عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
الذئب الأجرب والشاة العجفاء
**
يمشي وئيد الخطو، يمشي وحيدا في غابة كثيفة الأشجار ملتفة السيقان يمشي والأمطار تتساقط غير عابئة بجوعه الذي يمزق أمعاءه؛ أمعاءه التي تصدر بفعل الفراغ نغمات حزينة، يمشي وفي عينيه حلم طعام، وتحت مخالبه تنام رغبات دم. ذئب وحيد في غابة مرعبة، أشجارها مثل أشباح، في ليل بارد يزيد الظلمة اشتدادا، يبحث بحاسة شمه عن فريسة تمنحه نجاة، تخلى عنه صحبه وأفردوه إفراد البعير المعبد، وتركوه للوحدة تقشره، وللبرد ينخر عظامه، وللجوع، ينهش بطنه. التخلي عنه وصمة في جبين تاريخ الذئاب، وسابقة لم يعهدها منهم أحد.
يمضغ صمته ويواصل المسير، لا يترك على الأرض المبتلة أثرا، يمحو الماء عبير أقدامه الرخوة؛ صوته تراتيل ودعاء، وفي نبض قلبه رجاء. يسكت عواءه لكي لا يفضحه، لا يريد إقلاق الغابة، ولا إسكات صوت المطر.
يمشي وحيدا لا شيء يتبعه غير نفسه الوحيدة…
.. في الجهة المقابلة، تمشي نعجة غادرت قطيعها محتجة على سوء المعاملة، نعجة تبدو أبية رغم أنها عجفاء، لكنها شقية، ومتمردة، انفصلت عن قطيع لا يقيم لها اعتبارا رغم خبرتها بفعل ما راكمته من تجارب خلال أعوامها الطويلة. فضلت السير في هذه الغابة المظلمة وحدية متحدية خوفها، وما يمكن أن يأتي به الظلام، لم تهتم للمطر ولا للظلام، ولا للوحدة، كل شيء يهون إلا جور الراعي، وتصرفاته التمييزية، وما تنطوي عليه معاملاته التفضيلية من خبث حذرت منه صويحباتها فأبين الإنصات. كانت ترى بعينيها وبتجربتها سقوطهن ضحايا غرورهن وثقتهن الزائدة في راع خبيث الطوية. لربما تمكن الراعي من إبعادها بذكاء حتى لا تعدي باقي القطيع، ولم تتفطن لحيلته الناجحة.
في طريقهما، يلتقيان، الذئب أمام سؤال البقاء، والنعجة أمام سؤال التضحية، فهل يلتقيان؟
يتوقف المطر، تنقشع السحب عن قمر مشع يضيء المكان، يضيئه للحظات، تمكن الذئب الوحيد، والجائع والهزيل من رؤية الشاة الشريدة، وتمكن الشاة العجفاء الغاضبة وقد تخلصت من جل صوفها فبدت كومة عظام من رؤية الذئب. للحظة صغيرة في الزمن، كبرهة، كخفقة كومضة شهاب يعبر بسرعة السماء..
لم يمتلك الذئب الخائر قوة الافتراس، ولا النعجة امتلكت قوة الهرب.
فهل سينجب واقعهما صداقة عجيبة تعاكس المعتاد وتخرق قانون الطبيعة؟ أم هل سيكملان سيرهما باتجاه ما رسمه القدر بفنية عالية لهما؟
أهي وحدة المصير؟
**
يمشي وئيد الخطو، يمشي وحيدا في غابة كثيفة الأشجار ملتفة السيقان يمشي والأمطار تتساقط غير عابئة بجوعه الذي يمزق أمعاءه؛ أمعاءه التي تصدر بفعل الفراغ نغمات حزينة، يمشي وفي عينيه حلم طعام، وتحت مخالبه تنام رغبات دم. ذئب وحيد في غابة مرعبة، أشجارها مثل أشباح، في ليل بارد يزيد الظلمة اشتدادا، يبحث بحاسة شمه عن فريسة تمنحه نجاة، تخلى عنه صحبه وأفردوه إفراد البعير المعبد، وتركوه للوحدة تقشره، وللبرد ينخر عظامه، وللجوع، ينهش بطنه. التخلي عنه وصمة في جبين تاريخ الذئاب، وسابقة لم يعهدها منهم أحد.
يمضغ صمته ويواصل المسير، لا يترك على الأرض المبتلة أثرا، يمحو الماء عبير أقدامه الرخوة؛ صوته تراتيل ودعاء، وفي نبض قلبه رجاء. يسكت عواءه لكي لا يفضحه، لا يريد إقلاق الغابة، ولا إسكات صوت المطر.
يمشي وحيدا لا شيء يتبعه غير نفسه الوحيدة…
.. في الجهة المقابلة، تمشي نعجة غادرت قطيعها محتجة على سوء المعاملة، نعجة تبدو أبية رغم أنها عجفاء، لكنها شقية، ومتمردة، انفصلت عن قطيع لا يقيم لها اعتبارا رغم خبرتها بفعل ما راكمته من تجارب خلال أعوامها الطويلة. فضلت السير في هذه الغابة المظلمة وحدية متحدية خوفها، وما يمكن أن يأتي به الظلام، لم تهتم للمطر ولا للظلام، ولا للوحدة، كل شيء يهون إلا جور الراعي، وتصرفاته التمييزية، وما تنطوي عليه معاملاته التفضيلية من خبث حذرت منه صويحباتها فأبين الإنصات. كانت ترى بعينيها وبتجربتها سقوطهن ضحايا غرورهن وثقتهن الزائدة في راع خبيث الطوية. لربما تمكن الراعي من إبعادها بذكاء حتى لا تعدي باقي القطيع، ولم تتفطن لحيلته الناجحة.
في طريقهما، يلتقيان، الذئب أمام سؤال البقاء، والنعجة أمام سؤال التضحية، فهل يلتقيان؟
يتوقف المطر، تنقشع السحب عن قمر مشع يضيء المكان، يضيئه للحظات، تمكن الذئب الوحيد، والجائع والهزيل من رؤية الشاة الشريدة، وتمكن الشاة العجفاء الغاضبة وقد تخلصت من جل صوفها فبدت كومة عظام من رؤية الذئب. للحظة صغيرة في الزمن، كبرهة، كخفقة كومضة شهاب يعبر بسرعة السماء..
لم يمتلك الذئب الخائر قوة الافتراس، ولا النعجة امتلكت قوة الهرب.
فهل سينجب واقعهما صداقة عجيبة تعاكس المعتاد وتخرق قانون الطبيعة؟ أم هل سيكملان سيرهما باتجاه ما رسمه القدر بفنية عالية لهما؟
أهي وحدة المصير؟