“ضوء عينيك، أم هما نجمتانِ = كلهم لا يرى وأنت تراني . .
إرم نظارتيك ما أنت أعمى = إنما نحن جوقة العميان”.
نزار قباني
طه حسين أكثر من أديب و ناقد و منظر و باحث شمولي، و اكثر من فيلسوف و مفكر موسوعي و ما تضيق التصنيفات عن حصره من الالقاب و التشريفات و التسميات ، هذا الذي اسبغت عليه عمادة الادب العربي اهابها في زمن انتفت فيه الالقاب ، و بوقت كان الفكر يهجع في سبات سحيق ، و ربما يكاد ان يشيخ في حضن العباءة و العمامة والخرافة و الاسطورة و الغيب و القداسة ، و في زمن كاد الفكر في مصر أن يضيق درعا بمقولة بضاعتنا ردت الينا التي قال بها الصاحب بن عباد ، لتنميط او تشنيع الادب القادم من الاندلس و المغارب ، فاستن للفكر منهجا و طريقة اربكت حسابات المحافظين وحساسيتهم المفرطة ، و قلبت موازينهم و رؤيتهم للاشياء و الظواهر ، و غيرت الذائقة الادبية السائدة في زمانه ، مما ألب عليه الازهريين الذين يقرأون عن طريقة الشم و الحدس ، فشككوا في ادبه و دينه و عقيدته و وطنيته و قوميته و انتمائه، و جرجروا كتبه الى محاكم تفتيش امتدت منذ عشرينات القرن الماضي لتطول كتاب الايام في مشارف القرن الحادي و العشرين..
و لأنه ، و في عقيدة طه حسين ليس هناك من مقدس سوى استقلالية الفكر و نزاهة التفكير و كرامة الانسان ، فقد كان سيد المواقف العظيمة و الجسيمة ، فاعطى للتعليم او وزارة المعارف هيبتها وكرامتها ، و دعا بكل شموخ بالزامية و مجانية التعليم الذي يجب أن يكون كالماء والهواء ّ ، في كافة بر مصر ، حتى لا يدع فوقها أميا ، و استقال من الوزارة احتجاجا على التدخل في قراراته ، بالوقت الذي ينبطح فيه المثقف العربي لتقبيل يد الحاكم و السلطان ، قائلا ذات مرة : «أن الله لم يخلق بعد إنساناً يستطيع أن يفرض على ما لا أحب، و أن يضطرّني إلى ما لا أريد» .. و دعا لترشيق اللغة العربية لمسايرة و تليية متغيرات العصر ، و كتب القصة القصيرة و الرواية و السيرة و النقد الادبي متنقلا بين الحضارات والثقافات من عربية الى غربية فاغريقية ولاتينية ، ناصحا الاهتمام بالعلم لآنه ضرورة ، متناولا الفتن الكبرى التي طرأت في فجر الاسلام ، و رافق العديد من الشعراء القدامى ، فانصف أبي العلاء ، و هاجم المتنبي ولازم الابن الرومي وابا تمام ، و شكك في الادب الجاهلي جملة وتفصيلا ، و خاض غمار معارك ادبية لينة ، إلى ضارية احيانا ، لكن لا تكاد تخلو من سجالية ظريفة ، ومواقف طريفة ، كانت اشرسها تلك التي دارت رحاها بينه وبين عباس محمود العقاد و ابراهيم عبد القادر المازني و احمد شوقي و المنفلوطي و مصطفى صادق الرافعي و غيرهم .
و ان اذكر فاني لا أزال اتذكر ان اديبنا الكبير اثار الكثير من الجدل و الغضب بين صفوف شباب زمانه من كتاب ستينيات القرن الماضي حين كان يصف احدا من المتهافتين على ميدان الادب بدون متاع و لا مرجعيات ادبية بــ " الناقود " الفلاني ، او يصف كتاب الجيل الصاعد من الشباب الواعد آنئذ بـ " المتأدبين " ، وهي دعابة تخلو من التهكم ، لكنها لم ترق على أية حال أولئك الشباب الذين اصبحوا كتاب مصر و أملها ، إلى غير ذلك من تلك التسميات التي لا تاتي من باب التهكم و الاستخفاف ، بقدر ما تصنف من باب التلطف و الطرافة و النصح احيانا كثيرة بعكس غريمه العتيد العملاق عباس محمود العقاد الذي كان رغم عناده متساهلا، ومتسامحا.
إرم نظارتيك ما أنت أعمى = إنما نحن جوقة العميان”.
نزار قباني
طه حسين أكثر من أديب و ناقد و منظر و باحث شمولي، و اكثر من فيلسوف و مفكر موسوعي و ما تضيق التصنيفات عن حصره من الالقاب و التشريفات و التسميات ، هذا الذي اسبغت عليه عمادة الادب العربي اهابها في زمن انتفت فيه الالقاب ، و بوقت كان الفكر يهجع في سبات سحيق ، و ربما يكاد ان يشيخ في حضن العباءة و العمامة والخرافة و الاسطورة و الغيب و القداسة ، و في زمن كاد الفكر في مصر أن يضيق درعا بمقولة بضاعتنا ردت الينا التي قال بها الصاحب بن عباد ، لتنميط او تشنيع الادب القادم من الاندلس و المغارب ، فاستن للفكر منهجا و طريقة اربكت حسابات المحافظين وحساسيتهم المفرطة ، و قلبت موازينهم و رؤيتهم للاشياء و الظواهر ، و غيرت الذائقة الادبية السائدة في زمانه ، مما ألب عليه الازهريين الذين يقرأون عن طريقة الشم و الحدس ، فشككوا في ادبه و دينه و عقيدته و وطنيته و قوميته و انتمائه، و جرجروا كتبه الى محاكم تفتيش امتدت منذ عشرينات القرن الماضي لتطول كتاب الايام في مشارف القرن الحادي و العشرين..
و لأنه ، و في عقيدة طه حسين ليس هناك من مقدس سوى استقلالية الفكر و نزاهة التفكير و كرامة الانسان ، فقد كان سيد المواقف العظيمة و الجسيمة ، فاعطى للتعليم او وزارة المعارف هيبتها وكرامتها ، و دعا بكل شموخ بالزامية و مجانية التعليم الذي يجب أن يكون كالماء والهواء ّ ، في كافة بر مصر ، حتى لا يدع فوقها أميا ، و استقال من الوزارة احتجاجا على التدخل في قراراته ، بالوقت الذي ينبطح فيه المثقف العربي لتقبيل يد الحاكم و السلطان ، قائلا ذات مرة : «أن الله لم يخلق بعد إنساناً يستطيع أن يفرض على ما لا أحب، و أن يضطرّني إلى ما لا أريد» .. و دعا لترشيق اللغة العربية لمسايرة و تليية متغيرات العصر ، و كتب القصة القصيرة و الرواية و السيرة و النقد الادبي متنقلا بين الحضارات والثقافات من عربية الى غربية فاغريقية ولاتينية ، ناصحا الاهتمام بالعلم لآنه ضرورة ، متناولا الفتن الكبرى التي طرأت في فجر الاسلام ، و رافق العديد من الشعراء القدامى ، فانصف أبي العلاء ، و هاجم المتنبي ولازم الابن الرومي وابا تمام ، و شكك في الادب الجاهلي جملة وتفصيلا ، و خاض غمار معارك ادبية لينة ، إلى ضارية احيانا ، لكن لا تكاد تخلو من سجالية ظريفة ، ومواقف طريفة ، كانت اشرسها تلك التي دارت رحاها بينه وبين عباس محمود العقاد و ابراهيم عبد القادر المازني و احمد شوقي و المنفلوطي و مصطفى صادق الرافعي و غيرهم .
و ان اذكر فاني لا أزال اتذكر ان اديبنا الكبير اثار الكثير من الجدل و الغضب بين صفوف شباب زمانه من كتاب ستينيات القرن الماضي حين كان يصف احدا من المتهافتين على ميدان الادب بدون متاع و لا مرجعيات ادبية بــ " الناقود " الفلاني ، او يصف كتاب الجيل الصاعد من الشباب الواعد آنئذ بـ " المتأدبين " ، وهي دعابة تخلو من التهكم ، لكنها لم ترق على أية حال أولئك الشباب الذين اصبحوا كتاب مصر و أملها ، إلى غير ذلك من تلك التسميات التي لا تاتي من باب التهكم و الاستخفاف ، بقدر ما تصنف من باب التلطف و الطرافة و النصح احيانا كثيرة بعكس غريمه العتيد العملاق عباس محمود العقاد الذي كان رغم عناده متساهلا، ومتسامحا.
التعديل الأخير: