(يمر العالم حاليا من منعطف خطير، جراء التحولات الاستراتيجية التي يخضع لها، مما أدخله في أزمة حقيقية تسعى إلى تغيير الخريطة العالمية خدمة لأطماع توسعية، تسعى لإسقاط أنظمة وعروش، وقيام كياتات هجينة، مما يؤثر سلبا على الصيرورة التاريخية، والتوازن العام للنظام العالمي، واخضاعه لرغبة كمشة من الدول الاستعمارية المتحكمة، وأحدات فجوة في العلاقات الدولية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وربما ديموغوافيا أيضا باستنبات أنواع من الأوبئة الفتاكة لمحق ممن لم تمحهم الحروب، وسياسات التجويع والتفقير. ولعل هذه التخريجات من نتائج التكنولوجيا الحديثة التي ىأنعمت بها علينا الحضارة الحديثة، اذ في الوقت الذي جاء فيه اكتشاف التكنولوجيا لخدمة المجتمع، وبناء الإنسان القويم، وتسخيرها رهن اشارته في الطب والهندسة والتعليم والسلم والتوافق والتعايش، نجد الامر قد انقلب تماما واصبحت عدوة للإنسان، تستخدم لتقتيله وابتزازه بعدما كان يؤمل أن تسعى لإسعاده، السؤال المهم بالنسبة لنا،هو ما جدوى هذه التكنولوجيا التي تمعن في تشييء الانسان وإذلاله، وتهميش دوره، بعدما كان يشكل محور اهتماماتها، وأججت أطماع الدول المتقدمة لابتزاز الدول الفقيرة والإمعان في تفقيرها بحجة حمايتها، هذه الحماية الصورية مكنتها من بسط هيمنتها على كل مقدراتها الاقتصادية، واستغلالها بشكل مباش، بعد زوال الاستعمار التقليدي، خاصة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفياتي، وهيمنة القطب الواحد المتمثل في الولايت المتحدة الأمريكية التي تسعى لتركيع العالم، وبسط سيادتها التوسعية على العالم، تعيت فيه فسادا وظلما وخرابا، بخلق بؤر التوترات الإقبيمية، وزرع الحزازات بين الدول. وما الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة الامريكية من أجل إرغام بعض الدول العربية المتخلفة للتوقيع على مهزلة التطبيع مع العدو، سوى نموذج بسيط، وهي خيارات استراتيجية لهذه الدول بين بقاء عروشها على أربع، أو التعجيل بإسقاطها، وكل ذلك من أجل إعطاء شرعية وهمية للكيان الصهيوني، وسعيا لضمان موافقتها المبدئية على قتل الشعب الفلسطيني وإبادته، وتشريده، وفرض الهيمنة على أراضيه.. وهذا ما نشاهده حاليا إزاء هذا الخراب الكبير الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني الأعزل تحت لهيب الهولوكست الصهيوني الذي يستهدف البشر والشجر والحجر، ويرمي للقضاء على التواجد الفلسطيني فوق أرض غزة، بزعامة الترسانة الامريكية الهمجية التي أبادت الهنود الحمر، بحرق منازلهم وذبحهم واجبارهم علاى الهروب والتهجير القسري. في الحلقة 70 من يوميات المقتلة الفظيعة التي تدخل ضمن سلسلة التصفيات العرقية القظيعة التي تعرض لها العنصر البشري عبر التاريخ، والتي نوثقها حلقاتها بموقع "أنطولوجيا السرد العربي"، يتمثل الأستاذ الدكتور عادل الأسطه بمقطع من قصيدة (حالة حصار) للشاعر الفلسطيني محمود دروبش (في انتفاضة الأقصى واجتياح المدن الفلسطينية في العام ٢٠٠٢ أحصى محمود درويش خسائر الفلسطينيين باختصار " خسائرنا: من شهيدين حتى ثمانية كل يوم، وعشرة جرحى وعشرون بيتا وخمسون زيتونة، بالإضافة إلى الخلل البنيوي الذي سيصيب القصيدة والمسرحية واللوحة الناقصة" ولم يمتد به العمر ليعيش معنا حروب غزة العديدة: ٢٠٠٨ / ٢٠٠٩ و٢٠١٢ و٢٠١٤ و٢٠١٨ و٢٠٢١ و٢٠٢٣ التي تضاعفت فيها خسائرنا حتى بلغت في الحرب الدائرة حاليا ١٦ ألف شهيد و٦٠ ألف جريح و٦٠. /.. من منازل قطاع غزة وتشريد أكثر من مليون ونصف فلسطيني، عدا شهداء الضفة الغربية وتجريف البنية التحتية لجنين ومخيمها ومخيمات طولكرم وبلاطة و..) أمام هذا الدمار الجسيم لا يمكننا إلا أن نحمل المسؤولية الكاملة لأنظمتنا العربية المتخاذلة الجبانة، وتعاملها بحياد مطلق، ولامبالاة تامة وصمت جسور حيال ما يجري، في الوقت الذي تستعرض فيه عضلاتها، وتسلط عساكرها لقمع وضرب الشعب. وللمثقف العربي لمواقفه المتواطئة والخنوعة، وخضوعه لعملية تدجين شاملة بشراء ضميره، وحشو كرشه بفضلات الموائد، وهي حالة مرضية عبر عنها وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني بقوله "لقد أدخلت المثقفين إلى الحظيرة".)
* مداخلة في ملف استطلاع الرأي حول موضوع:: (موقف المثقف العربي من التغيرات العالمية)، الذي أعدته الأخت ليلى مهيدرة لمجلة أقلام عربية - السنة الثامنة ع/ 84 دجنبر 2023
* مداخلة في ملف استطلاع الرأي حول موضوع:: (موقف المثقف العربي من التغيرات العالمية)، الذي أعدته الأخت ليلى مهيدرة لمجلة أقلام عربية - السنة الثامنة ع/ 84 دجنبر 2023