عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
زحام
**
في قلب المدينة العتيقة، حيث تتشابك أزقة درب الفران ببريمة مع أنفاس صهريج السواني، كان شبابنا يئنون تحت وطأة الاحتفالات الوطنية. لم تكن الأعلام الخفاقة ولا الأناشيد الحماسية تغطي على أوجاعهم الخفية. كانوا كأزهار نمت في ظلال الأسوار، تتوق إلى شمس الحرية. كانت فاطمة، الفتاة ذات العيون اللامعة والشعر الأسود الناعم، تحلم بأن تصبح فنانة تشكيلية. كانت ترى العالم بألوان زاهية، وتتوق للتعبير عن مشاعرها من خلال لوحاتها. ولكن عائلتها، التي كانت تتبع تقاليد المجتمع، كانت ترى في الفن مجرد هواية لا مستقبل لها. كانت تشعر بالاختناق في القاعة، وتتوق إلى عالم تتقبله فيه كما هي.
أما يوسف، الشاب الرياضي الذي كان يحلم يوما ما بأن يرتدي قميص المنتخب الوطني، فكان مصابا بإحباط عميق. كانت إصابته الأخيرة في الركبة قد أنهت أحلامه الرياضية، وجعلته يشعر بالوحدة والعزلة. كان يجلس في آخر القاعة، عيناه تحدقان في الأرض، وهو يفكر في كل ما فقده.
وسارة، الفتاة الهادئة التي كانت تعشق القراءة والكتابة، كانت تشعر بالوحدة في مدرستها. كانت تحب أن تستغرق في عالم الكتب، وأن تخلق عوالمها الخاصة. ولكن زملاءها كانوا يسخرون منها لاهتمامها بالأدب، و كانوا يفضلون الألعاب الإلكترونية والموسيقى الصاخبة.
أثناء أحد العروض الفنية، شعر يوسف بالاختناق. كان الهواء خانقا، والضوضاء مربكة. فجأة، قام واقفا، وصرخ بصوت عال منفجرا: " يكفي! لا أستطيع تحمل هذا بعد الآن!" نظر إليه الجميع بدهشة، ثم بدأ بعض الشباب في التصفيق والهتاف.
انتقلت العدوى بسرعة إلى الحاضرين..
بدأ الشباب في التململ؛ في التحرك، ثم قاموا غاضبين ليعبرون عن إحباطهم. مزقوا اللافتات، ورموا الكراسي، وصرخوا بشعارات تطالب بالحرية والتغيير. كانت القاعة تعج بالفوضى، وكان الضباط يحاولون السيطرة على الوضع.
بعد أن هدأت الأمور، تم اعتقال بعض الشباب. ولكن الفكرة كانت قد زرعت في أذهانهم. كانوا قد اكتشفوا قوة التضامن، وقدرتهم على التغيير.
بعد سنوات، اجتمع يوسف وفاطمة وسارة في مقهى صغير. كانوا قد حققوا أحلامهم البسيطة وكانوا يرونها عظيمة. فاطمة أصبحت فنانة تشكيلية معروفة، ويوسف أصبح مدربا رياضيا، وسارة أصبحت كاتبة تشق طريقها بإصرار.
ها أنا سارة قد أصبحت اليوم كاتبة تتوق للشهرة، أحكي قصصي القادمة من أعماق واقعي البئيس:
كنا في جلستنا الحميمية تلك نتحدث عن الماضي، ونسترجع أحلامنا ضاحكين، وتوقفنا عند تلك الليلة التي غيرت حياتنا. أدركنا أننا كنا جزءا من جيل جديد، جيل يرفض الاستسلام، ويطمح إلى بناء مستقبل أفضل؛ ذاك المستقبل المنفلت دوما من بين أصابعنا..
ولم نستسلم.
**
في قلب المدينة العتيقة، حيث تتشابك أزقة درب الفران ببريمة مع أنفاس صهريج السواني، كان شبابنا يئنون تحت وطأة الاحتفالات الوطنية. لم تكن الأعلام الخفاقة ولا الأناشيد الحماسية تغطي على أوجاعهم الخفية. كانوا كأزهار نمت في ظلال الأسوار، تتوق إلى شمس الحرية. كانت فاطمة، الفتاة ذات العيون اللامعة والشعر الأسود الناعم، تحلم بأن تصبح فنانة تشكيلية. كانت ترى العالم بألوان زاهية، وتتوق للتعبير عن مشاعرها من خلال لوحاتها. ولكن عائلتها، التي كانت تتبع تقاليد المجتمع، كانت ترى في الفن مجرد هواية لا مستقبل لها. كانت تشعر بالاختناق في القاعة، وتتوق إلى عالم تتقبله فيه كما هي.
أما يوسف، الشاب الرياضي الذي كان يحلم يوما ما بأن يرتدي قميص المنتخب الوطني، فكان مصابا بإحباط عميق. كانت إصابته الأخيرة في الركبة قد أنهت أحلامه الرياضية، وجعلته يشعر بالوحدة والعزلة. كان يجلس في آخر القاعة، عيناه تحدقان في الأرض، وهو يفكر في كل ما فقده.
وسارة، الفتاة الهادئة التي كانت تعشق القراءة والكتابة، كانت تشعر بالوحدة في مدرستها. كانت تحب أن تستغرق في عالم الكتب، وأن تخلق عوالمها الخاصة. ولكن زملاءها كانوا يسخرون منها لاهتمامها بالأدب، و كانوا يفضلون الألعاب الإلكترونية والموسيقى الصاخبة.
أثناء أحد العروض الفنية، شعر يوسف بالاختناق. كان الهواء خانقا، والضوضاء مربكة. فجأة، قام واقفا، وصرخ بصوت عال منفجرا: " يكفي! لا أستطيع تحمل هذا بعد الآن!" نظر إليه الجميع بدهشة، ثم بدأ بعض الشباب في التصفيق والهتاف.
انتقلت العدوى بسرعة إلى الحاضرين..
بدأ الشباب في التململ؛ في التحرك، ثم قاموا غاضبين ليعبرون عن إحباطهم. مزقوا اللافتات، ورموا الكراسي، وصرخوا بشعارات تطالب بالحرية والتغيير. كانت القاعة تعج بالفوضى، وكان الضباط يحاولون السيطرة على الوضع.
بعد أن هدأت الأمور، تم اعتقال بعض الشباب. ولكن الفكرة كانت قد زرعت في أذهانهم. كانوا قد اكتشفوا قوة التضامن، وقدرتهم على التغيير.
بعد سنوات، اجتمع يوسف وفاطمة وسارة في مقهى صغير. كانوا قد حققوا أحلامهم البسيطة وكانوا يرونها عظيمة. فاطمة أصبحت فنانة تشكيلية معروفة، ويوسف أصبح مدربا رياضيا، وسارة أصبحت كاتبة تشق طريقها بإصرار.
ها أنا سارة قد أصبحت اليوم كاتبة تتوق للشهرة، أحكي قصصي القادمة من أعماق واقعي البئيس:
كنا في جلستنا الحميمية تلك نتحدث عن الماضي، ونسترجع أحلامنا ضاحكين، وتوقفنا عند تلك الليلة التي غيرت حياتنا. أدركنا أننا كنا جزءا من جيل جديد، جيل يرفض الاستسلام، ويطمح إلى بناء مستقبل أفضل؛ ذاك المستقبل المنفلت دوما من بين أصابعنا..
ولم نستسلم.