نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

السرُّ في النقطة

بعد آخر رؤية في المرآة يخرج الرجل ذو المعطف الأزرق السماوي من بيته متجها نحو المستشفى حيث ترقد أمه المنهكة بفعل المرض الخبيث منذ ما يفوق الشهر.قال له الأطباء أن المرض قد استشرى في كامل الجسد ولم يبق الكثير إلا إذا حدث شيء.لذلك لم يفقد الأمل في حدوث ذاك الشيء.
في طريقه ومقابل المسجد يلفت انتباهه طفل صغير يبكي وأمه جالسة مستندة إلى حائط، يمر بمحاذاتهما،يتوقف للحظة ويتذكر اليُتم واليتيم و "السائل فلا تنهر" وكل شيء… يخطو بعض الخطوات ثم يدخل متجرا يقتني بعض الحلويات وسيارة لعبة أطفال. يتجه صوب المرأة والطفل، ينحني ، يقدم الحلويات والسيارة للطفل الباكي الذي يسكت من فوره وتنفجر الفرحة في وجهه… ثم يضع الرجل يده على رأس الطفل يُربّت…
أما في الغرفة التي تمتد فيها أمه، فكان الطبيب واقفا يتمعن كشف آخر التحاليل وبجانبه الممرضة ذات الخمار الخوخي. قبل أن ينهي الطبيب قراءة الكشف يزم شفتيه هازا رأسه ويقول في نفسه " لم يبق لها الكثير، قريبا ستودّع".
في اللحظة التي همّ فيها الرجل ذو المعطف الأزرق على رفع يده من على رأس الطفل وهمّ فيها الطبيب على رفع نظره من كشف التحاليل، حدث شيء… شيء لم تتوقعه الممرضة…. فتحت الأم المريضة المستلقية عينيها ناظرة للسقف,,, لم يكن في السقف ما يستدعي النظر غير أن رأسها كان صدفة متجها نحو السقف.
اقتربت الممرضة من السرير، الطبيب كذلك اقترب، كانا ينتظران أن يحدث شيء غير أن المريضة أغمضت عينيها ولم تعد تنظر في السقف، اقترب الطبيب أكثر، تحسس نبضها ثم استدار نحو الممرضة وقال: "ماتت".
غطت الممرضة وجه المرأة الأم بالملاءة البيضاء الموردة وخرجت تتبع الطبيب.
وبينما كان الرجل ذو المعطف الأزرق يصعد الدرج عند مدخل المستشفى وفي داخله حفنة اماني ان يحدث شيء، كانت العجلة البلاستيكية تتدحرج على الرصيف بعد أن خلعها الطفل اليتيم من سيارته اللعبة.
بعد هذه النقطة الخاتمة، كتب القاصُّ " ليس بالضرورة أن تحدث المعجزة وتقوم الأم معافاة نتيجة الحنو على اليتيم"… ثم فكر قليلا، وشطب العبارة ليكتب بدلا عنها " ليس بالضرورة أن يحدث شيء مقابل حدوث شيء آخر " …توقف لبرهة وراح يشطب هذه العبارة أيضا وكتب في نهاية الأمر "ليس من الضروري تذييل القصة بموعظة، تكفينا النقطة كنهاية ".
 

جبران الشداني

المؤسس
طاقم الإدارة
تحية طيبة للأخ سعيد ماروك
قيمة النص في نظري، تكمن في رهانه على مباغثة القارئ الذي يتوقع شفاء الأم بعد الإحسان الذي قدمه الإبن.
في هذا قد يكون موفقا في نظري، لكني ألاحظ:
أن التزامن بين فعل تقديم الهدية و وفاة الأم غير واضح من خلال بدايات النص، بسبب لبس الارتباط في الجملة التالية:
أما في الغرفة التي تمتد فيها أمه ..
فمن يقرأها لا يتصور تزامنا أو سببية بين الحدثين.. عكس ما ستدل عليه الجمل اللاحقة.
أظن أيضا أن الخاتمة الميتانصية لم تكن موفقة و لا مبررة، فلا يوجد داع، من وجهة نظري كقارئ لاستدعاء محنة الكاتب و قلقه، لأني معني هنا بقصة الأم و ابنها أساسا.. لا بهواجس الكاتب الذي يكتبها..



تحية طيبة و تقدير
 

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
نعم ... هو رأي مقبول حول خاتمة النص أخي جبران
كان من المستحسن توقف النص عند هذه العبارة:
" كانت العجلة البلاستيكية تتدحرج على الرصيف بعد أن خلعها الطفل اليتيم من سيارته اللعبة. "
فهي وضعية نهاية مناسبة لتدرج المتواليات السردية السابقة..
ولعل الأخ سعيد قد ارتاح لبعض الاجتهاد السردي هنا، وحاول الانتهاء باقتراح نهايات مختلفة، غير أني أعتقد أن طبيعة المتن والأجواء التي ساقها السرد، لاتسعف النص في تحمل هذا النوع من التجريب المراهن على تعدد الحلول، إذ بذلك يطغى العنصر " التقني " على العنصر " الوجداني " .. والعنصر الأخير طبعا هو محور النص ورهانه العام .. ربما يليق هذا النوع في اختيار النهايات وطرحها متعددة، بنصوص أخرى تفتح المجال لهذا النوع من التدخل، الممثل لتعدد رؤى السارد وتردده بينها في النهاية..
 
أخي سعيد
سلام واحترام
الأدب الذي يتناول مآسي الناس ومعاناتهم ذلك الذي يسمّيه البعض الأدب الملتزم، هو في نظري أدب جيّد. وهذه القصّة تتعرّض لمصائب الإنسان الوجودية. فيها نستشفّ خوف الابن على أمّه وليس أدلّ على ذلك من سعيه لفعل الخير عسى أن تجني أمّه ثمار هذا الخير فتشفى من المرض، هناك معاناة الأم من المرض، هناك تعرّض لمشكلة الفقر والتسوّل.... كلّ هذا جيّد. لكن ماذا بعد ذلك؟ بعد أن جال بنا الكاتب في عالم مأساة الإنسان الوجودية و حرّك عاطفتنا وجعلنا نرثي لحال أبطالها، فنتمنّى الشفاء للمريضة ونرقّ لحال المتسوّلين ونكبر مجهود الابن، يُظهر لنا الكاتب نفسه أو بالأحرى يدفعنا إلى أن نتخيّله في صورة كاتب برجوازي في أريكته الوثيرة يرتشف قهوته ويتسلّى بالكتابة ويعاني من مشكلة فنّية اعترضته وهي كيف ينهي القصّة؟ يا سلام!! الكاتب يدفعنا بلا رحمة من عالم الضعف والتعاسة إلى عالم الرفاهية والانبساط. يا أخي بالراحة علينا... لقد كنّا نبكي مع المعذّبين في الأرض. الناس يعانون من مشاكل الفقر والمرض والتسوّل والكاتب يعاني من مشكلة كيف ينهي القصّة؟؟؟ "ليس بالضرورة أن يحدث شيء مقابل حدوث شيء آخر". هكذا قال بكلّ برودة دم!
فهل بعد هذه الخاتمة نصدّقه أنّه كان يشعر بمأساة الشخوص الذين تحدّث عنهم؟ وممّا يزيد في "غضب" القارئ ورغبته الشديدة في اغتيال الكاتب، تلك الجملة التي تجسّم كبرياءه – سامحاه الله- "ليس بالضرورة أن تحدث المعجزة وتقوم الأمّ معافاة نتيجة الحنوّ على اليتيم". كم كنّا نتمنّى أن تشفى الأمّ. لكن الكاتب بقسوته خيبّ أملنا. اللهم اغفر له، فهو لا يقصد إلا الخير.
أخي سعيد أردت فقط أن أمازحك وأكتب بهذا الأسلوب الهزلي ولكن القصّة في الواقع جيّدة وطريفة. مع العلم أن الأسلوب الذي استخدمته، استخدمه بعض الكتاب الفرنسيين في عصر النهضة وهو ليس بدعة.
دمت متألّقا أخي سعيد وشكرا على إتاحة الفرصة كي أشاكسك.
 

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
ونعم المشاكسة أخي حسن، مادامت تثير قضية تتعلق بتقنيات السرد، وأعتقد أن نية سعيد تغيت الشعور بالحيرة أمام مواقف مأساوية يعجز الإنسان عن مواجهتها أو تخيل حلول لها، فالتخلص من نص يطرح موضوعا بهذا الحزن، وبهذه المأساة المتجاوزة للقدرات، يبقى صعبا، لانعدام حل مناسب في الواقع ,,,لذلك لجأ الكاتب إلى ما يمكن اعتباره حسن التخلص، وظهرت الحلول المترددة بصورة تلقائية دون مسبقة ميبقة تتكئ على التقني أكثر من الإنساني
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى