مالك بن الريب التميمي من الشعراء المقلين، كان لصا من قطاع الطرق، ويحسب على زمرة الصعاليك.. اشتهر بفضل هذه المرثية الذاتية التي تعتبر من اجود واشهر المراثي في التراث الشعري العربي، وهي ثمانية وخمسون بيتا كلها اسى ووداعا واستذكارا ، قالها وهو يسلم الروح ويصف لحظات الاحتضار الى اخر رمق اثناء مشاركته في حملة سعيد بن عثمان بن عفان الى خراسان في اوائل العصر الاموي، وتتميز كما يقال ببنائها التصاعدي الهرمي حيث ان البيت الموالي اصدق واعمق من الذي قبله .
كتب عنه ابو الفرج الاصفهاني في كتاب الاغاني في
" أخبار مالك بن الريب و نسبه
هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم كان من الشعراء اللصوص )
وكان شاعرا فاتكا لصا ومنشؤه في بادية بني تميم بالبصرة من شعراء الإسلام في أول أيام بني أمية
أخبرني بخبره علي بن سليمان الاخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وعن هشام بن الكلبي وعن الفضل بن محمد وإسحاق بن الجصاص وحماد الرواية وكلهم قد حكى من خبره نحوا مما حكاه الآخرون قالوا
استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان فمضى سعيد بجنده في طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب المازني وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم ثيابا فلما رآه سعيد أعجبه وقال له مالك ويحك تفسد نفسك بقطع الطريق وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل قال يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان قال فإن أنا أغنيتك
واستصحبتك أتكف عما كنت تفعل قال أي والله أيها الأمير أكف كفا لم يكف أحد أحسن منه قال فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر
قالوا
وكان السبب الذي من أجله وقع مالك بن الريب إلى ناحية فارس أنه كان يقطع الطريق هو وأصحاب له منهم شظاظ وهو مولى لبني تميم و كان أخبثهم وأبو حردبة أحد بني أثالة بن مازن وغويث أحد بني كعب بن مالك بن حنظلة وفيهم يقول الراجز
( الله نجاك من القصيم
وبطن فلج وبني تميم )
( ومن بني حردبة الأثيم
ومالك وسيفه المسموم )
( ومن شظاظ الأحمر الزنيم
ومن غويث فاتح العكوم ) "
واورد عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب
" و " مالك بن الريب " بفتح الراء وسكون المثناة التحتية؛ هو من مازن تميم، وكان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال: " ألص من شظاظ".
قال القالي في ذيل أماليه: " قال أبو عبيدة: لما ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان، سار فيمن معه فأخذ طريق فارس؛ فلقيه بها مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم - وأمه شهلة بنت سنيح بن الحر بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن - قال: وكان مالك بن الريب، فيما ذكر، من أجمل العرب جمالاً وأبينهم بياناً. فلما رآه سعيد أعجبه " وقال أبو الحسن المدائني: بل كان مر به سعيد بن عثمان بالبادية وهو منحدر من المدينة يريد البصرة حين ولاه معاوية خراسان " ومالك في نفر من أصحابه. فقال له: ويحك يا مالك؟ ما الذي يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العداء وقطع الطريق! قال: أصلح الله الأمير! العجز عن مكافأة الإخوان. قال: فإن أغنيتك واستصحبتك، أتكف عما تفعل وتتبعني؟ قال: نعم، أصلح الله الأميرّ أكف كفاً ما كف أحدٌ أحسن منه. فاستصحبه وأجرى عليه خمسمائة دينار في كل شهر، وكان معه حتى قتل بخراسان. قال: ومكث مالك بخراسان فمات هناك فقال يذكر مرضه وغربته..."
قراءة ممتعة
اختيار وتقديم: نقوس المهدي
*****
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
مالك بن الريب
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجنب الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه
وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا
ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما
أرانيَ عن أرض الآعاديّ قاصِيا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتي
بذي (الطِّبَّسَيْنِ) فالتفتُّ ورائيا
أجبتُ الهوى لمّا دعاني بزفرةٍ
تقنَّعتُ منها أن أُلامَ ردائيا
أقول وقد حالتْ قُرى الكُردِ بيننا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا
إنِ اللهُ يُرجعني من الغزو لا أُرى
وإن قلَّ مالي طالِباً ما ورائيا
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ رحلتي
سِفارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي
لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا
فإن أنجُ من بابَي خراسان لا أعدْ
إليها وإن منَّيتُموني الأمانيا
فللهِ دّرِّي يوم أتركُ طائعاً
بَنيّ بأعلى الرَّقمتَينِ وماليا
ودرُّ الظبَّاء السانحات عشيةً
يُخَبّرنَ أنّي هالك مَنْ ورائيا
ودرُّ كبيريَّ اللذين كلاهما
عَليَّ شفيقٌ ناصح لو نَهانيا
ودرّ الرجال الشاهدين تَفتُُّكي
بأمريَ ألاّ يَقْصُروا من وَثاقِيا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتي
ودّرُّ لجاجاتي ودرّ انتِهائيا
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محبوكاً يجرُّ عِنانه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
صريعٌ على أيدي الرجال بقفزة
يُسّوُّون لحدي حيث حُمَّ قضائيا
ولمّا تراءتْ عند مَروٍ منيتي
وخلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه
يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا
برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعضَ ليلةٍ
ولا تُعجلاني قد تَبيَّن شانِيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيِّئا
لِيَ السِّدْرَ والأكفانَ عند فَنائيا
وخُطَّا بأطراف الأسنّة مضجَعي
ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما
فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى
وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجارِ وانيا
فَطَوْراً تَراني في ظِلالٍ ونَعْمَةٍ
وطوْراً تراني والعِتاقُ رِكابيا
ويوما تراني في رحاً مُستديرةٍ
تُخرِّقُ أطرافُ الرِّماح ثيابيا
وقوماً على بئر السُّمَينة أسمِعا
بها الغُرَّ والبيضَ الحِسان الرَّوانيا
بأنّكما خلفتُماني بقَفْرةٍ
تَهِيلُ عليّ الريحُ فيها السّوافيا
ولا تَنْسَيا عهدي خليليَّ بعد ما
تَقَطَّعُ أوصالي وتَبلى عِظاميا
ولن يَعدَمَ الوالُونَ بَثَّا يُصيبهم
ولن يَعدم الميراثُ مِنّي المواليا
يقولون: لا تَبْعَدْ وهم يَدْفِنونني
وأينَ مكانُ البُعدِ إلا مَكانيا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي على غدٍ
إذا أدْلجُوا عنّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ
لغيري، وكان المالُ بالأمس ماليا
فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الرَّحا
رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيا
إذا الحيُّ حَلوها جميعاً وأنزلوا
بها بَقراً حُمّ العيون سواجيا
رَعَينَ وقد كادَ الظلام يُجِنُّها
يَسُفْنَ الخُزامى مَرةً والأقاحيا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى
بِرُكبانِها تعلو المِتان الفيافيا
إذا عُصَبُ الرُكبانِ بينَ (عُنَيْزَةٍ)
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقياتِ النَّواجِيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ مالكٍ
كما كنتُ لو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إذا مُتُّ فاعتادي القبورَ وسلِّمي
على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقه
تُراباً كسَحْق المَرْنَبانيَّ هابيا
رَهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تَضَمَّنتْ
قرارتُها منّي العِظامَ البَواليا
فيا صاحبا إما عرضتَ فبلِغاً
بني مازن والرَّيب أن لا تلاقيا
وعرِّ قَلوصي في الرِّكاب فإنها
سَتَفلِقُ أكباداً وتُبكي بواكيا
وأبصرتُ نارَ (المازنياتِ) مَوْهِناً
بعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرف رانيا
بِعودٍ أَلنْجوجٍ أضاءَ وَقُودُها
مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُوراً جَوازيا
غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفزةٍ
يَدَ الدهر معروفاً بأنْ لا تدانيا
اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى
به من عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمل منّا نسوة لو شَهِدْنَني
بَكينَ وفَدَّين الطبيبَ المُداويا
فمنهنّ أمي وابنتايَ وخالتي
وباكيةٌ أخرى تَهيجُ البواكيا
وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ
ذميماً ولا ودّعتُ بالرمل قالِيا
كتب عنه ابو الفرج الاصفهاني في كتاب الاغاني في
" أخبار مالك بن الريب و نسبه
هو مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم كان من الشعراء اللصوص )
وكان شاعرا فاتكا لصا ومنشؤه في بادية بني تميم بالبصرة من شعراء الإسلام في أول أيام بني أمية
أخبرني بخبره علي بن سليمان الاخفش قال أخبرنا أبو سعيد السكري عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابي وعن هشام بن الكلبي وعن الفضل بن محمد وإسحاق بن الجصاص وحماد الرواية وكلهم قد حكى من خبره نحوا مما حكاه الآخرون قالوا
استعمل معاوية بن أبي سفيان سعيد بن عثمان بن عفان على خراسان فمضى سعيد بجنده في طريق فارس فلقيه بها مالك بن الريب المازني وكان من أجمل الناس وجها وأحسنهم ثيابا فلما رآه سعيد أعجبه وقال له مالك ويحك تفسد نفسك بقطع الطريق وما يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العبث والفساد وفيك هذا الفضل قال يدعوني إليه العجز عن المعالي ومساواة ذوي المروءات ومكافأة الإخوان قال فإن أنا أغنيتك
واستصحبتك أتكف عما كنت تفعل قال أي والله أيها الأمير أكف كفا لم يكف أحد أحسن منه قال فاستصحبه وأجرى له خمسمائة درهم في كل شهر
قالوا
وكان السبب الذي من أجله وقع مالك بن الريب إلى ناحية فارس أنه كان يقطع الطريق هو وأصحاب له منهم شظاظ وهو مولى لبني تميم و كان أخبثهم وأبو حردبة أحد بني أثالة بن مازن وغويث أحد بني كعب بن مالك بن حنظلة وفيهم يقول الراجز
( الله نجاك من القصيم
وبطن فلج وبني تميم )
( ومن بني حردبة الأثيم
ومالك وسيفه المسموم )
( ومن شظاظ الأحمر الزنيم
ومن غويث فاتح العكوم ) "
واورد عبد القادر البغدادي في خزانة الأدب
" و " مالك بن الريب " بفتح الراء وسكون المثناة التحتية؛ هو من مازن تميم، وكان لصاً يقطع الطريق مع شظاظ الضبي الذي يضرب به المثل فيقال: " ألص من شظاظ".
قال القالي في ذيل أماليه: " قال أبو عبيدة: لما ولى معاوية سعيد بن عثمان بن عفان خراسان، سار فيمن معه فأخذ طريق فارس؛ فلقيه بها مالك بن الريب بن حوط بن قرط بن حسل بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم - وأمه شهلة بنت سنيح بن الحر بن ربيعة بن كابية بن حرقوص بن مازن - قال: وكان مالك بن الريب، فيما ذكر، من أجمل العرب جمالاً وأبينهم بياناً. فلما رآه سعيد أعجبه " وقال أبو الحسن المدائني: بل كان مر به سعيد بن عثمان بالبادية وهو منحدر من المدينة يريد البصرة حين ولاه معاوية خراسان " ومالك في نفر من أصحابه. فقال له: ويحك يا مالك؟ ما الذي يدعوك إلى ما يبلغني عنك من العداء وقطع الطريق! قال: أصلح الله الأمير! العجز عن مكافأة الإخوان. قال: فإن أغنيتك واستصحبتك، أتكف عما تفعل وتتبعني؟ قال: نعم، أصلح الله الأميرّ أكف كفاً ما كف أحدٌ أحسن منه. فاستصحبه وأجرى عليه خمسمائة دينار في كل شهر، وكان معه حتى قتل بخراسان. قال: ومكث مالك بخراسان فمات هناك فقال يذكر مرضه وغربته..."
قراءة ممتعة
اختيار وتقديم: نقوس المهدي
*****
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلةً
مالك بن الريب
ألا ليتَ شِعري هل أبيتنَّ ليلةً
بجنب الغضَى أُزجي الِقلاصَ النواجيا
فَليتَ الغضى لم يقطع الركبُ عرْضَه
وليت الغضى ماشى الرِّكاب لياليا
لقد كان في أهل الغضى لو دنا الغضى
مزارٌ ولكنَّ الغضى ليس دانيا
ألم ترَني بِعتُ الضلالةَ بالهدى
وأصبحتُ في جيش ابن عفّانَ غازيا
وأصبحتُ في أرض الأعاديَّ بعد ما
أرانيَ عن أرض الآعاديّ قاصِيا
دعاني الهوى من أهل أُودَ وصُحبتي
بذي (الطِّبَّسَيْنِ) فالتفتُّ ورائيا
أجبتُ الهوى لمّا دعاني بزفرةٍ
تقنَّعتُ منها أن أُلامَ ردائيا
أقول وقد حالتْ قُرى الكُردِ بيننا
جزى اللهُ عمراً خيرَ ما كان جازيا
إنِ اللهُ يُرجعني من الغزو لا أُرى
وإن قلَّ مالي طالِباً ما ورائيا
تقول ابنتيْ لمّا رأت طولَ رحلتي
سِفارُكَ هذا تاركي لا أبا ليا
لعمريْ لئن غالتْ خراسانُ هامتي
لقد كنتُ عن بابَي خراسان نائيا
فإن أنجُ من بابَي خراسان لا أعدْ
إليها وإن منَّيتُموني الأمانيا
فللهِ دّرِّي يوم أتركُ طائعاً
بَنيّ بأعلى الرَّقمتَينِ وماليا
ودرُّ الظبَّاء السانحات عشيةً
يُخَبّرنَ أنّي هالك مَنْ ورائيا
ودرُّ كبيريَّ اللذين كلاهما
عَليَّ شفيقٌ ناصح لو نَهانيا
ودرّ الرجال الشاهدين تَفتُُّكي
بأمريَ ألاّ يَقْصُروا من وَثاقِيا
ودرّ الهوى من حيث يدعو صحابتي
ودّرُّ لجاجاتي ودرّ انتِهائيا
تذكّرتُ مَنْ يبكي عليَّ فلم أجدْ
سوى السيفِ والرمح الرُّدينيِّ باكيا
وأشقرَ محبوكاً يجرُّ عِنانه
إلى الماء لم يترك له الموتُ ساقيا
ولكنْ بأطرف (السُّمَيْنَةِ) نسوةٌ
عزيزٌ عليهنَّ العشيةَ ما بيا
صريعٌ على أيدي الرجال بقفزة
يُسّوُّون لحدي حيث حُمَّ قضائيا
ولمّا تراءتْ عند مَروٍ منيتي
وخلَّ بها جسمي، وحانتْ وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني فإنّه
يَقَرُّ بعينيْ أنْ (سُهَيْلٌ) بَدا لِيا
فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا
برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا
أقيما عليَّ اليوم أو بعضَ ليلةٍ
ولا تُعجلاني قد تَبيَّن شانِيا
وقوما إذا ما استلَّ روحي فهيِّئا
لِيَ السِّدْرَ والأكفانَ عند فَنائيا
وخُطَّا بأطراف الأسنّة مضجَعي
ورُدّا على عينيَّ فَضْلَ رِدائيا
ولا تحسداني باركَ اللهُ فيكما
من الأرض ذات العرض أن تُوسِعا ليا
خذاني فجرّاني بثوبي إليكما
فقد كنتُ قبل اليوم صَعْباً قِياديا
وقد كنتُ عطَّافاً إذا الخيل أدبَرتْ
سريعاً لدى الهيجا إلى مَنْ دعانيا
وقد كنتُ صبّاراً على القِرْنِ في الوغى
وعن شَتْميَ ابنَ العَمِّ وَالجارِ وانيا
فَطَوْراً تَراني في ظِلالٍ ونَعْمَةٍ
وطوْراً تراني والعِتاقُ رِكابيا
ويوما تراني في رحاً مُستديرةٍ
تُخرِّقُ أطرافُ الرِّماح ثيابيا
وقوماً على بئر السُّمَينة أسمِعا
بها الغُرَّ والبيضَ الحِسان الرَّوانيا
بأنّكما خلفتُماني بقَفْرةٍ
تَهِيلُ عليّ الريحُ فيها السّوافيا
ولا تَنْسَيا عهدي خليليَّ بعد ما
تَقَطَّعُ أوصالي وتَبلى عِظاميا
ولن يَعدَمَ الوالُونَ بَثَّا يُصيبهم
ولن يَعدم الميراثُ مِنّي المواليا
يقولون: لا تَبْعَدْ وهم يَدْفِنونني
وأينَ مكانُ البُعدِ إلا مَكانيا
غداةَ غدٍ يا لهْفَ نفسي على غدٍ
إذا أدْلجُوا عنّي وأصبحتُ ثاويا
وأصبح مالي من طَريفٍ وتالدٍ
لغيري، وكان المالُ بالأمس ماليا
فيا ليتَ شِعري هل تغيَّرتِ الرَّحا
رحا المِثْلِ أو أمستْ بَفَلْوجٍ كما هيا
إذا الحيُّ حَلوها جميعاً وأنزلوا
بها بَقراً حُمّ العيون سواجيا
رَعَينَ وقد كادَ الظلام يُجِنُّها
يَسُفْنَ الخُزامى مَرةً والأقاحيا
وهل أترُكُ العِيسَ العَواليَ بالضُّحى
بِرُكبانِها تعلو المِتان الفيافيا
إذا عُصَبُ الرُكبانِ بينَ (عُنَيْزَةٍ)
و(بَوَلانَ) عاجوا المُبقياتِ النَّواجِيا
فيا ليتَ شعري هل بكتْ أمُّ مالكٍ
كما كنتُ لو عالَوا نَعِيَّكِ باكِيا
إذا مُتُّ فاعتادي القبورَ وسلِّمي
على الرمسِ أُسقيتِ السحابَ الغَواديا
على جَدَثٍ قد جرّتِ الريحُ فوقه
تُراباً كسَحْق المَرْنَبانيَّ هابيا
رَهينة أحجارٍ وتُرْبٍ تَضَمَّنتْ
قرارتُها منّي العِظامَ البَواليا
فيا صاحبا إما عرضتَ فبلِغاً
بني مازن والرَّيب أن لا تلاقيا
وعرِّ قَلوصي في الرِّكاب فإنها
سَتَفلِقُ أكباداً وتُبكي بواكيا
وأبصرتُ نارَ (المازنياتِ) مَوْهِناً
بعَلياءَ يُثنى دونَها الطَّرف رانيا
بِعودٍ أَلنْجوجٍ أضاءَ وَقُودُها
مَهاً في ظِلالِ السِّدر حُوراً جَوازيا
غريبٌ بعيدُ الدار ثاوٍ بقفزةٍ
يَدَ الدهر معروفاً بأنْ لا تدانيا
اقلبُ طرفي حول رحلي فلا أرى
به من عيون المُؤنساتِ مُراعيا
وبالرمل منّا نسوة لو شَهِدْنَني
بَكينَ وفَدَّين الطبيبَ المُداويا
فمنهنّ أمي وابنتايَ وخالتي
وباكيةٌ أخرى تَهيجُ البواكيا
وما كان عهدُ الرمل عندي وأهلِهِ
ذميماً ولا ودّعتُ بالرمل قالِيا