حسن الولهازي
كاتب
مفهوم القلق و أسبابه في نظر ميخائيل نعيمه
النصّ:
"فما هو القلق؟ و ما هي أسبابه؟
القلق هو شعورنا بالانزعاج من حالة نحن فيها. و هذا القلق يولّد فينا الشوق إلى التخلّص ممّا يزعجنا. و الشوق بدوره، يولّد فينا تيّارا من الفكر و الحركة. فحيثما كان القلق كان الشوق. و حيثما كان الشوق كانت الحركة...
أمّا أسباب القلق، و إن بدت كثيرة و متنوّعة ما بين جسدانية و عقلانية و وجدانية، فمردّها إلى واحد. و هو انزعاجنا من أن يكون في حياتنا أي شيء لا نستطيع أن نتحكّم فيه تحكّما كاملا فنسيّره حسبما نشتهي... و هل في استطاعتنا أن نتحكّم في شيء نجهله و نجهل طبيعته؟ و إذن فالينبوع الأوّل و الأخير للقلق و ما يلازمه من شوق و حركة هو جهلنا للقوّى التي تتحكّم فينا و لكيفية التحكّم فيها أو، على الأقل لكيفية تفهّمها و مسايرتها عن رضى منّا و عن محبّة و طواعية."
ميخائيل نعيمه
أبعد من موسكو و من واشنطن الطبعة الثالثة ص 13-14
نشر دار صادر بيروت سنة 1966
التحـليـــــل
ما هو القلق في نظر الكاتب؟
القلق هو شعور بالانزعاج من حالة نحن فيها. القَلِـقُ هو شخص يوجد في وضعية يحكم عليها بأنّها مأسوية كأن يوجد في السجن أو المنفى أو كأن يولد بعاهة جسدية. فالقَـلِقُ يعتبر الحالة التي هو فيها، يجب أن تكون مؤقتة و يجب تجاوزها بأسرع وقت لذلك يظلّ يفكّر دائما في كيفية التخلّص من تلك الوضعية المزعجة. الوضعية المزعجة ليست فقط مجرّد ظروف معيشية صعبة، بل أكثر من ذلك لها ضرر نفسي على صاحبها. فهو يشعر أنّه فقد قيمته و أن تلك الوضعية لا تحقّق له كيانه و أنّه يستهلك أيّامه بدون معنى. طبعا القلق مقرون بالشوق. الشوق لتجاوز الوضعية المأسوية. فإن كان شخص ما قلقا بسبب الفشل فهو يتشوّق للنجاح. و إن كان قلقا بسبب الفقر فهو يتمنّى الغِنَى. و أَنْ يترتّب الشوق عن القلق فذلك دليل على أن الشخص القَلِقُ لم ييأس بعد من إمكانية تجاوز وضعيته المأسوية.
ما هو الدور الذي يلعبه الشوق؟
يدفع الشوق المتولّد عن القلق إلى العمل من أجل تحقيق ما نتشوّق إليه. فالمتشوّق لأمر ما يظلّ يفكّر و يستنبط الحلّ تلو الآخر و يقلّب الأمر من وجوهه المختلفة حتّى يظفر بالحلّ المناسب. فكلّ الانتصارات التي حقّقها الإنسان ما كانت لتحصل لو لم يفكّر الإنسان في تحقيقها و ما كان ليصل إليها لو لم يتشوّق إليها. فالطبّ مثلا ما كان ليتقدّم لو لم يوجد أطبّاء في وضعيات مُحرجة دفعت إلى الاكتشاف أدوية فعّالة و الفلسفة ما كانت لتتقدّم لو لم يوجد فلاسفة يتشوّقون لإيجاد نظريات تنقل البشرية إلى واقع أفضل. و تبعا لهذه الأمثلة يمكن القول إن الحضارة بمختلف أوجهها هي نتيجة قلق أفضى إلى شوق إلى أهداف سامية.
ما هو سبب القلق في نظر الكاتب؟
سبب القلق في نظر الكاتب هو جهلنا للقوّى التي تتحكّم فينا فعندما يخوض الفرد تجربة، خاصّة عندما تكون لأوّل مرّة، عادة ما يصاب بالقلق لأنّه يجهل نتائج التجربة و ملابستها كما يعتقد أنّه يمكن أن يفاجأ بأمر لم يقرأ له حسابا. فالمطرب الذي يصعد لأوّل مرّة على الرّكح يصاب بالقلق لأنّه يجهل هل سيرحّب الجمهور بصوته أم يشمئزّ منه. و قد يستعدّ الشخص للتجربة كما ينبغي و لكن يظلّ القلق يلازمه لأنّه يجهل مجريات الأحداث. يعني هذا أوّلا، أن مجريات الأحداث لا نستطيع أن نتحكّم أو نتكهّن بها بدقّة. و ثانيا أنّنا نشعر بالضعف تجاهها.
تـعـلـيـــق:
هل أن الجهل هو الينبوع الأوّل و الأخير للقلق كما ذهب إلى ذلك الكاتب؟
لا شكّ أن الجهل يولّد القلق سواء كان هذا الجهل يتعلّق بتجارب حياتية بسيطة كإجراء امتحان أو ركوب طائرة أو تعلّق بوضع الإنسان في العالم كأن يقلق بسبب جهله لماذا وُجد؟ و ما هو مصيره؟ و لكن ليس كلّ قلق سببه الجهل، فالذي يوجد في السجن يسبّب له السجن القلق و لا علاقة لذلك بالجهل. والذي يولد بعاهة جسدية تسبّب له أيضا القلق. إذا هناك قلق بسبب الجهل و هناك قلق بسبب الوضعية المأسوية.