نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

محمد معتصم - القصة القصيرة المغربية: الخصائص النوعية

جبران الشداني

المؤسس
طاقم الإدارة
بقلم محمد معتصم

القصة القصيرة جزء لا يتجزأ من الأدب، والأدب جزء لا يتجزأ من المجتمع، لذلك فالتأثير والتفاعل قائم بين القصة القصيرة والمجتمع الذي نشأت فيه وتخلقت في رحمه، وتتحول معه سواء على مستوى القضايا التي يستحدثها الواقع الجديد أو على مستوى القيم التي يرجحها، لذلك نجد كل من تعرض لدراسة القصة القصيرة أو لتحديد تعريف لها يقف عند حقيقة التنوع والاختلاف، بل الوقوف عند نتيجة نهائية أن القصة القصيرة تتعدد بتعدد كاتباتها وكتابها، لأنهم يشتغلون ضمن سياق اجتماعي متنوع ،وبحسب رؤى جمالية وفكرية وثقافية مختلفة.
هذه الإشكالية الأهم في دراسة القصة القصيرة لأنها توقف الدارسين عند عتبة النهاية، وأمام جدار العجز وبالتالي تجعل من القصة القصيرة ذلك المستحيل الذي لا يمكن حدهُ ولا تعريفه، فيسقط في لجة الغموض والعشوائية، ومن ثمة يحق لأي كان أن يكتب القصة القصيرة، ولا يحق لأي كان أن يطرده من جنتها.
الموضوعات والقضايا والقيم داخل المجتمعات تتغير وتتحول وتتعارض؛ في المجتمعات القديمة ربما، بنسبة أقل، لكنها تسير بوتيرة حادة في المجتمعات الحديثة والمعاصرة، نظرا لتعاقب الأحداث والمؤثرات الخارجية السريعة والعديدة،ومنها: زوال المنظومات الفكرية والسياسية والإيديولوجيات الكبرى، صعود فكرة الانفصال وسياسة بعث الأقليات العرقية والطائفية والعقائدية المهمشة سابقا داخل المجتمعات الثالثية ، مقابل تفكيك التجمعات والتكتلات السياسية والاقتصادية والمالية غير الخاضعة لمنطق العولمة واقتصاديات السوق.
مع ذلك، هناك خصائص نوعية تحفظ للقصة القصيرة هويتها، مهما تنوعت وسايرت الصورة الحالية للمجتمعات العربية ودول العالم الثالث المغلوبة على أمرها، أي سواء تَمَّتِ المحافظة على القصة القصيرة كما كتبها روادها في ظل شروط مختلفة اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا، وتمثلها القصاصون الجدد، أو تم تدميرها وتفريقها واختزالها في مجزَّآت ومشاهد ومتواليات ،أو مجردِ فقرات نثرية أو حتى جملة أو جملتين أو كلمة أو حروف، ومن أهم الخصائص النوعية وأولها:

1/ السردية:
ليست القضايا والمواضيع والقيم ما يحدد خاصية القصة القصيرة وأي جنس أدبي آخر، بل ما يحدد القصة القصيرة ويميزها عن غيرها، سواء بين القصص القصيرة ذاتها أو الرواية والسيرة والخاطرة والمقالة التاريخية... هو نوع النص (Le type de texte)، فالقصة القصيرة نوع سردي ووصفي، سردي أولا ووصفي ثانيا، لأن السرد لا يخلو من وصف، وأن الوصف جزء لا يتجزأ من السرد، لكن يمكن للوصف أن يستقل بذاته، كما يمكنه أن يندمج في السرد على هيأة "الوصف الحر" وقياسا على "الخطاب المباشر الحر". إذن، للحديث عن القصة القصيرة لا بد من توفر السردية التي تحدد نوعها النصي.
وتتنوع السردية وتتجزأ وتختلف بدورها، فقد تكون القصة ذات سرد خطي وتكون في هذه الحال "تقليدية" نها تستند في سرديتها على "الحكاية" بمعناها التقليدي؛ أي تواتر الأحداث وتتابعها بانتظام البداية والعقدة ثم النهاية، ونجد كذلك قصصا قصيرة ذات سرد مُبَأَّرٍ وهنا تكون القصة القصيرة ميَّالة نحو السرد المشهدي ويغلب عليها الوصف، وصف الأمكنة أو الأشخاص والشخوص أو الأشياء أو جميعها. ونجد أيضا من يوظف ما يمكن تسميته بالسرد المقعر الذي يجعل النص القصصي القصير موزعا بين متواليات سردية متنوعة، لكن خيوطها تتجمع في بؤرة واحدة، وهنا يكون السرد قائما على الفكرة، كما نجد مثلا في قصص "نافذة على الداخل" للقاص أحمد بوزفور... وهكذا

2/ الحجم:
تأرجحت آراء الدارسين بين أهمية الحجم في تحديد نوعية القصة القصيرة وتميزها عن الكتابات السردية الأخرى المجاورة لها، وبين وظيفته الثانوية في تميز القصة القصيرة، لكن مع التحولات التي شهدها المجتمع في الواقع والافتراض معا، بات من لمؤكد إعادة التفكير في "الحجم"، ولأن السردية كخاصية أولى مميزة للنوع القصصي القصير لا تتحقق إلا بوجود حجم محدد يمكنه أن يبني على الأقل "متوالية سردية" واحدة، مثلا؛ فهل يمكن لكلمة (لفظة) واحدة أن تكون "سردا" على اعتبار أن اللفظة الواحدة قد تكون جملة مفيدة بالتقدير، كأن يذكر المبتدأ ويحذف خبره الذي قد يقدر في ذهن المتلقي، إذا كان المتلقي مطلعا على التجارب القصصية المحلية والعالمية قديمها وحديثها، وبذلك تتصادى الكلمة المفردة في ذهنه وكلكمات أخرى وردت في سياقات سردية أخرى، وهذا مطلب صعب المنال، بينما إذا كان القارئ متوسطا أو هاويا يطلب المتعة الجمالية فلن يتمكن من الربط بين المتفرق النصوص.
إذا، الحجم الممكن في تحديد نوع النص القصصي القصير يشترط كأصغر وحدة له "متوالية سردية"، أي فقرة تتضمن افعالا حسية أو باطنية، أفعالا تسرد وتصف أحداثا خارجية أو أفعالا تسرد وتصف أفكارا داخلية، كالمتواليات السردية التي يطلق عليها "تيار الوعي" أو المونولوغ الداخلي أو التأملات الفكرية أو وصف الانفعالات النفسية للشخصيات أو الشخوص.
و"المتوالية السردية" لا تتنافى والحذف والاختزال والطفرة الزمنية والإحالة والتكثيف وهكذا. ولذلك لا يحدد الحجم اليوم بعدد الكلمات أو الأسطر ولكن بالمتوالية السردية التي تضمن حركة التطور والتنامي بأية صورة كانت؛ التواتر أو التقعير أو التقطيع المشهدي.

3/ القصدية:
إن ما يحدد نوعية النص القصصي القصير أو أي نوع تصي آخر "القصدية"، أي أن الكاتب منذ الوهلة الأولى يكون قد اختار بينه وبين نفسه أن ما سيكتبه قصة قصيرة وليس شيئا آخر، وهنا ستتحدد في ذهنه مجموعة من العناصر المحددة للنوع القصصي القصير، وبالتالي يمنع على الارتجال أو والكتابة العشوائية، والقصدية هاته تبرز بحدة عند كاتب "احترف" القصة القصيرة واختارها وسيلة تعبيره على ذاته والمجتمع ولكتابة والوجود وبين كاتب يترك النص يتشكل كما اتفق، قد يحدد في البداية أنه سيكتب قصة قصيرة، فيجد الكتابة أو الحكاية أو الشخصيات أو تمثلاته الشخصية والفكرية قد تسربت إلى النص القصصي ومططته ليتحول إلى نوع سردي مختلف مجاور للقصة القصيرة.
إن القصة القصيرة لا يمكنها أن تكون إلا ذاتها، أي نوعها النصي، وإلا تحولت إلى شكل تعبيري آخر مجاورٍ، يحتاج إلى توصيف دقيق وإلى تسمية أخرى، ومن ثمة إلى معايير محددة لنوعه، لا يمكن الحديث عن تداخل الأنواع إلا في حال معرفة الحدود المميزة لكل نوع على حدة، وهذا يندرج في سياق الحديث عن مهارة القاص وثقافته القصصية والسردية وقصديته أولا وأخيرا.
هذه ثلاث محددات أراها أساسية في سياق الحديث عن القصة القصيرة كنوع سردي عموما بين أنواع سردية مجاورة، وكشكل أدبي وتخييل إبداعي يُعَبِّرُ عن موقف ومرحلة ورؤية فنية للذات ومحيطها. ولا شك أن هنالك محددات أخرى قد يأتي سياق الحديث عنها لاحقا، مع شواهد من القصة القصيرة المغربية والعربية أو غيرهما.


* ناقد من المغرب

المصدر:
http://www.qabaqaosayn.com/content/القصة-القصيرة-المغربية-الخصائص-النوعية
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى