبه بالشمع المذاب على سطح بشرة تكاد تخفي كل شيء تقريبا، خاصة حين يقترن ذلك بتوزيع بعض المساعدات باليمنى، بينما اليسرى التي هي الوجه الثاني للعملة تمارس لعبة الاسترداد المضاعف، هكذا بدأت تكبر وتتسع دائرة نرجسية وأفعوانية (سندس) التي ما لبثت أن تكشفت وتعرت لكل ذي لب، وبدت مفضوحة في كثير من الأحيان، إنها مثال للانفصام والازدواجية التي تطبع مجتمعا نخره النفاق والالتواء والكذب والدجل، فأصبحت (سندس) بالنسبة للبعض براءة خبيثة، وبالنسبة للبعض الآخر خبثا مقنعا بالصلاح، بينما ذهب آخرون إلى أنها خبث خبيث، وتطرف آخرون في التفاؤل فقالوا صلاح صالح ضائع في بيئة من الجرب والسوس والانتهازية، ومهما يكن من أمر فإن الثابت أن المرأة كانت تبدو بملامح ملائكية وبصوت كالطهر في ليلة مكتملة البدر البهي، لقد كانت تترك مكتبها وتتوجه إلى زميلة أو زميل لها وتبدأ بسرد حكاية معاناتها البئيسة مع زوجها العنيف الذي لا يتردد في توجيه اللكمات لوجهها وعينيها، فتبدأ قصة التعاطف مع ضحية من ضحايا العنف الزوجي، من هنا كان المنطلق، لكن الذي يستتبع ذلك شيء مختلف تماما، إذ كانت (سندس) تستغل ذلك الشعور لتحقيق مآرب شخصية، فهذا تطلب منه أن ينوب عنها في إعداد بعض ملفات العمل المستعصية عليها، وذاك تطلب منه أن ينوب عنها في المداومة لمرض ابن لها.. لكن أسوأ ما في (سندس) هو آفة التجسس والتلصص على أخبار صديقاتها، ففي لمح البصر وبنظرة خاطفة منها لمن يمر أمامها أو يقف قبالتها تكون قد حددت نوع اللباس، ولونه، ومدى تناسق عناصره، كأنها جهاز لاقط لا يفوت كبيرة ولا صغيرة، أما إن استعصى عليها أمر من أخبار دائرة العمل والجيران فإنها لا تنفك تطرح الأسئلة المتوالية ولو على صاحب الشأن بكل الصلف والوقاحة المقنعة، إنها تود لو تقيم رادار تجسس في مكتب أو بيت كل زميلة أو صديقة وجارة، أو كاميرا ترصد عن بعد تحركات وتصرفات من يعنيها أمره ممن تتطفل عليهم بجنون يفوق الوصف، وقد احتار الناس في تفسير وتبرير هذه السلوكيات من (سندس) وأرجعوها لفضول وتطفل هو أقرب للمرض النفسي، والحقيقة ان المرأة التي أسماها البعض: "البصاصة" كانت تقيم في مكاتب زميلاتها وتلازمها أكثر مما تلازم مكتبها، وكانت تقضي وقتا طويلا مع جاراتها خاصة في ظل غياب زوجها الذي كانت تبتلعه دور الملاهي من قمار وسكر وعربدة، وفي الأمسيات المعتمة كان جسد (سندس) يتلقى الإهانات واللكمات التي يراها البعض تكفيرا عن ذنوب اقترفتها (البصاصة) ذات القناع المريب المسبب لحيرة الناس، فكان العقاب اليومي لها جزءا من فاتورة تدفعها (سندس) لمحيطها الموبوء هو بدوره بآفات أقلها الكذب والنفاق والتجسس والمصلحية المقيتة، لذلك ما كان الناس في مجتمعها يعيبون كثيرا مثل هذه السلوكيات لأنهم أنفسهم كانوا يعانون ما هو أشد وأنكى، وكيف يعيب الأجرب من هو أبرص؟! وكيف يعيب الأعمى من هو أعمش؟!
لقد كان الوجه الآخر لـ (سندس) ـ كما اتضح لكثير من الناس العقلاء لاحقا ـ هو البحث عن إرضاء الذات بمسكنات الوهم، فقد كانت تتمنى في أعماقها أن تكون أفضل من الآخرين ومن الأخريات، كانت تبحث عن مكامن الخلل بين هؤلاء حتى ترضى عن نفسها الذليلة المستكينة المغلوبة على أمرها، فإذا عمت المعاناة والغبن والهوان هانت الحياة بالنسبة لها، إنها تسعد في خلوتها بالتعرف على شقاء الآخرين في محيطها، لذلك انتقلت من مسبب الحيرة إلى الكائن المتذبذب المحتار في مجتمع آسن يوشك ان ينهار..!
لقد كان الوجه الآخر لـ (سندس) ـ كما اتضح لكثير من الناس العقلاء لاحقا ـ هو البحث عن إرضاء الذات بمسكنات الوهم، فقد كانت تتمنى في أعماقها أن تكون أفضل من الآخرين ومن الأخريات، كانت تبحث عن مكامن الخلل بين هؤلاء حتى ترضى عن نفسها الذليلة المستكينة المغلوبة على أمرها، فإذا عمت المعاناة والغبن والهوان هانت الحياة بالنسبة لها، إنها تسعد في خلوتها بالتعرف على شقاء الآخرين في محيطها، لذلك انتقلت من مسبب الحيرة إلى الكائن المتذبذب المحتار في مجتمع آسن يوشك ان ينهار..!