نقد الخطيبي للاستشراق من خلال بيرك
هذا المقال مقتطف من كتابي (الذي هو قيد النشر) "فلسفة الحضارة عند جاك بيرك". وقد أرتأيت أن أنشره مستقلا لأنه يبين ما جنته المجاملة الفكرية على الحياة الثقافية في المغرب. وهذا طوطم آخر من طواطم الفكر المغربي الذي اتناوله بالنقد، بعد الحبابي والجابري. وهو يأتي في سياق قسم خصصته لنقد الاستشراق. وما يميز نقد الخطيبي للاستشراق هو كونه استهدف جاك بيرك.
***
أخصص هذا القسم لنقد عبد الكبير الخطيبي[1] لإنه خص بالنقد جاك بيرك نفسه، رغم أن جل النقد الذي وجه للاستشراق كان يستثنيه. وعنوان المقال هو "جاك بيرك أو المذاق الشرقي"[2].
وقبل التطرق لنقد الخطيبي أشير إلى وجود نقد آخر لجاك بيرك بقلم محمد وقيدي[3]، إلا أنه مبني على ما ورد في كتاب واحد وهو Arabies، وهذا لا يكفي. وما دام أن وقيدي يقول أنه متفق مع الخطيبي أرتأيت التركيز على هذا الأخير.
يشتمل نقد الخطيبي على مستويين، أحدهما موجه إلى الاستشراق عامة والآخر لبيرك. وهو نقد لا يمكن فهمه دون توضيح المفاهيم الفلسفية التي استند عليها، وهي المفاهيم التي قامت عليها فلسفة الاختلاف (وتدعى أيضا بالنتشوية الجديدة)، وهي تيار فلسفي ظهر في فرنسا بعد ماي 1968. ومن أبرز ممثليها دريدا ودولوز وفوكو وغيرهم. وهي تقوم على قراءة خاصة لفلسفات هيجل ونتشه وهيدغر وسارتر. وكما هو معروف فإن جزءا من فلسفة هيدغر إنما هو إعادة قراءة لنيتشه، وكل من سارتر ودريدا متأثر بهيدغر[4].
لقد أراد هذا التيار الدفع بالتحرر إلى منتهاه من خلال الانفتاح على كل ما هو هامشي (وإن كان أحيانا يمثل غالبية مقموعة كالمرأة) والذي لا يجد له موطئ قدم في ثقافة رسمية تنطق باسم الطبقة المسيطرة وعلى رأسها الرجل الأبيض الغربي. ووسيلة هذا التحرر تكمن في تفكيك الخطاب الميتافيزيقي (الذي هيمن على تاريخ الفلسفة منذ سقراط إلى هيجل) والفلسفة بصفتها أيديولوجا للاثنية الأوروبية، وهي أيديولوجيا من حيث أنها تُظهر الوضع الحاصل وكأنه وضع شرعي والامتيازات التقليدية (أي الامتيازات الاجتماعية) بأنها حصيلة تفوق طبيعي.[5]
أما الأفكار التي أتى بها نيتشه والتي تهمنا هنا (وهي في الواقع قراءة النتشوية الجديدة لأفكاره كما عرضها جيل دولوز أحد أبرز ممثلي هذا التيار) فتتمثل في العلاقة بين الواحد والمتعدد من جهة، والأنطوثيولوجيا (onthothéologie) من جهة أخرى. فالمتعدد ليس خاضعا للواحد ولا الصيرورة للوجود (Etre)، فالواحد هو المتعدد بصفته متعددا، والوجود هو الصيرورة. فالصيرورة لا تتعارض مع الوجود، ولا المتعدد مع الواحد، وبذلك يؤكد نتشه على ضرورة المصادفة. إن الشيء نفسه لا يعود، بل العودة هي الشيء نفسه لما يصير. وينتقد نيتشه سقراط (مؤسس الأنطوثيولوجيا) الذي يحاكم ويدين الحياة باسم قيم عليا، على عكس ديونيزوس الذي كان يرى أنه لا يجوز محاكمة الحياة لأنها صائبة ومقدسة من تلقاء نفسها[6].
أما الأنطوثيولوجيا فهي المسلمة التي تقوم عليها الميتافيزيقا، في نظر نيتشه، وتتمثل في الاعتقاد بوجود وئام مسبق بين الواقع ومطالب الانسان. وينتج عن هذا التأكيد على أن الوجود (Etre) جوهر يتجاوز الحس، وكذلك الأمر بالنسبة لماهية الحقيقة. ولهذا فإن مقياس الحقيقة أن تكون مُطَوِّبة (béatifiante) ومكرمة (gratifiante)، ليجد فيها العقل والقلب ضالتهما الأسمى. وهذا ما جعل من الميتافيزيقا أنطولوجيا أخلاقية تميل نحو الثيولوجيا (اللاهوت)، لأن الوجود الأسمى يتطابق مع تصور الله.[7]
كما وظف الخطيبي منظور هيدغر للتقنية ونقده للوهم الإنسي، فالتقنية عند هيدغر تحقق حلم الميتافيزيقا بصفتها بحثا عن الحقيقة اليقينية، والتي تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة التي تحولت بفعل العلم الحديث إلى طاقات يمكن استغلالها. لكنها سيطرة وهمية نظرا لكون الإنسان فقد فيها هويته وتحول إلى مجرد مستهلك وبذلك سقط في العدمية[8]. لقد حل الصدق التجريبي محل الحقيقة الميتافيزيقية، ومحل الخير والجميل حل ما هو مضبوط ونافع. وصار الانسان الحديث سجين حقائق لا دلالة لها، ودلالات لا حقيقة لها[9]. إن "الإنسان" في صورته التاريخية الحديثة وفي موقفه في مواجهة "الطبيعة" (بين مزدوجين لأنها ردت إلى مجرد طاقات يمكن استغلالها) ينتمي إلى ماهية التقنية، ولهذا لا يمكن إنقاذ الإنسان من الاستعمال القاتل للتقنية على أساس قيم إنسانية أظهر عصرنا عجزها عن تغيير أي شيء في الواقع[10]. أي أن القيم الإنسانية التي نشأت بموازاة مع العلم الحديث لا يمكنها أن تتحكم فيه أو ترتد ضده، رغم أنه قد يؤدي إلى تحويل الإنسان ذاته إلى مجرد طاقة قابلة للاستغلال.
ويستمد الخطيبي من عند سارتر منهجه الظاهراتي، وهو منهج يحاول تجاوز المناهج الأنتروبولوجية التي تموضع الإنسان، لكون هذه "الموضعة" لا تستنفذ كل حقيقة الإنسان. فالإنسان ليس موجودا في العالم فحسب بل هو فاعل (sujet) لعالمه. وهو عالم يستمد دلالته منه وله لأنه المجال الذي تتحقق فيه مشاريع الإنسان. والفلسفة هي الكفيلة بتجاوز المنهجية التجزيئية لعلوم الإنسان، لأنها وحدها القادرة على استيعاب الكلية المُكَوَّنة من الإنسان والعالم.[11]
ومن عند جاك دريدا يستمد الخطيبي مفهوم التفكيك[12] (la déconstruction) الذي يرمي إلى الانعتاق من ثقل المركزية الاثنية (éthnocentrisme) والمركزية العقلية (logocentrisme) الغربيين، إذ يؤكد: "وغير خاف أن أقوى سيطرة (على مستوى المعرفة) هي التي تجعل المسيطَر عليه يصل إلى الاعتقاد أو التفكير بأن نقطة ومركز وأصل كلامه هو نفس نقطة ومركز وأصل المسيطِر"[13]. والتفكيك (وغيره من مفاهيم فلسفة الاختلاف) يطال النسق الذي يرد تعدد الظواهر إلى الواحد وإلى الذات؛ وعوضا عن النسق الذي يوحد الظواهر يطرح مفهوم التفاعل (بدون تراتبية) والترابط (بدون سيرورة) والتزامن (بدون تاريخ)؛ كما يطال التاريخ (وفلسفة التاريخ) نظرا للغائية التي تحكمه، وعوضا عن التاريخ يقترح منطقا للزمن قائما على الحركة والتحول والمصادفة.[14]
إلا أن دريدا لا يعطي تعريفا لهذا المفهوم الذي استمده من عند هيدغر. وكان رده على من سأله في هذا الموضوع هو أن التفكيك هو "أكثر من لغة" (plus d’une langue) دون توضيح لهذا القول الغامض[15]. والتفكيك عند دريدا ليس منهجا يمكن تدريسه واتباعه. وليست انتقالا من المعقد إلى البسيط لأنها لا تهدف إلى تحليل المركب إلى عناصره لأن التركيب في صميم الظواهر؛ وليست فلسفة نقدية كما هو الشأن عند كانط الذي حاول تحديد مسلمات المعرفة وحدودها؛ فالتفكيك عند دريدا هو المكان الذي يتم فيه فك كل مخطط وكل منهجية تريد أن تفرض نفسها كمجموعة من المعايير، أنه المكان الذي يتم فيه فك كل بناء محكم التنظيم[16]. فالتفكيك عند دريدا يهدف إلى حل المعارضات المفهومية المترتِّبة: الصورة/المادة، النظري/العملي، الجوهر/العرض، الروح/الجسد، الدواء/السم، الحي/الميت، الأصل/الصورة، الكلي/الجزئي، الفكر/اللغة، المذكر/المؤنث، المعقول/المحسوس، الثقافة/الطبيعة، الداخل/الخارج، الأهلي/الأجنبي، الكلام/الكتابة... والتفكيك يكمن في خلخلة الحدود الفاصلة بين هذين الطرفين من أجل قلب الاستقطاب والتراتب الكائن بينها[17]. والتفكيك عند دريدا يعني الاهتمام بكل ما لم تستطع اللغة قوله، أو ما هو مسكوت عنه، ف"الكلام يقول دائما شيئا آخر غير ما يقوله".[18]
ويعطينا عبد السلام بنعبد العالي خلاصة مركزة لفكر الخطيبي قائلا: "إن الخطيبي يفتتن بالتراث. وهو يرى أنه "لكي نقطع الصلة معه، يجب أن نعرفه جيدا كما يجب أن نكون قد أحببناه وتشبعنا به". لذا يدعونا أن نفرغ الكتابة التاريخية ونطهرها من المطلقات التي تقيد الشعب فنجد الزمان الذي يحياه والمكان الذي يعيش فيه والجسد الذي يحيا به". إن الخطيبي "يميز الهوية عن التطابق فيعتبر أن لا شيء، حتى تراثنا ذاته، "يعطى لنا كما لو أنه نعمة". كما يعتقد أن أوروبا تقيم في كياننا. فالذاتي ينبغي تملكه، والهوية يلزم اكتساحها وغزوها. والغير لا يصبح آخر إلا إذا حول عن مركزه وزحزح عن تحديداته المهيمنة، لذا فهو يدعو إلى استراتيجية مفككة تفسح المجال لفكر يتمسك بالفوارق – يقول "لنأخذ الإنسان العربي وعلى وجه التحديد الإنسان المغربي، فإننا نلاحظ أنه يحمل في أعماقه كل ماضيه قبل الإسلامي والإسلامي والبربري والعربي والغربي. أهم شيء إذن هو أن لا نغفل هذه الهوية المتعددة التي تكون هذا الكائن، ومن ناحية أخرى يجب أن نفكر في الوحدة الممكنة بين هذه العناصر جميعا. لكنها وحدة غير لاهوتية تترك لكل عنصر نصيبه من التميز وتتيح للمجموع حرية الحركة". غير أن هذا التعدد كما نعلم لا يعطي نفسه بكل سهولة إذ سرعان ما تغلفه الأيديولجية لتخفي تناقضاته وتملأ فراغاته وتجعل منه وحدة متطابقة فتقضي على "عمل الموت" فيه"[19].
هذه هي الخلفية الفلسفية لنقد الخطيبي للاستشراق، وقد أجمل نقده في ثلاث نقاط:
كون الاستشراق يحلل ما يسميه شرقا دون أن يطرح مسألة الاختلاف، وبذلك يبقى خاضعا للنظرة الميتافيزيقية.
كون النزعة الوضعية للاستشراق لا تتعارض مع روحانيته، بل هناك تضامن بين الماهوية والوضعية والميتافيزيقا.
كون الاستشراق، مسيحيا كان أو مثاليا أو عقلانيا، متأثر بالنزعة الإنسية، بل إن النزعة الإنسية الثيولوجية وجدت فيه ملجأ لها. ففي القرن التاسع عشر الذي بدأ فيه الاله المدرسي (scolastique) ينسحب من ساحة الغرب تاركا المكان للإنسان بصفته الفاعل التاريخي، في هذا الوقت بالذات أخذ الاستشراق يستعيده من عند العرب. وهنا يُساءل الخطيبي الضرورة الداخلية التي تدفع الاستشراق نحو الإسلام، ويجيب: أليس لأن الله هجر الغرب وتركه عرضة لشيطان التقنية؟[20]
كون "الاستشراق اهتم بوجه خاص باللغة واللاهوت وهيأ بطريقته الخاصة الإشكالية السلفية بحيث نستطيع الانتقال من الاستشراق إلى السلفية (والعكس صحيح)، وذلك أن الوعيين بانعكاس أحدهما على الآخر ينتهيان إلى تهدئة صراعهما بطريقة لعبة المرآة"[21]. (والمفارقة تكمن في أن الخطيبي يستشهد هنا بالعروي الذي ينتقده في موقع آخر).
وما يمكن أن نلاحظه على هذا النقد هو قابليته للانهيار إذا انهارت مرجعيته الفلسفية[22]. وهو من ناحية أخرى يقطع بلا جدوى كثير من البحوث الاستشراقية والانتروبولوجية لأنها لا تستوفي شروط فلسفة الاختلاف. بل إن الفكر العربي المعاصر يفقد لديه كل جدوى أو دلالة، وعندما يقول أن التراثوية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى لاهوت، وأن السلفية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى مذهب (أخلاق سلوك سياسي، تربية اجتماعية)، وأن العقلانية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى تقنية[23]، فهذا يعني أن كل ما كتبه المفكرون العرب أخطأ هدفه. وكمثال على المفكرين العرب الذين أخطأوا هدفهم عبد الله العروي، إذ يقول الخطيبي بصدده: "إن ما يهدم تاريخانية العروي هذه هو أمانتها للهوية الوحشية. أي "لمسألة" ساذجة من مسائل الوجود. ومن هنا يخلط العروي بين "الآخر" و"الغير" و"الآخرين"، بين الانتروبولوجية الثقافية وفكر الاختلاف، بين التاريخي والتأريخي. زد على ذلك أن آراءه المختلفة حول الوجود العربي تسقط تلقائيا: فلسنا بحاجة إلى الالحاح على هشاشتها. يكتب مثلا: "منذ ثلاثة أرباع القرن، يطرح العرب على أنفسهم سؤالا وحيدا واحدا: من الآخر، ومن أنا؟" (الأيديولوجية العربية، ص 15) كما لو أن هذا السؤال ليس السؤال الجوهري لفكر الوجود، باستمرار. فبأية سذاجة ينسى العروي مسألة الوجود والموجود، المؤتلف والمختلف، كما طرحت في الفلسفة اليونانية والفلسفة العربية. إن أيديولوجية العروي منهارة، في أساسها"[24].
وكان حظ محمد عزيز الحبابي أسوأ من حظ العروي، إذ أن الخطيبي رمى بازدراء شخصانيته الواقعية، قائلا: "أما مونيي وشاردان، فلنكن جديين، إذ لا جدوى ترجى منهم بالنسبة للعالم العربي، ولنكمل طريقنا"[25] !
أما النقد الذي يوجهه لبيرك خاصة فيتمثل فيما يلي:
كون إحالات بيرك لفلاسفة عصر الأنوار ولماركس وسارتر وهيراقليطس سطحية وظرفية.
كون نزعته الإنسية تنبع من غائية كلية (téléologie) ومن أخروية (eschatologie) حذف منها طابعها الديني، ومقنعة باسم الطوباوية.
كونه يركز على ما يسميه بالتوتر القائم بين المقدس والتاريخي، فهل يعرف بيرك مجتمعا أو مرحلة تاريخية لم يوجد فيها هذا التوتر؟
كونه حاول احتواء كل موضة فكرية حتى لا تفاجئه.
أنه لا يحب الإسلام !
أما إفلاسه – حسب تعبيره – فيظهر جليا عندما يقول: "إن المجتمعات العربية لم تحظ بعد بالتاريخ الذي تستحقه، كما لم تحظ اللغة العربية بالمجتمع الذي تستحقه"[26]. إذ يتساءل الخطيبي: إذا كان العرب يقطنون خارج ذواتهم فأين يقطنون إذن؟
وإجمالا يصف النظرية التي كونها بيرك عن العرب بأنها متقلبة وانتقائية وانتهازية، ويصف لغته بالعتاقة والتكلف.[27]
ويعود الخطيبي لنقد بيرك في حوار له مع الطاهر بن جلون في صحيفة لوموند، دون أن يذكره بالاسم، وذلك منذ الأسئلة الأولى:
- س: "يقال بأن المجتمع العربي ليس متخلفا ولكنه مجتمع ينقصه التحليل[28]. فهل ترون أنه حقا لم ينل القسط الوافر من التفكير؟ أم أنه فكر فيه بطريقة مغلوطة كما يؤكد بعضهم.
- ج: "ربما صدق القول بأننا عموما نجد التفكير نادر، نادر جدا [...] أقول إذن التفكير متخلف في كل مكان، لكنكم ستعترضون علي: أليس النمو والانحطاط درجات؟ بالتأكيد نعم، ومن يستطيع أن ينكر هذا التفاوت الواقعي؟ [...] وعندما نقول بأن المجتع العربي غير متخلف وإنما تحليله هو المتخلف، فهذه سفسطة أو بالأحرى "ديماغوجية"".
- س: "ديماغوجية؟"
- ج: "بالتحديد، إننا نرى أن مختلف جوانب مجتمع ما تكون دوما مترابطة متآزرة. لنعد إلى موضوع العرب [...] إن الانهيار الاقتصادي والسياسي للعالم العربي منذ القرن الخامس عشر قد صاحبه انسحاب (retrait) للفكر، لا تخلف. ولهذا التمييز أهمية قصوى. فكل انسحاب يعني حياة بطيئة الإيقاع على الذات وعلى القيم المتأصلة [...]"
- س: "يعتقد بعضهم أن للانحطاط معنى سلبيا [...]"
- ج: "نعم، في حين يبدو لي أن هذه الكلمة تتصف بالايجابية، وفي الوقت نفسه تتجاوز كل إيجابية. سأشرح ذلك: ألا يكون الانحطاط توازنا جد مبهم بين حياة المجتمعات وقوتها [...] نحن أبعد ما نكون عن فهم ما يسمى باستخفاف "بلدان العالم الثالث" وفهم منابع القوة الكامنة الخفية. إن ما يشكل قوة العرب حاليا ليس البترول فقط بل أيضا لاهوتهم وتصوفهم ولغتهم الرائعة. ولكن كل قوة هي في حد ذاتها ضعف كبير: ألا تلهث التقنية الآن وتقود المصير اللاهوتي العربي إلى النهاية؟"[29]
أول ما يلاحظ في نقد الخطيبي هو عنفه الذي لا مسوغ له، خاصة وأن مضمونه سطحي ودغمائي ومتناقض وغير مشروع ومنفصم.
سطحي في اتهامه بيرك بالسطحية. إذ لا يمكن نعت فهم بيرك للتيارات التي ألهمته بأنه سطحي في حين أنها تيارات صاحبته منذ بداية حياته الفكرية. أما كون "سطحية" بيرك تنبع من اتباعه للموضات الفكرية، فإن هذا الاتهام يمكن أن ينطبق على الخطيبي نفسه في اتباعه لآخر الموضات الفكرية البارسية (بغموضها الذي أدانته كثير من الكتابات[30] ولغتها المتحذلقة (« endeuiller la métaphysique ») واستعلائها).
ودغمائي لأن حكم الخطيبي السلبي على الإنسية والغائية والأخروية يحيل إلى الدور السلبي للأنطوثويولوجيا عند تيار الاختلاف، فهي مُدانة من حيث المبدأ. وكما أشرت إلى ذلك سابقا، إذا انهار المبدأ انهار الحكم. والفرق كبير مع كتاب الاستشراق لادوارد سعيد –مثلا- الذي يشمل بالنقد المسلمات والمنهج والنتائج
ومتناقض لأنه يرمي بيرك بالديماغوجية لأنه قال بأنه لا توجد بلدان متخلفة (أي منحطة)، لكنه ينفي هو نفسه السلبية عن الانحطاط نظرا لما فيه من "منابع القوة الكامنة"!
وغير مشروع لأن ما كتبه الخطيبي في مجال السوسيولوجيا هزيل جدا، وهو بذلك لم يقدم نماذج عن الأبحاث الميدانية المستلهمة من فلسفة الاختلاف، حتى تمكن المقارنة بين منهجية الاختلاف والمناهج الأخرى. ولأن كثيرا مما كتبه بيرك لا يتنافى مع منظور الخطيبي، خاصة كتابه "البنى الاجتماعية في الأطلس الكبير" الذي يتميز بمنهجية واقعية لا يمكن بأي حال أن تنعت بالميتافيزقية.
والانفصام يكمن في المسافة بين القول والفعل، إذ ينطبق على الخطيبي (وكثير غيره) ما قاله محمد نور الدين أفاية في كتابه "الهوية والاختلاف"، والذي أفرد قسمه الثاني للخطيبي: "هناك إذن مفارقات عدة تطبع العلاقة بين الخطاب العربي ومختلف أشكال السلطة المرتبطة بالدولة. نجد المثقفين يشكون من الانفصال القائم بينهم وبين السلطة، وحين نبحث عن مواقعهم نجدهم لا يبتعدون كثيرا عن سلطة القرار أو قرار السلطة في كل أرجاء القارة العربية"[31]. وهو حكم ينطبق أيضا على الخطيبي، رغم أن أفاية يستثنيه ضمنيا من فئة المثقفين القريبين من السلطة.
أما قوله بأن بيرك يكره الإسلام فإنه يجعل القارئ المطلع على أعماله يتساءل إن كان الخطيبي قد قرأه فعلا.[32]
صحيح لقد كتب الخطيبي مقالا (ترجم تحت عنوان "سوسيولوجيا العالم العربي"[33]) يوضح فيه منظوره للمنهجية التي يجب أن تقوم عليها السوسيولوجيا، وهو يتقاسم بعض قواعد هذه المنهجية مع كثير من الباحثين الذي لا ينتمون إلى فلسفة الاختلاف. فالنقد المزدوج لما كتبه الغربيون والعرب وتفكيك المفاهيم، بمعنى نقدها، (ص 157) صارا من تحصيل الحاصل (والدليل هو أنه يستشهد بالعروي كما سبقت الإشارة إلى ذلك (ص 163)). أما مسألة "تقليص المفهومية الميتافيزيقية الناتجة عن المصدرين معا" (ص 163)، أي الغربي والعربي، فهي تحيل إلى إشكالية فلسفية أساسا وليست منهجية. فعندما يقول: "إنه من الواجب التخلي عن الدراسة النمطية في السوسيولوجيا لأنها تخفي وراءها ميتافيزيقا "الكليات" في حين أننا نود أن نقضي على تمركز المعرفة الغربية ونزعها شيئا فشيئا عن ميتافيزيقيتها الأرسطية" (ص 158)، فإن السؤال الذي يطرح هو: هل أن رفض الميتافيزيقا الأرسطية يقتضي بالضرورة رفض المبدأ الأرسطي القائل بأنه لا معرفة إلا بالكليات؟ لأنه بدون كليات يصير من العسير الفهم العلمي للظواهر، لأنها بذلك تبقى مجرد شتات من الأشياء والأحداث التي لا رابط بينها. مع العلم أن المشكلة التي طرحها التنميط في السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا لا يكمن في عملية التنميط بحد ذاتها، بل في الانحراف الذي طالها بسبب التعميم المتعسف والماهوية، أو الخلفية الأيديولوجية التي ألهمته.
يبقى أنه من الممكن أن نتفق مع الكثير من أفكار الخطيبي، بغض النظر عن خلفيتها الفلسفية التي قد نفهمها أو لا، أو قد نتفق معها أو لا. مع العلم أن هذه المواقف يمكن أن تستند إلى خلفيات فلسفية أخرى، كالماركسية مثلا. إلا أنه أخطأ الهدف في استهدافه لبيرك.
[1] المشكلة مع كتابات الخطيبي تكمن في أنها تعتمد على التلميح وكأنه يكتب إلى ناد ضيق من المثقفين المطلعين على آخر موضات الفلسفة الفرنسية. وهذا ما اضطرني إلى البدء بشرح مصطلحاته وخلفيتها الفلسفية.
[2] Abdelkbir Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », in Les Temps Modernes, Juin 1976
عندما سألت بيرك عن هذا المقال بدت عليه علامات الغضب، وقال لي بالعامية: "واش درتلو؟" (ماذا فعلت له؟)، مضيفا أن الخطيبي نسي الخدمات التي قدمها له.
[3] محمد وقيدي، "تطور الصياغة الأيديولوجية في الاستشراق"، دراسات عربية، عدد 7، ماي 1982، بيروت.
[4] يعطي الخطيبي خلاصة لخلفيته الفلسفية في مقاله: "المغرب، أفقا للفكر"، ترجمة أدونيس.
النقد المزدوج، دار العودة، بيروت (بدون تاريخ)
[5] Vincent Descombes, Le même et l’autre, quarante ans de philosophie française (1933-1978), Les Editions de Minuit, 1979, p. 161
[6] Gilles Deleuze, Nietzsche, P.U.F. Paris 1968, pp. 31-32
[7] « Nietzsche », in Encyclopaedia Universalis, Vol II, p. 804
[8] "Heidegger et la question de la technique", in Wikipédia.
أحيل القارئ إلى مقال ويكيبديا لأنه من أوضح ما يمكن أن يُقرأ في هذا الموضوع وإلى الفقرة المخصصة سابقا لهيدغر.
[9] Pierre Dulau, Heidegger, Ellipse 2008, pp. 68-69
[10] Arion Lothar Kelkel et René Schérer, Heidegger, op. cit. pp. 11-13
[11] Gilles Rivalland, L’homme en question, Hatier, Paris 1978, pp. 44-45
[12] الكثير يستعمل مصطلح "تفكيك" (عند الجابري مثلا) بمعنى نقد وتحليل وهو غير مفهوم "التفكيك" عند دريدا.
[13] سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج، ص 158
[14] Frédéric DARMAU et Pierre-Yves MATE, "Promotion de la différence. Étrangeté, altérité, singularité", Raison présente : Année 1986 79 pp. 43-52 (Fait partie d'un numéro thématique : Approches de la différence)
[15] Joseph-Igor Moulenda. DERRIDA ET LEVI-STRAUSS, La dette éthno-anthropologique de la déconstruction. L’Envol, Revue Africaine de Philosophie, Lettres et Pédagogie, ENS de Libreville , Les Editions du GRESHS, 2016. Pp. 10-11
[16] Ibid, p. 10
[17] Ibid, p. 6
[18] Ibid, p. 11
[19] عبد السلام بن عبد العالي: "آفاق الفكر الفلسفي في المغرب" في: الفلسفة في الوطن العربي المعاصر، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985. ص 256. وأيضا النقد المزدوج، ص 10-12
[20] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
[21] A. Laroui, L’idéologie arabe contemporaine, Maspéro 1969, (p ?)
"سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج، ص 163
[22] ومن أسباب انهيارها المحتمل غموضها
[23] "المغرب، أفقا للفكر"، ترجمة أدونيس. النقد المزدوج، دار العودة، بيروت (بدون تاريخ)
Khatibi, « Le Maghreb comme horizon de pensée », Les Temps Modernes, octobre 1977.
[24] المرجع نفسه، ص 20
[25] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
"Quant à Mounier et Chardin, soyons sérieux. Faisons-en l’économie au monde arabe et passons »
[26] Langage arabe du présent, p. 57
[27] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
[28] قول شهير لبيرك سأتناوله في "وضع الفلاح على الجرار" (الفصل الثالث)
[29] حوار بين الخطيبي والطاهر بن جلون نشر في جريدة لوموند بتاريخ 14 و15 فبرلير 1978. وتوجد ترجمة لهذا الحوار، تحت عنوان "الكيان العربي حاليا"، في كتاب عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، دار العودة، بيروت، بدون تاريخ (ترجمة زبيدة بورحيل)
[30] Alan Sokal et Jean Bricmont, Impostures intellectuelles, Paris, Odile Jacob, 1997
[31] محمد نور الدين أفاية، الهوية والاختلاف، في المرأة، الكتابة والهامش، نشر افريقيا الشرق الدار البيضاء، ص 20.
[32] لو كان بيرك يكره الإسلام لما قرأ أصدقاؤه المسلمون الذي حضروا جنازته الفاتحة عليه (هذا ما قالته لي جيوليا زوجته)
[33] سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج،
هذا المقال مقتطف من كتابي (الذي هو قيد النشر) "فلسفة الحضارة عند جاك بيرك". وقد أرتأيت أن أنشره مستقلا لأنه يبين ما جنته المجاملة الفكرية على الحياة الثقافية في المغرب. وهذا طوطم آخر من طواطم الفكر المغربي الذي اتناوله بالنقد، بعد الحبابي والجابري. وهو يأتي في سياق قسم خصصته لنقد الاستشراق. وما يميز نقد الخطيبي للاستشراق هو كونه استهدف جاك بيرك.
***
أخصص هذا القسم لنقد عبد الكبير الخطيبي[1] لإنه خص بالنقد جاك بيرك نفسه، رغم أن جل النقد الذي وجه للاستشراق كان يستثنيه. وعنوان المقال هو "جاك بيرك أو المذاق الشرقي"[2].
وقبل التطرق لنقد الخطيبي أشير إلى وجود نقد آخر لجاك بيرك بقلم محمد وقيدي[3]، إلا أنه مبني على ما ورد في كتاب واحد وهو Arabies، وهذا لا يكفي. وما دام أن وقيدي يقول أنه متفق مع الخطيبي أرتأيت التركيز على هذا الأخير.
يشتمل نقد الخطيبي على مستويين، أحدهما موجه إلى الاستشراق عامة والآخر لبيرك. وهو نقد لا يمكن فهمه دون توضيح المفاهيم الفلسفية التي استند عليها، وهي المفاهيم التي قامت عليها فلسفة الاختلاف (وتدعى أيضا بالنتشوية الجديدة)، وهي تيار فلسفي ظهر في فرنسا بعد ماي 1968. ومن أبرز ممثليها دريدا ودولوز وفوكو وغيرهم. وهي تقوم على قراءة خاصة لفلسفات هيجل ونتشه وهيدغر وسارتر. وكما هو معروف فإن جزءا من فلسفة هيدغر إنما هو إعادة قراءة لنيتشه، وكل من سارتر ودريدا متأثر بهيدغر[4].
لقد أراد هذا التيار الدفع بالتحرر إلى منتهاه من خلال الانفتاح على كل ما هو هامشي (وإن كان أحيانا يمثل غالبية مقموعة كالمرأة) والذي لا يجد له موطئ قدم في ثقافة رسمية تنطق باسم الطبقة المسيطرة وعلى رأسها الرجل الأبيض الغربي. ووسيلة هذا التحرر تكمن في تفكيك الخطاب الميتافيزيقي (الذي هيمن على تاريخ الفلسفة منذ سقراط إلى هيجل) والفلسفة بصفتها أيديولوجا للاثنية الأوروبية، وهي أيديولوجيا من حيث أنها تُظهر الوضع الحاصل وكأنه وضع شرعي والامتيازات التقليدية (أي الامتيازات الاجتماعية) بأنها حصيلة تفوق طبيعي.[5]
أما الأفكار التي أتى بها نيتشه والتي تهمنا هنا (وهي في الواقع قراءة النتشوية الجديدة لأفكاره كما عرضها جيل دولوز أحد أبرز ممثلي هذا التيار) فتتمثل في العلاقة بين الواحد والمتعدد من جهة، والأنطوثيولوجيا (onthothéologie) من جهة أخرى. فالمتعدد ليس خاضعا للواحد ولا الصيرورة للوجود (Etre)، فالواحد هو المتعدد بصفته متعددا، والوجود هو الصيرورة. فالصيرورة لا تتعارض مع الوجود، ولا المتعدد مع الواحد، وبذلك يؤكد نتشه على ضرورة المصادفة. إن الشيء نفسه لا يعود، بل العودة هي الشيء نفسه لما يصير. وينتقد نيتشه سقراط (مؤسس الأنطوثيولوجيا) الذي يحاكم ويدين الحياة باسم قيم عليا، على عكس ديونيزوس الذي كان يرى أنه لا يجوز محاكمة الحياة لأنها صائبة ومقدسة من تلقاء نفسها[6].
أما الأنطوثيولوجيا فهي المسلمة التي تقوم عليها الميتافيزيقا، في نظر نيتشه، وتتمثل في الاعتقاد بوجود وئام مسبق بين الواقع ومطالب الانسان. وينتج عن هذا التأكيد على أن الوجود (Etre) جوهر يتجاوز الحس، وكذلك الأمر بالنسبة لماهية الحقيقة. ولهذا فإن مقياس الحقيقة أن تكون مُطَوِّبة (béatifiante) ومكرمة (gratifiante)، ليجد فيها العقل والقلب ضالتهما الأسمى. وهذا ما جعل من الميتافيزيقا أنطولوجيا أخلاقية تميل نحو الثيولوجيا (اللاهوت)، لأن الوجود الأسمى يتطابق مع تصور الله.[7]
كما وظف الخطيبي منظور هيدغر للتقنية ونقده للوهم الإنسي، فالتقنية عند هيدغر تحقق حلم الميتافيزيقا بصفتها بحثا عن الحقيقة اليقينية، والتي تمكن الإنسان من السيطرة على الطبيعة التي تحولت بفعل العلم الحديث إلى طاقات يمكن استغلالها. لكنها سيطرة وهمية نظرا لكون الإنسان فقد فيها هويته وتحول إلى مجرد مستهلك وبذلك سقط في العدمية[8]. لقد حل الصدق التجريبي محل الحقيقة الميتافيزيقية، ومحل الخير والجميل حل ما هو مضبوط ونافع. وصار الانسان الحديث سجين حقائق لا دلالة لها، ودلالات لا حقيقة لها[9]. إن "الإنسان" في صورته التاريخية الحديثة وفي موقفه في مواجهة "الطبيعة" (بين مزدوجين لأنها ردت إلى مجرد طاقات يمكن استغلالها) ينتمي إلى ماهية التقنية، ولهذا لا يمكن إنقاذ الإنسان من الاستعمال القاتل للتقنية على أساس قيم إنسانية أظهر عصرنا عجزها عن تغيير أي شيء في الواقع[10]. أي أن القيم الإنسانية التي نشأت بموازاة مع العلم الحديث لا يمكنها أن تتحكم فيه أو ترتد ضده، رغم أنه قد يؤدي إلى تحويل الإنسان ذاته إلى مجرد طاقة قابلة للاستغلال.
ويستمد الخطيبي من عند سارتر منهجه الظاهراتي، وهو منهج يحاول تجاوز المناهج الأنتروبولوجية التي تموضع الإنسان، لكون هذه "الموضعة" لا تستنفذ كل حقيقة الإنسان. فالإنسان ليس موجودا في العالم فحسب بل هو فاعل (sujet) لعالمه. وهو عالم يستمد دلالته منه وله لأنه المجال الذي تتحقق فيه مشاريع الإنسان. والفلسفة هي الكفيلة بتجاوز المنهجية التجزيئية لعلوم الإنسان، لأنها وحدها القادرة على استيعاب الكلية المُكَوَّنة من الإنسان والعالم.[11]
ومن عند جاك دريدا يستمد الخطيبي مفهوم التفكيك[12] (la déconstruction) الذي يرمي إلى الانعتاق من ثقل المركزية الاثنية (éthnocentrisme) والمركزية العقلية (logocentrisme) الغربيين، إذ يؤكد: "وغير خاف أن أقوى سيطرة (على مستوى المعرفة) هي التي تجعل المسيطَر عليه يصل إلى الاعتقاد أو التفكير بأن نقطة ومركز وأصل كلامه هو نفس نقطة ومركز وأصل المسيطِر"[13]. والتفكيك (وغيره من مفاهيم فلسفة الاختلاف) يطال النسق الذي يرد تعدد الظواهر إلى الواحد وإلى الذات؛ وعوضا عن النسق الذي يوحد الظواهر يطرح مفهوم التفاعل (بدون تراتبية) والترابط (بدون سيرورة) والتزامن (بدون تاريخ)؛ كما يطال التاريخ (وفلسفة التاريخ) نظرا للغائية التي تحكمه، وعوضا عن التاريخ يقترح منطقا للزمن قائما على الحركة والتحول والمصادفة.[14]
إلا أن دريدا لا يعطي تعريفا لهذا المفهوم الذي استمده من عند هيدغر. وكان رده على من سأله في هذا الموضوع هو أن التفكيك هو "أكثر من لغة" (plus d’une langue) دون توضيح لهذا القول الغامض[15]. والتفكيك عند دريدا ليس منهجا يمكن تدريسه واتباعه. وليست انتقالا من المعقد إلى البسيط لأنها لا تهدف إلى تحليل المركب إلى عناصره لأن التركيب في صميم الظواهر؛ وليست فلسفة نقدية كما هو الشأن عند كانط الذي حاول تحديد مسلمات المعرفة وحدودها؛ فالتفكيك عند دريدا هو المكان الذي يتم فيه فك كل مخطط وكل منهجية تريد أن تفرض نفسها كمجموعة من المعايير، أنه المكان الذي يتم فيه فك كل بناء محكم التنظيم[16]. فالتفكيك عند دريدا يهدف إلى حل المعارضات المفهومية المترتِّبة: الصورة/المادة، النظري/العملي، الجوهر/العرض، الروح/الجسد، الدواء/السم، الحي/الميت، الأصل/الصورة، الكلي/الجزئي، الفكر/اللغة، المذكر/المؤنث، المعقول/المحسوس، الثقافة/الطبيعة، الداخل/الخارج، الأهلي/الأجنبي، الكلام/الكتابة... والتفكيك يكمن في خلخلة الحدود الفاصلة بين هذين الطرفين من أجل قلب الاستقطاب والتراتب الكائن بينها[17]. والتفكيك عند دريدا يعني الاهتمام بكل ما لم تستطع اللغة قوله، أو ما هو مسكوت عنه، ف"الكلام يقول دائما شيئا آخر غير ما يقوله".[18]
ويعطينا عبد السلام بنعبد العالي خلاصة مركزة لفكر الخطيبي قائلا: "إن الخطيبي يفتتن بالتراث. وهو يرى أنه "لكي نقطع الصلة معه، يجب أن نعرفه جيدا كما يجب أن نكون قد أحببناه وتشبعنا به". لذا يدعونا أن نفرغ الكتابة التاريخية ونطهرها من المطلقات التي تقيد الشعب فنجد الزمان الذي يحياه والمكان الذي يعيش فيه والجسد الذي يحيا به". إن الخطيبي "يميز الهوية عن التطابق فيعتبر أن لا شيء، حتى تراثنا ذاته، "يعطى لنا كما لو أنه نعمة". كما يعتقد أن أوروبا تقيم في كياننا. فالذاتي ينبغي تملكه، والهوية يلزم اكتساحها وغزوها. والغير لا يصبح آخر إلا إذا حول عن مركزه وزحزح عن تحديداته المهيمنة، لذا فهو يدعو إلى استراتيجية مفككة تفسح المجال لفكر يتمسك بالفوارق – يقول "لنأخذ الإنسان العربي وعلى وجه التحديد الإنسان المغربي، فإننا نلاحظ أنه يحمل في أعماقه كل ماضيه قبل الإسلامي والإسلامي والبربري والعربي والغربي. أهم شيء إذن هو أن لا نغفل هذه الهوية المتعددة التي تكون هذا الكائن، ومن ناحية أخرى يجب أن نفكر في الوحدة الممكنة بين هذه العناصر جميعا. لكنها وحدة غير لاهوتية تترك لكل عنصر نصيبه من التميز وتتيح للمجموع حرية الحركة". غير أن هذا التعدد كما نعلم لا يعطي نفسه بكل سهولة إذ سرعان ما تغلفه الأيديولجية لتخفي تناقضاته وتملأ فراغاته وتجعل منه وحدة متطابقة فتقضي على "عمل الموت" فيه"[19].
هذه هي الخلفية الفلسفية لنقد الخطيبي للاستشراق، وقد أجمل نقده في ثلاث نقاط:
كون الاستشراق يحلل ما يسميه شرقا دون أن يطرح مسألة الاختلاف، وبذلك يبقى خاضعا للنظرة الميتافيزيقية.
كون النزعة الوضعية للاستشراق لا تتعارض مع روحانيته، بل هناك تضامن بين الماهوية والوضعية والميتافيزيقا.
كون الاستشراق، مسيحيا كان أو مثاليا أو عقلانيا، متأثر بالنزعة الإنسية، بل إن النزعة الإنسية الثيولوجية وجدت فيه ملجأ لها. ففي القرن التاسع عشر الذي بدأ فيه الاله المدرسي (scolastique) ينسحب من ساحة الغرب تاركا المكان للإنسان بصفته الفاعل التاريخي، في هذا الوقت بالذات أخذ الاستشراق يستعيده من عند العرب. وهنا يُساءل الخطيبي الضرورة الداخلية التي تدفع الاستشراق نحو الإسلام، ويجيب: أليس لأن الله هجر الغرب وتركه عرضة لشيطان التقنية؟[20]
كون "الاستشراق اهتم بوجه خاص باللغة واللاهوت وهيأ بطريقته الخاصة الإشكالية السلفية بحيث نستطيع الانتقال من الاستشراق إلى السلفية (والعكس صحيح)، وذلك أن الوعيين بانعكاس أحدهما على الآخر ينتهيان إلى تهدئة صراعهما بطريقة لعبة المرآة"[21]. (والمفارقة تكمن في أن الخطيبي يستشهد هنا بالعروي الذي ينتقده في موقع آخر).
وما يمكن أن نلاحظه على هذا النقد هو قابليته للانهيار إذا انهارت مرجعيته الفلسفية[22]. وهو من ناحية أخرى يقطع بلا جدوى كثير من البحوث الاستشراقية والانتروبولوجية لأنها لا تستوفي شروط فلسفة الاختلاف. بل إن الفكر العربي المعاصر يفقد لديه كل جدوى أو دلالة، وعندما يقول أن التراثوية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى لاهوت، وأن السلفية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى مذهب (أخلاق سلوك سياسي، تربية اجتماعية)، وأن العقلانية هي الميتافيزيقا عندما تتحول إلى تقنية[23]، فهذا يعني أن كل ما كتبه المفكرون العرب أخطأ هدفه. وكمثال على المفكرين العرب الذين أخطأوا هدفهم عبد الله العروي، إذ يقول الخطيبي بصدده: "إن ما يهدم تاريخانية العروي هذه هو أمانتها للهوية الوحشية. أي "لمسألة" ساذجة من مسائل الوجود. ومن هنا يخلط العروي بين "الآخر" و"الغير" و"الآخرين"، بين الانتروبولوجية الثقافية وفكر الاختلاف، بين التاريخي والتأريخي. زد على ذلك أن آراءه المختلفة حول الوجود العربي تسقط تلقائيا: فلسنا بحاجة إلى الالحاح على هشاشتها. يكتب مثلا: "منذ ثلاثة أرباع القرن، يطرح العرب على أنفسهم سؤالا وحيدا واحدا: من الآخر، ومن أنا؟" (الأيديولوجية العربية، ص 15) كما لو أن هذا السؤال ليس السؤال الجوهري لفكر الوجود، باستمرار. فبأية سذاجة ينسى العروي مسألة الوجود والموجود، المؤتلف والمختلف، كما طرحت في الفلسفة اليونانية والفلسفة العربية. إن أيديولوجية العروي منهارة، في أساسها"[24].
وكان حظ محمد عزيز الحبابي أسوأ من حظ العروي، إذ أن الخطيبي رمى بازدراء شخصانيته الواقعية، قائلا: "أما مونيي وشاردان، فلنكن جديين، إذ لا جدوى ترجى منهم بالنسبة للعالم العربي، ولنكمل طريقنا"[25] !
أما النقد الذي يوجهه لبيرك خاصة فيتمثل فيما يلي:
كون إحالات بيرك لفلاسفة عصر الأنوار ولماركس وسارتر وهيراقليطس سطحية وظرفية.
كون نزعته الإنسية تنبع من غائية كلية (téléologie) ومن أخروية (eschatologie) حذف منها طابعها الديني، ومقنعة باسم الطوباوية.
كونه يركز على ما يسميه بالتوتر القائم بين المقدس والتاريخي، فهل يعرف بيرك مجتمعا أو مرحلة تاريخية لم يوجد فيها هذا التوتر؟
كونه حاول احتواء كل موضة فكرية حتى لا تفاجئه.
أنه لا يحب الإسلام !
أما إفلاسه – حسب تعبيره – فيظهر جليا عندما يقول: "إن المجتمعات العربية لم تحظ بعد بالتاريخ الذي تستحقه، كما لم تحظ اللغة العربية بالمجتمع الذي تستحقه"[26]. إذ يتساءل الخطيبي: إذا كان العرب يقطنون خارج ذواتهم فأين يقطنون إذن؟
وإجمالا يصف النظرية التي كونها بيرك عن العرب بأنها متقلبة وانتقائية وانتهازية، ويصف لغته بالعتاقة والتكلف.[27]
ويعود الخطيبي لنقد بيرك في حوار له مع الطاهر بن جلون في صحيفة لوموند، دون أن يذكره بالاسم، وذلك منذ الأسئلة الأولى:
- س: "يقال بأن المجتمع العربي ليس متخلفا ولكنه مجتمع ينقصه التحليل[28]. فهل ترون أنه حقا لم ينل القسط الوافر من التفكير؟ أم أنه فكر فيه بطريقة مغلوطة كما يؤكد بعضهم.
- ج: "ربما صدق القول بأننا عموما نجد التفكير نادر، نادر جدا [...] أقول إذن التفكير متخلف في كل مكان، لكنكم ستعترضون علي: أليس النمو والانحطاط درجات؟ بالتأكيد نعم، ومن يستطيع أن ينكر هذا التفاوت الواقعي؟ [...] وعندما نقول بأن المجتع العربي غير متخلف وإنما تحليله هو المتخلف، فهذه سفسطة أو بالأحرى "ديماغوجية"".
- س: "ديماغوجية؟"
- ج: "بالتحديد، إننا نرى أن مختلف جوانب مجتمع ما تكون دوما مترابطة متآزرة. لنعد إلى موضوع العرب [...] إن الانهيار الاقتصادي والسياسي للعالم العربي منذ القرن الخامس عشر قد صاحبه انسحاب (retrait) للفكر، لا تخلف. ولهذا التمييز أهمية قصوى. فكل انسحاب يعني حياة بطيئة الإيقاع على الذات وعلى القيم المتأصلة [...]"
- س: "يعتقد بعضهم أن للانحطاط معنى سلبيا [...]"
- ج: "نعم، في حين يبدو لي أن هذه الكلمة تتصف بالايجابية، وفي الوقت نفسه تتجاوز كل إيجابية. سأشرح ذلك: ألا يكون الانحطاط توازنا جد مبهم بين حياة المجتمعات وقوتها [...] نحن أبعد ما نكون عن فهم ما يسمى باستخفاف "بلدان العالم الثالث" وفهم منابع القوة الكامنة الخفية. إن ما يشكل قوة العرب حاليا ليس البترول فقط بل أيضا لاهوتهم وتصوفهم ولغتهم الرائعة. ولكن كل قوة هي في حد ذاتها ضعف كبير: ألا تلهث التقنية الآن وتقود المصير اللاهوتي العربي إلى النهاية؟"[29]
أول ما يلاحظ في نقد الخطيبي هو عنفه الذي لا مسوغ له، خاصة وأن مضمونه سطحي ودغمائي ومتناقض وغير مشروع ومنفصم.
سطحي في اتهامه بيرك بالسطحية. إذ لا يمكن نعت فهم بيرك للتيارات التي ألهمته بأنه سطحي في حين أنها تيارات صاحبته منذ بداية حياته الفكرية. أما كون "سطحية" بيرك تنبع من اتباعه للموضات الفكرية، فإن هذا الاتهام يمكن أن ينطبق على الخطيبي نفسه في اتباعه لآخر الموضات الفكرية البارسية (بغموضها الذي أدانته كثير من الكتابات[30] ولغتها المتحذلقة (« endeuiller la métaphysique ») واستعلائها).
ودغمائي لأن حكم الخطيبي السلبي على الإنسية والغائية والأخروية يحيل إلى الدور السلبي للأنطوثويولوجيا عند تيار الاختلاف، فهي مُدانة من حيث المبدأ. وكما أشرت إلى ذلك سابقا، إذا انهار المبدأ انهار الحكم. والفرق كبير مع كتاب الاستشراق لادوارد سعيد –مثلا- الذي يشمل بالنقد المسلمات والمنهج والنتائج
ومتناقض لأنه يرمي بيرك بالديماغوجية لأنه قال بأنه لا توجد بلدان متخلفة (أي منحطة)، لكنه ينفي هو نفسه السلبية عن الانحطاط نظرا لما فيه من "منابع القوة الكامنة"!
وغير مشروع لأن ما كتبه الخطيبي في مجال السوسيولوجيا هزيل جدا، وهو بذلك لم يقدم نماذج عن الأبحاث الميدانية المستلهمة من فلسفة الاختلاف، حتى تمكن المقارنة بين منهجية الاختلاف والمناهج الأخرى. ولأن كثيرا مما كتبه بيرك لا يتنافى مع منظور الخطيبي، خاصة كتابه "البنى الاجتماعية في الأطلس الكبير" الذي يتميز بمنهجية واقعية لا يمكن بأي حال أن تنعت بالميتافيزقية.
والانفصام يكمن في المسافة بين القول والفعل، إذ ينطبق على الخطيبي (وكثير غيره) ما قاله محمد نور الدين أفاية في كتابه "الهوية والاختلاف"، والذي أفرد قسمه الثاني للخطيبي: "هناك إذن مفارقات عدة تطبع العلاقة بين الخطاب العربي ومختلف أشكال السلطة المرتبطة بالدولة. نجد المثقفين يشكون من الانفصال القائم بينهم وبين السلطة، وحين نبحث عن مواقعهم نجدهم لا يبتعدون كثيرا عن سلطة القرار أو قرار السلطة في كل أرجاء القارة العربية"[31]. وهو حكم ينطبق أيضا على الخطيبي، رغم أن أفاية يستثنيه ضمنيا من فئة المثقفين القريبين من السلطة.
أما قوله بأن بيرك يكره الإسلام فإنه يجعل القارئ المطلع على أعماله يتساءل إن كان الخطيبي قد قرأه فعلا.[32]
صحيح لقد كتب الخطيبي مقالا (ترجم تحت عنوان "سوسيولوجيا العالم العربي"[33]) يوضح فيه منظوره للمنهجية التي يجب أن تقوم عليها السوسيولوجيا، وهو يتقاسم بعض قواعد هذه المنهجية مع كثير من الباحثين الذي لا ينتمون إلى فلسفة الاختلاف. فالنقد المزدوج لما كتبه الغربيون والعرب وتفكيك المفاهيم، بمعنى نقدها، (ص 157) صارا من تحصيل الحاصل (والدليل هو أنه يستشهد بالعروي كما سبقت الإشارة إلى ذلك (ص 163)). أما مسألة "تقليص المفهومية الميتافيزيقية الناتجة عن المصدرين معا" (ص 163)، أي الغربي والعربي، فهي تحيل إلى إشكالية فلسفية أساسا وليست منهجية. فعندما يقول: "إنه من الواجب التخلي عن الدراسة النمطية في السوسيولوجيا لأنها تخفي وراءها ميتافيزيقا "الكليات" في حين أننا نود أن نقضي على تمركز المعرفة الغربية ونزعها شيئا فشيئا عن ميتافيزيقيتها الأرسطية" (ص 158)، فإن السؤال الذي يطرح هو: هل أن رفض الميتافيزيقا الأرسطية يقتضي بالضرورة رفض المبدأ الأرسطي القائل بأنه لا معرفة إلا بالكليات؟ لأنه بدون كليات يصير من العسير الفهم العلمي للظواهر، لأنها بذلك تبقى مجرد شتات من الأشياء والأحداث التي لا رابط بينها. مع العلم أن المشكلة التي طرحها التنميط في السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا لا يكمن في عملية التنميط بحد ذاتها، بل في الانحراف الذي طالها بسبب التعميم المتعسف والماهوية، أو الخلفية الأيديولوجية التي ألهمته.
يبقى أنه من الممكن أن نتفق مع الكثير من أفكار الخطيبي، بغض النظر عن خلفيتها الفلسفية التي قد نفهمها أو لا، أو قد نتفق معها أو لا. مع العلم أن هذه المواقف يمكن أن تستند إلى خلفيات فلسفية أخرى، كالماركسية مثلا. إلا أنه أخطأ الهدف في استهدافه لبيرك.
[1] المشكلة مع كتابات الخطيبي تكمن في أنها تعتمد على التلميح وكأنه يكتب إلى ناد ضيق من المثقفين المطلعين على آخر موضات الفلسفة الفرنسية. وهذا ما اضطرني إلى البدء بشرح مصطلحاته وخلفيتها الفلسفية.
[2] Abdelkbir Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », in Les Temps Modernes, Juin 1976
عندما سألت بيرك عن هذا المقال بدت عليه علامات الغضب، وقال لي بالعامية: "واش درتلو؟" (ماذا فعلت له؟)، مضيفا أن الخطيبي نسي الخدمات التي قدمها له.
[3] محمد وقيدي، "تطور الصياغة الأيديولوجية في الاستشراق"، دراسات عربية، عدد 7، ماي 1982، بيروت.
[4] يعطي الخطيبي خلاصة لخلفيته الفلسفية في مقاله: "المغرب، أفقا للفكر"، ترجمة أدونيس.
النقد المزدوج، دار العودة، بيروت (بدون تاريخ)
[5] Vincent Descombes, Le même et l’autre, quarante ans de philosophie française (1933-1978), Les Editions de Minuit, 1979, p. 161
[6] Gilles Deleuze, Nietzsche, P.U.F. Paris 1968, pp. 31-32
[7] « Nietzsche », in Encyclopaedia Universalis, Vol II, p. 804
[8] "Heidegger et la question de la technique", in Wikipédia.
أحيل القارئ إلى مقال ويكيبديا لأنه من أوضح ما يمكن أن يُقرأ في هذا الموضوع وإلى الفقرة المخصصة سابقا لهيدغر.
[9] Pierre Dulau, Heidegger, Ellipse 2008, pp. 68-69
[10] Arion Lothar Kelkel et René Schérer, Heidegger, op. cit. pp. 11-13
[11] Gilles Rivalland, L’homme en question, Hatier, Paris 1978, pp. 44-45
[12] الكثير يستعمل مصطلح "تفكيك" (عند الجابري مثلا) بمعنى نقد وتحليل وهو غير مفهوم "التفكيك" عند دريدا.
[13] سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج، ص 158
[14] Frédéric DARMAU et Pierre-Yves MATE, "Promotion de la différence. Étrangeté, altérité, singularité", Raison présente : Année 1986 79 pp. 43-52 (Fait partie d'un numéro thématique : Approches de la différence)
[15] Joseph-Igor Moulenda. DERRIDA ET LEVI-STRAUSS, La dette éthno-anthropologique de la déconstruction. L’Envol, Revue Africaine de Philosophie, Lettres et Pédagogie, ENS de Libreville , Les Editions du GRESHS, 2016. Pp. 10-11
[16] Ibid, p. 10
[17] Ibid, p. 6
[18] Ibid, p. 11
[19] عبد السلام بن عبد العالي: "آفاق الفكر الفلسفي في المغرب" في: الفلسفة في الوطن العربي المعاصر، نشر مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 1985. ص 256. وأيضا النقد المزدوج، ص 10-12
[20] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
[21] A. Laroui, L’idéologie arabe contemporaine, Maspéro 1969, (p ?)
"سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج، ص 163
[22] ومن أسباب انهيارها المحتمل غموضها
[23] "المغرب، أفقا للفكر"، ترجمة أدونيس. النقد المزدوج، دار العودة، بيروت (بدون تاريخ)
Khatibi, « Le Maghreb comme horizon de pensée », Les Temps Modernes, octobre 1977.
[24] المرجع نفسه، ص 20
[25] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
"Quant à Mounier et Chardin, soyons sérieux. Faisons-en l’économie au monde arabe et passons »
[26] Langage arabe du présent, p. 57
[27] A. Khatibi, « Jacques Berque ou la saveur orientale », Les Temps Modernes, juin 1976.
[28] قول شهير لبيرك سأتناوله في "وضع الفلاح على الجرار" (الفصل الثالث)
[29] حوار بين الخطيبي والطاهر بن جلون نشر في جريدة لوموند بتاريخ 14 و15 فبرلير 1978. وتوجد ترجمة لهذا الحوار، تحت عنوان "الكيان العربي حاليا"، في كتاب عبد الكبير الخطيبي، النقد المزدوج، دار العودة، بيروت، بدون تاريخ (ترجمة زبيدة بورحيل)
[30] Alan Sokal et Jean Bricmont, Impostures intellectuelles, Paris, Odile Jacob, 1997
[31] محمد نور الدين أفاية، الهوية والاختلاف، في المرأة، الكتابة والهامش، نشر افريقيا الشرق الدار البيضاء، ص 20.
[32] لو كان بيرك يكره الإسلام لما قرأ أصدقاؤه المسلمون الذي حضروا جنازته الفاتحة عليه (هذا ما قالته لي جيوليا زوجته)
[33] سوسيولوجيا العالم العربي" (مواقف) ترجمة زبيدة بورحيل، ضمن النقد المزدوج،