عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
أدركت بنباهتنا أو بحدسها الأنثوي أن نظراتي النارية تلاحق حركاتها، وترصد تفاصيل جسدها المتناسق. هو رصد سكنني منذ كنت صغيرا وما استطعت الخلاص منه.
كنت أجدها بالمقهى بلباسها المتواضع والذي يغطي كامل جسدها تقوم بهمة ونشاط بتنظيف المكان وكراسيه، تقوم بذلك بتفان.
تخيلتها قادمة من إحدى الحواري الهامشية تنشد رزقا بعرق الجبين، وهي واضحة لا تروم تزييف، لباسها لم يتغير منذ ارتدت هذا الفضاء البعيد عن الرسميات؛ صحيح أنها مقهى متواضعة لا يؤمها سوى الطلبة وبعض الأساتذة والكثير ممن لا شغل لهم سوى قتل الوقت بالنميمة أو لعب الورق أو شرب ما تنوع من أدخنة، وقليل من الموظفين البسطاء. مقهى توفر لي الرصد ومراقبة سلوك الناس. قلت في نفسي: هذه طريدة سهلة، وقليل من النقود وبضع كلمات حلوة ستكون كافية لتعبيد الطريق وبل الريق. بل رأيتها شخصية مهمة في نص قصصي قد أكتبه مستقبلا.
اليوم، وجدتها ترتدي لباسا بألوان فاتحة وضاجة بالفرح، قميص بلون وردي يظهر فتنة ذراعيها القمحيتين كلحم طري؛ وقد أسبلت شعرها الفاحم فانساب بأفعوانية على ظهرها المستقيم، ليبلغ ردفيها الممتلئين والنابتين فوق ساقين شهيتين بلون المرمر لا تخفيهما سوى تنورة بلون سماوي، تبلغ بالكادالركبتين. كانت ترسم على محياها الوضيء ابتسامة عذبة زاد توهجها حين رأتني. ثم شرعت في تنفيذ مهمتها بهمة ونشاط وكانت المقهى في تلك اللحظة فارغة إلا مني ومن نظراتي التي تقطر شهوانية تنحني لتبرز مؤخرتها المكورة، وتنظر إلي خلسة لتعلم إن كنت ما زلت متابعا لها ولتعلم أثر حركاتها في نفسي من خلال علامات عيني وحركاتهما. لتواصل مسح أرضية المقهى وسلاليمها المؤدية إلى الصالة الفسيحة بالأعلى حيث كنت أجلس كأمير يتابع نشاطها اللذيذ. كانت تتلوى كأفعى حريصة على تنويم طريدتها، ثم تتعمد إبراز صدرها وما تمتلكه من وافر كرمها. كنت، فعلا، مشدودا إلى نهديها المتمردين وقد برزا كرمانتين مشدودتين، ومشدودا إلى شفتيها المكتنزتين والمتعطشتين للقبل، وكانت، كما حدست، متعطشة للكلام الحلو أكثر، تنشد رومانسية مفقودة بفعل وطأة الواقع المر.
انتظرت حتى اقتربت مني، فهمست في أذنها كلاما موزونا غير مقفى:
ها أنا أسميك حبيبة
وأتأمل يدي الغاصة بعبير حضورك
وأسافر بخيالي
في تضاريس جسد المكتنزف
كمكتشف المغاور
فعلي أن أحاذر
حتى لا يقع الكأس
فأصحو من لذة شروقك الباهر..
أنا المفتون بك
بك المفتون..
قلت لها:
هذا لك.
ضحكت وقد احمر خداها، وأجابتني:
تبارك الله عليك، تتعرف كيف تهدر !
هل أعجبك كلامي؟
بزاف، شكرا لك، قالتها وانصرفت لشغلها.
دسست في يدها حلوى وشعرا جميلا ووعدا بالمستحيل.
وتخيلتها تلتقط من يدي الحب بنهم وامتنان، لكنها أيقظتني بصفعة رفض حين أعادت إلي ما دسسته بكبرياء؛ فاعتدلت في حلمي، وانصرفت إلى حرفي خائبا.