حاميد اليوسفي
كاتب
الأحذية المقلوبة
لمح فردة حذاء مقلوبة أمام باب الصالون. منذ كان طفلا، كـلما مـر بصندل، أو بَلْغَة، أو حـذاء مقـلوب، إلا وطـلبـوا مـنه تعديلـه، وإعـادته إلـى وضعـه الطبيعي. لم يسأل الكبار لماذا يتضايقون من ذلك. عندما أصبح رجلا بدأ هو الآخر يتضايق من الأحذية المقلوبة، ويطلب من يمر بجانبها بأن يعيدها إلى وضعها الطبيعي، دون أن يعلم سبب ذلك.
سيكتشف فيما بعـد بـأن النـاس تتذمـر من الأحـذيـة المقلوبـة، وتعـتقـد بأنها تجلب النحس والشـؤم والخصومة لأهل البـيت، وتُغـضب السماء، وتمـــنـع البركة مـــن دخول المنازل.
قال لنفسه:
ـ والآن، بعـد أن عــرفـت السبـب، وزال العـجـب، هــل ستـنهـض لـتعديـل وضـع الحذاء؟
تردد في الجواب، ودمدم بشكـل مهموس مثـل شيخ أنهكه الزمن، ولم يـعـد قادرا على فتح الكتب لخوض حروب جديدة، ثم قال :
ـ لا بأس، السهم أصاب كُليبا*! وضعت اليمامة* شرطها التعجيزيالدم أو كليب حيا). بـعد ذلك رفـض بنـو تغلـب الصلـح. رحلت الجـليلة* من بيـتها، وخرج الزير سالم* مـن الحانة شاهـرا سـيفه. وقـعت الحـرب بـين أبـناء الـدم الواحـد، واستمرت كـل هذه الأعـوام، حتى أتـت علـى الأخضر واليابس!
ربـما وقـع ذلـك بسـبب حـذاء مقلوب، لم يـنهـض أحـد لتعـديله فـي الوقـت المناسب!
ـ رجاء انهض وأعد الحذاء إلى وضعه الطبيعي، وأوقف الحرب قبل بدايتها. فالكثير من الحروب ربما نشـبت بسبب أحـذية مقلوبة ، لم ينـتبه إليهـا الرواة والمؤرخون!
هوامش
ـ كليب بن وائل زعيم التغلبيين وملكهم ، قتله غدرا جساس بن مرة البكري.
ـ اليمامة : ابنة كليب.
ـ الزير سالم : أخو كليب ، وهو الشاعر المهلهل بن ربيعة.
ـ الجليلة زوجة كليب ، وأخت جساس بن مرة.
وقد امتدت الحرب بين القبيلتين حوالي أربعين سنة .