محمد داني
كاتب
أنا... أنا...قليلا ما أنظر في المرآة.. لا أعرف لماذا...منذ فارقتني إيطو ، وأنا لا أنظر في المرآة...كثيرا ما يقولون بأنني بهيمي في لباسي ،ومظهري...
أنت... أنت... قليلا ما تعرف لم أنا هكذا... لم يتغلغل في داخلي هذا النظام الصارم الذي طبعت نفسي عليه...
أهو نظام أم فوضى؟... لا أعرف...
هلا سألت نفسك...
هلا وضعت السؤال لم؟...
هلا أزلت الغشاوة عن عينيك... ونظرت أبعد مما ترى؟...
هلا جربت ، لتعرف لم أنا هكذا؟...
لقد صدق حدسي في أنك تشك في فوضويتي هاته...
وإِنْ....
بما أن الشك يوصل إلى اليقين.. سآخذك ..إلى منتهاك... أنت الذي تقرأني.. وتنظر إلي... سأفتح لك نفسي.. وأشرع لك سيرتي...
جررت نفسي منذ نشأتها أميالا...ومنذ وعيها بين دروب عدة.. وأيقنت أنني أعيش في هذا العالم الفوضوي .. هكذا...
كثيرا ما كنت أرتطم بحلم من أحلامي.. تعاكسني فيه أناتي... ويشدني فيه صراخي....
أفتح عيني على صمت شاسع يلف مدينتي.. فكنت أرفض الصمت .. وأرفض أن يمتد الصمت إلى داخلي...
كثيرا ما كنت أستجير من ظلم المدينة وقهرها إلى توبقال... مكان أصبح فيه خفيفا كالظل.. أطلق فيه لنفسي عنانها... تصرخ.. تطير..تمرح...
في (امسونت)... قرية جبلية صغيرة.. تتربع أقدام توبقال... كنت ألجأ إليها كلما ضاقت نفسي بالمدينة... وبضجيجها وبسكاراها الذين يمتطون ليلا الزقاق الذي أسكنه ... تلتقط أذني كلماتهم المترنحة... الثملة... المخجلة... كثيرا ما كنت أدخل في ملاسنات مع كثير منهم...
في هذه القرية الصغيرة المنسية... أعانق الصباح...أطهر بهوائها مما علق في رئتي من شوائب المدينة... أنسى فيها الزمن... أنسى الوحش الذي تركته ورائي... بأزقته.. وسكاراه...ومدمنيه...
كان سي حمو يكرم وفادتي كلما استقررت في دشره بهذه القرية... كانت لدي به معرفة قديمة... تعود إلى زمن اشتغالي هناك...ويوم كنت تزوجت ابنته إيطو.. لولا الموت الذي أبعدها عني... لكانت معي اليوم وفي حضنها طفل أو طفلين...
عند سي حمو، كنت أحس أنني أهرب من الزمن كله...أحس أنني أتخطى كل الماضي إلى الحاضر... والحاضر إلى الماضي...وأنني أجد في هذا المكان الهادئ عفويتي.. ونظاميتي... أحس أن هنا منبع الإنسانية... وهناك في مدينتي عصرا جوراسيا سحيقا...
على بعد ساعتين من الدشر الذي أقيم فيه... وعلى ارتفاع سحيق... توجد بحيرة من عهد عاد... يطلق عليها الساكنة : بحيرة إفني... كنت أقصدها كلما عن الضيق بنفسي...
ياما استحمت إيطو هنا...مختبئة بين أحشاء صخور غرانيتية سوداء... يقولون أن ماء البحيرة يطرد العين... ويبطل السحر.. ويقوي الحب والعشق...
كانت إيطو جميلة... بربرية... داية بعيون ساحرة... لا أعرف كيف أحببتها يوم التقيت بها على الضفة الصخرية للبحيرة...ووجدت نفسي أتقدم لخطبتها.. والزواج منها...
لا أعرف ... كلما جئت القرية، شعرت بشوق عارم لإيطو... فلا أجد إلا أن أتوجه إلى البحيرة لملاقاة إيطو... وذكريات إيطو...
أخذت مكاني فوق الصخرة التي اعتادت إيطو التمدد فوقها...أتأمل صمت المكان...
دوخني الماء... وبريق الأشعة... واللغط الذي تأجج في داخلي.. وأنا ألمس صخرة إيطو... سرى في داخلي شعور بأنني لست وحدي... أحسست أن إيطو قريبة مني... تلمس شعري... زفراتها تلفح وجهي... وأحسست أن هذا الاصطخاب يطهرني من اختناق المدينة الذي عشش في عروقي... يطهرني من الصوت النشاز الذي عشش في براثيني...
واقف أنا فوق الصخرة... أنظر صفحة الماء المرتعشة... فيه أرى الطفل الصغير الذي ما زال يسكنني... أرى فيه وجه الطفل الذي يا ما كلمتني عنه إيطو...
أنحشر بين الصخر للحظات... هنا كانت تستحم إيطو... أغمض عيني.. هنا إيطو بثوبها الملون... يدها مشدودة إلى يدي...
أفتح عيني.. أراها وسط الماء تناديني... تشير إلي... أن تعال إلي... اتبعني...
تجردت من ثيابي... أحسست أنني تجردت من كل ذنوبي... تجردت من مدينتي، وشبقها... تجردت من أنانيتي وغطرستها... وأنني أدخل أحشاء البحيرة بسهولة، وبسرعة...تفتنني أوصالها... وأصقاعها.. أصارع رغبة طافحة من الأشواق.. أصرخ دون صوت...أمد يدي .. وأمد... لكنها ثقيلة كالصخر... أسرع لأصل إلى إيطو التي تفتح لي ذراعيها ... قبل أن يحل الغروب..//..
عن الكاتب
كاتب من المغرب