عبد الإله فؤاد
كاتب
كان عمري إثنا عشر سنة، عندما فكرت تلك الليلة، من ليالي القسم الداخلي لإعدادية البكري بمدينة وجدة، أن حياتي لن تتجاوز عمر الأربعين عاما. كطفل صغير، بدت لي المسافة الزمنية طويلة بين عمري آنذاك و العمر المفترض لنهاية شريط حياتي. الغريب أن تلك الفكرة استحوذت على مساحات كبيرة من ذهني، حتى أتخدت شكلا وسواسيا خطيرا رافقني آناء الليل و النهار لسنوات عدة. لكن، بالمقابل، نفس الفكرة كانت وراء إقبالي على القراءة، رغبة في الهروب منها و ملإ كل أوقات اليقظة في يومي. تلك القراءة التي دفعتني لتسجيل إسمي ضمن رواد "مكتبة الإعدادية". كان بإمكاني كراء كتابين لمدة أسبوعين، مقابل نصف درهم. وكان أول كتاب أثارني، بلونه الأصفر الذي تتوسطه رسومات لشاب وشابة يلبسان أزياء إيطالية من العصر الوسيط. كان الكتاب كبيرا و يحمل عنوان:"الأعمال الكاملة لشكسبير "، من إصدار "دار العلم للملايين" ببيروت. أنهيت الكتاب في ثلاثة أسابيع. و فكرت أن هذه هذه الوتيرة لن تسعفني في الإستفادة من الكتب بالشكل المادي الأنسب. أن أعطي درهما كاملا للمكتبة مقابل كتاب واحد شيء لا يستقيم مع مستوى إمكانياتي المادية. لذلك وجب علي تعلم القراءة السريعة، إقتصادا للمال والزمان. قررت أن أقرأ الكتاب الثاني في مدة أسبوعين، لا أقل أو أكثر. وبما أنها "الأعمال الكاملة لفولتير"، فقد صدمتني بكون زمن قراءتها قد تطلب مني أربعة أسابيع كاملة غير منقوصة، رغم زيادة ساعات القراءة اليومية، على حساب ساعات الحصص الدراسية. فبدأت المشاكل مع الأساتذة والنظام الدراسي. هذه المشاكل ستفاقم من أفكاري الوسواسية مع الموت. وحين أعدت الكتاب، سأكتشف زاوية بالمكتبة توفر كتبا تحمل عناوين علم غريب، لم أسمع به من قبل:"علم النفس الإكلينكي"، "علم نفس الطفل"، "عشر حالات في التحليل النفسي". هذا الأخير كان أصغر هذه الكتب/الطلاسم. أخدت الكتاب و معه الجزء الأول من كتاب:" ألف ليلة وليلة". كان علي أن أقرأهما في أسبوعين. والحقيقة أن شهرزاد قد سيطرت على الزمان والمكان و حطمت كل حسابات المال. لم أقرأ صفحة واحدة من كتاب التحليل النفسي. لكني احتفظت به مع الجزء الثاني ل"ألف ليلة وليلة". وفجأة أصبت بنوبة ملل من شهرزاد وحكاياتها المتشابهة. عندها بدأت قراءة كتاب :فرويد، يونغ، أدلر، رايش و آخرون. فانفتح باب آخر لم يكن يخطر على البال. كان سحرا أقوى من شهرزاد وعوالمها. و كان ذلك اكتشاف مسار حياة ستتعدد محطاتها و تتباين مجالاتها لتتوحد في سيرورة لم تتوقف في عمر الأربعين، كما فكر صاحبها، و إنما ستغيره هو في نفس العمر المفترض: سن الأربعين.