خالد أمرابظ
كاتب
سجلت كاميرا مراقبة لأحد المحلات التجارية ليلا، معركة دامية بين قط وكلاب، معركة بدأت بشكل فجائي ونهايتها كانت مأساوية لكن على غرار ما قد تشاهده عيناك في معركة بين القطط والكلاب. بعد أن أغلق الصَّاحب محله وغادر لمنزله شغل الكاميرا لتوقع داخل شاشاتها طرائف اللصوص وجرائمهم. بعد أن تحرك الصاحب تحدث للحارس الليلي وهو يوصيه بالمحل مازحا:
تهلا فالمحل ابا عروب، الله يتهلا فيك.
ابا عروب الحارس الليلي لهذا الشارع يقول وهو على الفراش بعد أن زاره بعض الأصدقاء يحكي لهم ما وقع:
ياربي آش هاد العجب فحياتي عمر شفتو.
يقول أن بعد هاد الحادث يجب أن نخاف على أنفسنا ليس فقط نحن الذين نحرس بالليل بل حتى أنتم الذين تسمعونني الآن، ليس من اللصوص أو المجرمين، بل من الحيوانات التي نحتقرها؛ فربما شي نهار تقدر تخرج عندك شي طُوبَّة "أنثى الجرذ" هازا العصا تاتجري عليك فالزناقي، فكل شيء سيكون ممكننا؛ لأن الوقت كما يقول: خيابت وولات تاتخلع.
فبالإضافة إلى الكاميرا التي كانت قد سجلت المعركة، كان ابا عروب الشاهد، عيان ومتعب لأنه لم ينم يومين متتاليين لمناسبة عندهم، الوحيد الذي شاف بنصف العين ما وقع من غرفته الخشبية الصغيرة "تشابولا" الموجودة وسط الشارع، كان يرتجف مرة خوفا ومرة من شدة التعب.
في بداية الشريط المسجل كانت ثلاثة كلاب وكلبة يلاحقونها، كل كان يمد رأسه بالتناوب يشتم، ينتظر، يهيئ نفسه للظفر بالكلبة، لكن الكلبة في كل فرصة كانت تفر منهم وذيلها ملتصق بمؤخرتها؛ لسبب ما يبدو أنها غير مستعدة للتناسل بعد. مع توالي دقائق الشريط ظهر على الفيديو على حين غرة قط نحيف، نحيل، متقدما جماعة الكلاب لا يريد إلا أن يعبر سبيله كما يفعل كل يوم، فكم من مرة شوهد القط على هذه الكاميرا يمر من أمام المحل مرة ومرة أخرى تراه نائما بجنبه؛ فهو ابن هذا الشارع بالأساس. يستمر القط في مشيه غارقا في شيء داخل نفسه غير آبه لأحد، لاحظته الكلاب، وقفت ووَجَدَتها فرصة لاستعراض عضلاتها، لن تجد أفضلها للظهور بالقوة أمام الكلبة، "أكيد ستعشق الكلبة القوي الشرس منا"، لم يكن الكلام لأحد لكن نظرات الكلاب الثلاثة كانت تشي بأبلغ من ذلك، زادت وضوحا بابتساماتهم الحقيرة. وقفت أذنا الكلاب وتوقفت تراقب خطوات القط بهدوء، أدركت بأن المسافة التي بلغها القط لن تسمح له بليِّ ذيله والعودة هاربا، لذا فهو دخل منطقة الموت. لكن يبدو أن القط مغيب غير مكترث حيث كان مستمرا في خطواته رغم أن موقفه يستدعي القلق. عاد ابا عروب من شغل قضاه على رأس الشارع ورأى المشهد فوجده فرصة لقتل بعض الوقت، فأغلب الليل يشعر فيه بالملل، أطفأ جهاز الراديو الخاص به ليحافظ على طاقة البطاريات، فجلس على كرسيه جنب "تشابولا" يراقب المعركة بطرفة، مستعد للتدخل إن خرجت المعركة عن طرفتها، فهو حارس المكان والساهر عليه.
بمجرد ما اقترب القط سنتمترات لأقدام الكلاب، باغتته بهجوم قوي في نفس اللحظة، في تحد بينهم لمن سيقتل القط، شعر القط بالهجوم، فآلام المخالب الشديدة الغرز أعادته من حال الشرود؛ تيقظ، بعدها تلاه هجوم آخر فتفاده برشاقة، ثم لحقته محاصرة إياه، بينما الكلبة جلست تراقب عن قرب الكلب الشديد البأس، من سيقتل القط، ليظفر بها. نالت مخالب الكلاب من القط بجروح حتى أن ابا عروب تعاطف معه حين همَّ بالتدخل وهو يصرخ:
مشي مشي مشي.
لكن تفاجأ بأن رأى القط بدأ يقفز ويضرب هو كذلك بقوة دون تردد، عجز عن فهم الأمر لكنه تحمس وارتاح بأن بدا له القط شجاعا ولا يحتاج لعون، وليس كما سيحدث مع أي حيوان في مثل هذا الموقف. قليلا ثم قليلا ثم قليلا، تتشابك المعركة وتتصاعد، فهجمات القط كانت قوية، بدورها أصابت الكلاب بجروح، التي لم ترض بما يحدث فكشرت عن الأنياب ورفعت من وتيرة الهجمات، ثم أخذت المعركة تدخل منحا قبليا، عميقا رهيبا، بين قبيلتي القطط والكلاب. شعر با عروب بالخوف فدخل مسرعا "لتشابولا" وجلس يراقب من هناك فاغرا فاه:
مستحيل واش يكون هاد قط بل جن أعوذ بالله.
تصور الكاميرا، كيف أن القط لم يتردد قط ولم يشعر بالخوف أبدا، بل حارب بشجاعة، فَهَمُّ حقد السنين الطويلة التي يكنها لهذا الجنس من الحيوانات، يصفي حسابه الليلة، لم يترك ما سيقال عن شجاعة القطط. إنه انتحار سيكتب في تاريخ القطط.
توالت الهجمات والجراح بليغة في كلا الطرفين، لعق كلب دماءا تعود للقط، شعر بدوخة، انزوى جانبا ودخل في غيبوبة دون أن يكترث...؛ لقد مات، مات مسموما. انتبهت الكلاب المتبقية للموت، فشعرت أنها تورطت في معركة خاسرة، هربت الكلبة، وبقي الاثنان يحاولان إيجاد حل يرضي القط الذي يغلي حقدا وانتقاما، لكن حدث ذلك بعد فوات الأوان، فقد لعق كلب آخر دماء القط، بينما الثاني كان قد غرس أنيابه بكل غيظ في لحظة غدر على ظهر القط، فلم تخرج أنفاس المعركة من رئتيهما حتى سقطا معا على الأرض وقد نفقا. بعدها اختفى القط نهائيا من الكاميرا ومن الشارع ولم يعد له خبر.
كان قد حدث *صداع كبير وخطير في الشارع، حتى أن الناس باتت في منازلها خائفة، لما استيقظت في الصباح خالت أن ما وقع بالليل عراك بين حيوانات ضارية، فآثار المخالب نحتت بقوة على أعمدة وحيطان الرواق، والدماء منتشرة بكثرة على الأرض وعلى أبواب المحلات التجارية المجاورة. لكن لما شاهدت الفيديو تفاجأت وصدمت، منهم من تعاطف مع الكلاب، ومنهم من تعاطف مع القط خصوصا وأنه ابن الشارع وهم يعرفونه جيدا، يبدو أن هناك من سممه، وآخرون راحوا يبحثون عن ابا العربي الذي سقط مريضا لأسبوعين لم يتحرك من فراشه، فقد كاد يجن. سأل أحدهم صاحب الفيديو:
ماذا ستفعل بهذا الفيلم؟
أجاب مستهزئا:
سأرسله لقناة ناشيونال جيوغرافي أبوظبي.
ضحك الجميع وقهقه، فجأة يظهر قط ضخم يخطف القرص من بين يدي صاحب المحل ويهرب.
*صداع قلتها بالعامية المغربية يعني الجلبة والصياح.
27 septembre 2016, 15:47
تهلا فالمحل ابا عروب، الله يتهلا فيك.
ابا عروب الحارس الليلي لهذا الشارع يقول وهو على الفراش بعد أن زاره بعض الأصدقاء يحكي لهم ما وقع:
ياربي آش هاد العجب فحياتي عمر شفتو.
يقول أن بعد هاد الحادث يجب أن نخاف على أنفسنا ليس فقط نحن الذين نحرس بالليل بل حتى أنتم الذين تسمعونني الآن، ليس من اللصوص أو المجرمين، بل من الحيوانات التي نحتقرها؛ فربما شي نهار تقدر تخرج عندك شي طُوبَّة "أنثى الجرذ" هازا العصا تاتجري عليك فالزناقي، فكل شيء سيكون ممكننا؛ لأن الوقت كما يقول: خيابت وولات تاتخلع.
فبالإضافة إلى الكاميرا التي كانت قد سجلت المعركة، كان ابا عروب الشاهد، عيان ومتعب لأنه لم ينم يومين متتاليين لمناسبة عندهم، الوحيد الذي شاف بنصف العين ما وقع من غرفته الخشبية الصغيرة "تشابولا" الموجودة وسط الشارع، كان يرتجف مرة خوفا ومرة من شدة التعب.
في بداية الشريط المسجل كانت ثلاثة كلاب وكلبة يلاحقونها، كل كان يمد رأسه بالتناوب يشتم، ينتظر، يهيئ نفسه للظفر بالكلبة، لكن الكلبة في كل فرصة كانت تفر منهم وذيلها ملتصق بمؤخرتها؛ لسبب ما يبدو أنها غير مستعدة للتناسل بعد. مع توالي دقائق الشريط ظهر على الفيديو على حين غرة قط نحيف، نحيل، متقدما جماعة الكلاب لا يريد إلا أن يعبر سبيله كما يفعل كل يوم، فكم من مرة شوهد القط على هذه الكاميرا يمر من أمام المحل مرة ومرة أخرى تراه نائما بجنبه؛ فهو ابن هذا الشارع بالأساس. يستمر القط في مشيه غارقا في شيء داخل نفسه غير آبه لأحد، لاحظته الكلاب، وقفت ووَجَدَتها فرصة لاستعراض عضلاتها، لن تجد أفضلها للظهور بالقوة أمام الكلبة، "أكيد ستعشق الكلبة القوي الشرس منا"، لم يكن الكلام لأحد لكن نظرات الكلاب الثلاثة كانت تشي بأبلغ من ذلك، زادت وضوحا بابتساماتهم الحقيرة. وقفت أذنا الكلاب وتوقفت تراقب خطوات القط بهدوء، أدركت بأن المسافة التي بلغها القط لن تسمح له بليِّ ذيله والعودة هاربا، لذا فهو دخل منطقة الموت. لكن يبدو أن القط مغيب غير مكترث حيث كان مستمرا في خطواته رغم أن موقفه يستدعي القلق. عاد ابا عروب من شغل قضاه على رأس الشارع ورأى المشهد فوجده فرصة لقتل بعض الوقت، فأغلب الليل يشعر فيه بالملل، أطفأ جهاز الراديو الخاص به ليحافظ على طاقة البطاريات، فجلس على كرسيه جنب "تشابولا" يراقب المعركة بطرفة، مستعد للتدخل إن خرجت المعركة عن طرفتها، فهو حارس المكان والساهر عليه.
بمجرد ما اقترب القط سنتمترات لأقدام الكلاب، باغتته بهجوم قوي في نفس اللحظة، في تحد بينهم لمن سيقتل القط، شعر القط بالهجوم، فآلام المخالب الشديدة الغرز أعادته من حال الشرود؛ تيقظ، بعدها تلاه هجوم آخر فتفاده برشاقة، ثم لحقته محاصرة إياه، بينما الكلبة جلست تراقب عن قرب الكلب الشديد البأس، من سيقتل القط، ليظفر بها. نالت مخالب الكلاب من القط بجروح حتى أن ابا عروب تعاطف معه حين همَّ بالتدخل وهو يصرخ:
مشي مشي مشي.
لكن تفاجأ بأن رأى القط بدأ يقفز ويضرب هو كذلك بقوة دون تردد، عجز عن فهم الأمر لكنه تحمس وارتاح بأن بدا له القط شجاعا ولا يحتاج لعون، وليس كما سيحدث مع أي حيوان في مثل هذا الموقف. قليلا ثم قليلا ثم قليلا، تتشابك المعركة وتتصاعد، فهجمات القط كانت قوية، بدورها أصابت الكلاب بجروح، التي لم ترض بما يحدث فكشرت عن الأنياب ورفعت من وتيرة الهجمات، ثم أخذت المعركة تدخل منحا قبليا، عميقا رهيبا، بين قبيلتي القطط والكلاب. شعر با عروب بالخوف فدخل مسرعا "لتشابولا" وجلس يراقب من هناك فاغرا فاه:
مستحيل واش يكون هاد قط بل جن أعوذ بالله.
تصور الكاميرا، كيف أن القط لم يتردد قط ولم يشعر بالخوف أبدا، بل حارب بشجاعة، فَهَمُّ حقد السنين الطويلة التي يكنها لهذا الجنس من الحيوانات، يصفي حسابه الليلة، لم يترك ما سيقال عن شجاعة القطط. إنه انتحار سيكتب في تاريخ القطط.
توالت الهجمات والجراح بليغة في كلا الطرفين، لعق كلب دماءا تعود للقط، شعر بدوخة، انزوى جانبا ودخل في غيبوبة دون أن يكترث...؛ لقد مات، مات مسموما. انتبهت الكلاب المتبقية للموت، فشعرت أنها تورطت في معركة خاسرة، هربت الكلبة، وبقي الاثنان يحاولان إيجاد حل يرضي القط الذي يغلي حقدا وانتقاما، لكن حدث ذلك بعد فوات الأوان، فقد لعق كلب آخر دماء القط، بينما الثاني كان قد غرس أنيابه بكل غيظ في لحظة غدر على ظهر القط، فلم تخرج أنفاس المعركة من رئتيهما حتى سقطا معا على الأرض وقد نفقا. بعدها اختفى القط نهائيا من الكاميرا ومن الشارع ولم يعد له خبر.
كان قد حدث *صداع كبير وخطير في الشارع، حتى أن الناس باتت في منازلها خائفة، لما استيقظت في الصباح خالت أن ما وقع بالليل عراك بين حيوانات ضارية، فآثار المخالب نحتت بقوة على أعمدة وحيطان الرواق، والدماء منتشرة بكثرة على الأرض وعلى أبواب المحلات التجارية المجاورة. لكن لما شاهدت الفيديو تفاجأت وصدمت، منهم من تعاطف مع الكلاب، ومنهم من تعاطف مع القط خصوصا وأنه ابن الشارع وهم يعرفونه جيدا، يبدو أن هناك من سممه، وآخرون راحوا يبحثون عن ابا العربي الذي سقط مريضا لأسبوعين لم يتحرك من فراشه، فقد كاد يجن. سأل أحدهم صاحب الفيديو:
ماذا ستفعل بهذا الفيلم؟
أجاب مستهزئا:
سأرسله لقناة ناشيونال جيوغرافي أبوظبي.
ضحك الجميع وقهقه، فجأة يظهر قط ضخم يخطف القرص من بين يدي صاحب المحل ويهرب.
*صداع قلتها بالعامية المغربية يعني الجلبة والصياح.
27 septembre 2016, 15:47