هذه القصيدة ليست لها قصة معينة، بالرغم من شهرتها، نوردها فقط لأنها تعد من أجمل قصائد الغزل، حلوة الألفاظ، سهلة المعاني، قوية المفردات، بديعة حسنة الصور الشعرية والأوصاف والتشبيهات، الى درجة يكاد معها كل بيت أن يتحول الى قصيدة مستقلة لفرط رقتها، وقد عنيت بها كتب البلاغة العربية خاصة لأمتلائها بالعديد من الاستعارات اللغوية المصرحة، والتشبيهات المجازية واحتوائها على جملة من الأوصاف الحسية للأنثى .
وقد أشكل على الدارسين أمر هذه القصيدة، حيث نسبها الدارسون الى الوأواء الدمشقي، فيما عزاها آخرون ليزيد بن معاوية ثاني خلفاء بني أمية، والحقيقة أن نسبتها للوأواء الدمشقي أقرب الى الحقيقة باجماع الدارسين والمتذوقين للشعر، لقربها من الفضاء الشعري لهذا الاخير، وهي مطبوعة في ديوانه الشعري، عكس يزيد ابن معاوية الذي لا يمكن ان تستعصي امرأة مهما كان مركزها الاجتماعي على مثله نظرا لجبروته وسطوته وتهوره. فيما كان الوأواء الدمشقي واسمه بالكامل محمد بن أحمد العناني الدمشقي من عامة الناس كما ذكر القفطي نقلا عن ابن عبد الرحيم في " طبقات الشعراء "
وتتناقل المصادر التاريخية والأدبية أن لقب " الوأواء " علق به لأنه كان ينادي على الفواكه. ولم نستطع أن نجد ما يثبت هذا الخبر، كما أننا لا نستطيع نفيه، فقد ورد ذلك عن الخوارزمي وحده، ونقله ابو منصور الثعالبي في اليتيمة " يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر" من غير نحقق، ثقة منه بالرجل.. ومن بين الابيات التي نسوقها لشاعرنا وهي تكاد تكون حجة على صحة نسب القصيدة اليه قوله ضمن جملة ابيات متفرقة:
دواء قلبي في الهـوى دائـي = أعيـا علاجـات الأطـبـاء
حويت أسقام الـورى مفردا = وحازها النـاس بأسـمـاء
وقد قام الشاعر بوصف حبيبته أوصافا بديعة عديدة ومتنوعة استهلها بالحديث عن النقش على يدها الى مواشطها/شعرها وحاجبيها ومراشفها وخصرها الى أن قال:
و أمطرت لؤلـؤا مـن نرجـس وسقـت = ورودا وعضت على العناب بالبرد ..
في هذا البيت يورد الشاعر خمسة أوصاف للمرأة حيث أمطرت عيونها ( لؤلؤا ) دموعا ( نرجس )، وخديها (ورودا) ، وشفتيها (عناب)، وأسنانها (برداً) ثلجا، خمسة أوصاف مجتمعة في بيت واحد هو ابداع شعري ووصفي لم يجارى ابدا، ولم ينجح فيه الا امرؤ القيس في البيت الشهير الذي يصف به فرسه:
مكر مفر مقبل مدبر معـا = كجلمود صخر حطه السيل من عل
ويخلص النقاد الى القول بأن بيت الوأواء الدمشقي هو تخميس لبيت أبي نواس أورد فيه أربعة تشبيهات
تبكي فتذري الطل من نرجس = وتمسح الورد بعناب
قراءة ممتعة
اختيار وتقديم: نقوس المهدي
******
وأمطرت لؤلؤا
نَالَتْ عَلَى يَدِهَـا مَا لَمْ تَنَلْـهُ يَدِي = نَقْشاً عَلَى مِعْصَـمٍ أَوْهَـتْ بِهِ جَلَدِي
كَـأنــهُ طَـــرْقُ نَــمْــلٍ فِـي أنَـامِـلِهَـا = أَوْ رَوْضَـةٌ رَصَّعَتْهَـا السُّـحْـبُ بالـبَـرَدِ
كأَنَّهَا خَـشِـيَـتْ مِـنْ نَـبْـلِ مُقْـلَتِـهَـا = فَأَلْبَـسَـتْ زَنْـدَهـا دِرْعــاً مِــنَ الـزَّرَدِ
مَدَّتْ مَواشِطَهَـا فِـي كَفِّـهَـا شَـرَكاً = تَصِيـدُ قَلْبِـي بِـهِ مِـنْ دَاخِـلِ الجَـسَدِ
وَقَـوْسُ حَاجِـبِـهَـا مِـنْ كُــلِّ نَـاحِـيَـةٍ = وَنَـبْــلُ مُقْلَـتِـهَـا تَـرْمِــي بِــــهِ كَبِــدِي
وَعَـقْـرَبُ الـصُّـدْغِ قَــدْ بَـانَـتْ زُبـانَـتُـهُ = وَنَاعِسُ الطَّرْفِ يَقْظانٌ عَلـى رَصَـدي
إِنْ كـانَ فـي جُلَّنـارِ الخَـدِّ مِـنْ عَجَـبٍ = فَالـصَّـدْرُ يَـطْـرَحُ رُمَّـانــاً لِـمَــنْ يَـــرِدِ
وَخَصْـرُهَـا نَـاحِـلٌ مِثْـلِي عَـلَى كَـفَـلٍ = مُرَجْرَجٍ قَدْ حَكَى الأَحْـزَانَ فِـي الخَلَـدِ
أُنْسِيَّـةٌ لَـوْ رَأتْهَـا الشَّمْسُ مَـا طَلَعَـتْ = مِـنْ بَـعْـدِ رُؤيَتِـهَـا يَـوْمـاً عَـلَى أَحَـدِ
سَأَلتُـهَـا الـوَصْـلَ قَـالَــتْ لاتُـغَــرَّ بِـنَــا = مَــنْ رَامَ مـنَّـا وِصَــالاً مَــاتَ بالكَـمَـدِ
فَـكَمْ قَتِيـلٍ لَـنَـا بالحُـبِّ مَـاتَ جَـوًى = مــن الـغَـرَامِ وَلَــمْ يُـبْـدِي وَلَـــمْ يَـعِــدِ
فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِـرَ الرَّحْمنَ مِـنْ زَلَلٍ = إِنَ الـمُـحِــبَّ قَـلِــيــلُ الصَّـبْـرِوَالـجَـلَـدِ
قَـالَـتْ وَقَـــدْ فَـتَـكَـتْ فِـيـنَـا لَوَاحِـظُـهَـا = مَـا إِنْ أَرَى لِقَتِـيـل الـحُـبِّ مِــنْ قَــوَدِ
قَــدْ خَلَّفَـتْـنِـي طَرِيـحـاً وَهـي قَائِـلَة = تَأَمَّـلُـوا كَـيْـفَ فِـعْـلَ الظَـبْـيِ بـالأَسَـدِ
قَالَـتْ لِطَـيْـفِ خَـيَـالٍ زَارَنِــي وَمَـضَـى = بِاللهِ صِــفْــهُ وَلاَ تَـنْــقُــصْ وَلاَ تَـــــزِدِ
فَـقَـالَ أَبْصَـرْتُـهُ لَــوْ مَــاتَ مِــنْ ظَـمَـأ = وَقُلْتِ قِـفْ عَـنْ وُرُودِ المَـاءِ لَـمْ يَـرِدِ
قالت: صدقت الوفى في الحب شيمته = يابرد ذاك الذي قـالت على كبـدي
وَاسْتَرْجَعَـتْ سَألَـتْ عَـنِّي فَقِـيْـلَ لَهَـا = مَـا فِيـهِ مِـنْ رَمَـقٍ، دَقَّـتْ يَــدّاً بِـيَـدِ
وَأَمْطَـرَتْ لُؤلُـؤاً مـنْ نَرْجِـسٍ وَسَقَـتْ = وَرْداً وَعَـضَّـتْ عَـلَـى العُـنَّـابِ بِالـبَـرَدِ
وَأَنْــشَــدَتْ بِـلِـسَــانِ الــحَــالِ قَـائِـلَــةً = مِــنْ غَـيْـرِ كَــرْهٍ وَلاَ مَـطْـلٍ وَلاَ مَـــدَدِ
وَالـلّــهِ مَـــا حَـزِنَــتْ أُخْـــتٌ لِـفَـقْـدِ أَخٍ = حُـزْنِــي عَـلَـيْــهِ وَلاَ أُمٍّ عَــلَــى وَلَــدِ
فَأْسْرَعَـتْ وَأَتَـتْ تَجرِي عَـلَى عَجَـلٍ = فَعِـنْـدَ رُؤْيَـتِـهَـا لَمْ أَسْـتَـطِـعْ جَـلَــدِي
وَجَرَّعَـتْـنِـي بِـرِيـقٍ مِـنْ مَـرَاشِـفِهَـا = فَعَادَتْ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَـدِي
هُمْ يَحْسِدُونِي عَلَى مَوْتِي فَوَا أَسَفِي= حَتَّى عَلَى المَوتِ لاَ أَخْلُو مِنَ الحَسَدِ
وقد أشكل على الدارسين أمر هذه القصيدة، حيث نسبها الدارسون الى الوأواء الدمشقي، فيما عزاها آخرون ليزيد بن معاوية ثاني خلفاء بني أمية، والحقيقة أن نسبتها للوأواء الدمشقي أقرب الى الحقيقة باجماع الدارسين والمتذوقين للشعر، لقربها من الفضاء الشعري لهذا الاخير، وهي مطبوعة في ديوانه الشعري، عكس يزيد ابن معاوية الذي لا يمكن ان تستعصي امرأة مهما كان مركزها الاجتماعي على مثله نظرا لجبروته وسطوته وتهوره. فيما كان الوأواء الدمشقي واسمه بالكامل محمد بن أحمد العناني الدمشقي من عامة الناس كما ذكر القفطي نقلا عن ابن عبد الرحيم في " طبقات الشعراء "
وتتناقل المصادر التاريخية والأدبية أن لقب " الوأواء " علق به لأنه كان ينادي على الفواكه. ولم نستطع أن نجد ما يثبت هذا الخبر، كما أننا لا نستطيع نفيه، فقد ورد ذلك عن الخوارزمي وحده، ونقله ابو منصور الثعالبي في اليتيمة " يتيمة الدهر في شعراء أهل العصر" من غير نحقق، ثقة منه بالرجل.. ومن بين الابيات التي نسوقها لشاعرنا وهي تكاد تكون حجة على صحة نسب القصيدة اليه قوله ضمن جملة ابيات متفرقة:
دواء قلبي في الهـوى دائـي = أعيـا علاجـات الأطـبـاء
حويت أسقام الـورى مفردا = وحازها النـاس بأسـمـاء
وقد قام الشاعر بوصف حبيبته أوصافا بديعة عديدة ومتنوعة استهلها بالحديث عن النقش على يدها الى مواشطها/شعرها وحاجبيها ومراشفها وخصرها الى أن قال:
و أمطرت لؤلـؤا مـن نرجـس وسقـت = ورودا وعضت على العناب بالبرد ..
في هذا البيت يورد الشاعر خمسة أوصاف للمرأة حيث أمطرت عيونها ( لؤلؤا ) دموعا ( نرجس )، وخديها (ورودا) ، وشفتيها (عناب)، وأسنانها (برداً) ثلجا، خمسة أوصاف مجتمعة في بيت واحد هو ابداع شعري ووصفي لم يجارى ابدا، ولم ينجح فيه الا امرؤ القيس في البيت الشهير الذي يصف به فرسه:
مكر مفر مقبل مدبر معـا = كجلمود صخر حطه السيل من عل
ويخلص النقاد الى القول بأن بيت الوأواء الدمشقي هو تخميس لبيت أبي نواس أورد فيه أربعة تشبيهات
تبكي فتذري الطل من نرجس = وتمسح الورد بعناب
قراءة ممتعة
اختيار وتقديم: نقوس المهدي
******
وأمطرت لؤلؤا
نَالَتْ عَلَى يَدِهَـا مَا لَمْ تَنَلْـهُ يَدِي = نَقْشاً عَلَى مِعْصَـمٍ أَوْهَـتْ بِهِ جَلَدِي
كَـأنــهُ طَـــرْقُ نَــمْــلٍ فِـي أنَـامِـلِهَـا = أَوْ رَوْضَـةٌ رَصَّعَتْهَـا السُّـحْـبُ بالـبَـرَدِ
كأَنَّهَا خَـشِـيَـتْ مِـنْ نَـبْـلِ مُقْـلَتِـهَـا = فَأَلْبَـسَـتْ زَنْـدَهـا دِرْعــاً مِــنَ الـزَّرَدِ
مَدَّتْ مَواشِطَهَـا فِـي كَفِّـهَـا شَـرَكاً = تَصِيـدُ قَلْبِـي بِـهِ مِـنْ دَاخِـلِ الجَـسَدِ
وَقَـوْسُ حَاجِـبِـهَـا مِـنْ كُــلِّ نَـاحِـيَـةٍ = وَنَـبْــلُ مُقْلَـتِـهَـا تَـرْمِــي بِــــهِ كَبِــدِي
وَعَـقْـرَبُ الـصُّـدْغِ قَــدْ بَـانَـتْ زُبـانَـتُـهُ = وَنَاعِسُ الطَّرْفِ يَقْظانٌ عَلـى رَصَـدي
إِنْ كـانَ فـي جُلَّنـارِ الخَـدِّ مِـنْ عَجَـبٍ = فَالـصَّـدْرُ يَـطْـرَحُ رُمَّـانــاً لِـمَــنْ يَـــرِدِ
وَخَصْـرُهَـا نَـاحِـلٌ مِثْـلِي عَـلَى كَـفَـلٍ = مُرَجْرَجٍ قَدْ حَكَى الأَحْـزَانَ فِـي الخَلَـدِ
أُنْسِيَّـةٌ لَـوْ رَأتْهَـا الشَّمْسُ مَـا طَلَعَـتْ = مِـنْ بَـعْـدِ رُؤيَتِـهَـا يَـوْمـاً عَـلَى أَحَـدِ
سَأَلتُـهَـا الـوَصْـلَ قَـالَــتْ لاتُـغَــرَّ بِـنَــا = مَــنْ رَامَ مـنَّـا وِصَــالاً مَــاتَ بالكَـمَـدِ
فَـكَمْ قَتِيـلٍ لَـنَـا بالحُـبِّ مَـاتَ جَـوًى = مــن الـغَـرَامِ وَلَــمْ يُـبْـدِي وَلَـــمْ يَـعِــدِ
فَقُلْتُ: أَسْتَغْفِـرَ الرَّحْمنَ مِـنْ زَلَلٍ = إِنَ الـمُـحِــبَّ قَـلِــيــلُ الصَّـبْـرِوَالـجَـلَـدِ
قَـالَـتْ وَقَـــدْ فَـتَـكَـتْ فِـيـنَـا لَوَاحِـظُـهَـا = مَـا إِنْ أَرَى لِقَتِـيـل الـحُـبِّ مِــنْ قَــوَدِ
قَــدْ خَلَّفَـتْـنِـي طَرِيـحـاً وَهـي قَائِـلَة = تَأَمَّـلُـوا كَـيْـفَ فِـعْـلَ الظَـبْـيِ بـالأَسَـدِ
قَالَـتْ لِطَـيْـفِ خَـيَـالٍ زَارَنِــي وَمَـضَـى = بِاللهِ صِــفْــهُ وَلاَ تَـنْــقُــصْ وَلاَ تَـــــزِدِ
فَـقَـالَ أَبْصَـرْتُـهُ لَــوْ مَــاتَ مِــنْ ظَـمَـأ = وَقُلْتِ قِـفْ عَـنْ وُرُودِ المَـاءِ لَـمْ يَـرِدِ
قالت: صدقت الوفى في الحب شيمته = يابرد ذاك الذي قـالت على كبـدي
وَاسْتَرْجَعَـتْ سَألَـتْ عَـنِّي فَقِـيْـلَ لَهَـا = مَـا فِيـهِ مِـنْ رَمَـقٍ، دَقَّـتْ يَــدّاً بِـيَـدِ
وَأَمْطَـرَتْ لُؤلُـؤاً مـنْ نَرْجِـسٍ وَسَقَـتْ = وَرْداً وَعَـضَّـتْ عَـلَـى العُـنَّـابِ بِالـبَـرَدِ
وَأَنْــشَــدَتْ بِـلِـسَــانِ الــحَــالِ قَـائِـلَــةً = مِــنْ غَـيْـرِ كَــرْهٍ وَلاَ مَـطْـلٍ وَلاَ مَـــدَدِ
وَالـلّــهِ مَـــا حَـزِنَــتْ أُخْـــتٌ لِـفَـقْـدِ أَخٍ = حُـزْنِــي عَـلَـيْــهِ وَلاَ أُمٍّ عَــلَــى وَلَــدِ
فَأْسْرَعَـتْ وَأَتَـتْ تَجرِي عَـلَى عَجَـلٍ = فَعِـنْـدَ رُؤْيَـتِـهَـا لَمْ أَسْـتَـطِـعْ جَـلَــدِي
وَجَرَّعَـتْـنِـي بِـرِيـقٍ مِـنْ مَـرَاشِـفِهَـا = فَعَادَتْ الرُّوحُ بَعْدَ المَوْتِ فِي جَسَـدِي
هُمْ يَحْسِدُونِي عَلَى مَوْتِي فَوَا أَسَفِي= حَتَّى عَلَى المَوتِ لاَ أَخْلُو مِنَ الحَسَدِ