نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

مشكلة التجنيس: محمد آيت علو

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
وجب أن يمتثل لجنسه الذي أدرج ضمنه، وأن يلتزم بخصائصه ومكوناته المعلومة،غير أننا وللتوضيح نقول: فلقد ركبنا طموحا آخر وخاصة في كتابنا الأول يطبعتين"باب لقلب الريح" وكذلك في إصدارنا الأخير الجديد" كأن لا أحد" وذلك من خلال مشروع نصوص منفلتة ومسافات، وهو مشروع لقي استحسانا كبيرا، وقد وجد له موقعا وصدى في سوق التلقي الأدبي عموما، جعلنا نواصل الحفرفي التجربة بثقة كبيرة، وجملة ما فيه أنها نصوص انفلتت من عقال التجنيس المقيد لكل نفس إبداعي أحيانا، ويأخذ مشروعيته ويمتلكها من الدلالة اللغوية نفسها " انفلات/ ومسافة..." انفلات من أي حد أو قيد، إنه التحليق خارج المألوف، انفلات من قيد اليد والانطلاق إلى كافة العوالم بأجنحة فنية لاحدود لها، والمعول عليه هو الإبداع/ مسافة بين المقروء والمتلقي للاقتراب من مأدبته، وإكمال المشاركة بين المؤلف والمتلقي عموما بغض النظر عن أفق انتظاره...ذلك أن الكتابة عندي تنبثق من خلال ما أشعر به فأعطيه الحرية، ومن خلال معطى جمالي فني أيضا، على أن التجريب هو دينامية داخلية تسري في نسغ النص وهو روح العملية الإبداعية برمتها، علاوة عن الانفتاح على فنون موازية، مثل اللقطة السينمائية أو السكريبت/السيناريو"نص يحدد البناء العام للفيلم أو المسرحية..."..التكثيف والاختزال والانزياح، واقتناص الدهشة في غابات الحياة بجمالها وأسرارها وأسئلتها وغموضها، والمزج بين ما هو خيالي وواقعي، والمنطق والحلم، والانفتاح على بعض خصائص القصيدة الحداثية، والتشكيل، والمسرح...والانفتاح على شتى العلوم، مثل علوم الكونيات... حيث يصير الكاتب بوصلة وصيادا للدهشة، فهو يحيكُ وجودهُ بالتشابك المهيب بكل ما يحيط به، علاوة عن كون هاجس الفن هو حافز اصطناع تجربة إنسانية، إن أي تجربة إذا لم تبدع في مستوى اصطناع تصورات وتحولات لانهائية، فإنها حتما ستتلاشى قبل أن ننتهي من التفكير فيها...هناك الغامض الهام، والتافه الممل، والتافه، والواضح الرائع، والواضح الجميل...ثم إن الأعمال لايحددها بعد قياس ثابت، فهذا لايحدث حتى في الحلم، ناهيك بالتصنيف الأجناسي الذي فقد ما كان يتمتعُ به من يقين وحسم لإدراك العالم، فضلا على أنه لم يعد له أي معنى، فمع "كروتشه" و"بارث"و"بلانشو"وغيرهم كثير، وأن مسألة الأجناس الأدبية لا وجود لها، وأن الحدود الفاصلة التي ما انفك النقاد يقيمونها بين الأجناس مجرد وهم، إن الكتابة والابداع بشكل عام لاتنفك تخترق نفسها وثوابتها في سياق التحولات العامة على مستوى الواقع والتاريخ، وقد صارت بنية النصوص السردية بحلتها الجديدة أكثر جمالا بمفارقتها وانزياحاتها، على أن التجريب هو روح العملية الابداعية، وفي نهاية المطاف هي بحث مستمر لما هو أفضل وبخلفية فنية...، كما تحضرني الآن مقولة "ميخائيل باختين" بأن جنس الرواية مثلا قال:" إنها جنسٌ لم يتشكل بعد"، أستحضر"بورخيس" يقول ما مضمنه: إن القصة كما أراها مجرد كتابة ماسة صافية، لاتحتمل أي زيادة أو ترهل ...كتابة فنية مراوغة وهجينة متعددة لاأساس لها ولا قاعدة، الخلخلة هي الفعل الدائم والمحاط بالعملية الإبداعية أيضا الكثير من الأجناس الأدبية ولا سيما القصة قد استنفدت طاقاتها ووصلت إلى أوجها وهذا ما تحصل عند جمهرة من كتاب القصة القصيرة فيما نعتقد، إن كل شيء يصاب بالتغيير والتكيف، ولسنا فراغا لرجع صدى ما هو عادي...ومن هنا أعتقد أن تكون لنا بصمة وأثر، إن هدف الإبداع والفن هو حافز لاصطناع تجربة إنسانية تسمو بالذوق، وتتجاوز مستوى التسجيل الصرف. المبدع عندما يعيد اصطناع الواقع لا لكي يغتصب الحقيقة من أجل التشويق الملهي والمتعة، فكل شيء ينبغي أن يصفى في الذهن، أن نفهم الحياة من خلال الفن....
الصراع كان مع تركيب الكلمات، إن الإحساسات والصور يملكها الكثيرون، ليس المعيش اليومي وإنما الإيهام به، ومعلوم إن المشاعر أكبر من اللغة، التعبير عنها يبقى هو الأهم، الإيهام بالمعيش وليس الشهادة العيانية...ليس هناك حياة حكاية، بل حكاية حياة...ما قيمة الحياة إذا لم ينقحها الإبداع، إن أي تجربة إذا لم تبدع في مستوى اصطناع تصورات وتحولات لانهائية...فإنها ستتلاشى قبل أن ننتهي من التفكير فيها، فصبرنا ينفذ بدافع الملل والسآم التي تبعثه فينا رؤاهُ أو تقنيته، ومن فشل بعض المبدعين هو أن مصيرهم يتقرر بما يختاره لهم قراؤهم ومنتقدوهم ونقادهم، وهكذا لم يستطيعوا اكتساب شخصيتهم، إنهم عيال الأدب كما يسميهم الصديق الكاتب الكبير"محمد شكري"، فالشكل والموضوع يُملى عليهم من هذه الفئة أو تلك، كما نطلب من النجار أن يصنع لنا كراسي أو طاولات على قياس أو شكلما، تبريرهم القاصر في الابداع الشخصي والعبقري هو أنهم يكتبون تحت الطلب، وبهذا التبرير جعلوا الأدب يخضع لمشاكل عصرهم التجارية مثلما تخضع الأشياء لقياس الحجم...، هناك من يرفض أن يؤكد له الكاتب ما يعرفه، يريد منه غير المعروف، الخارق للعادة. لكن الكاتب لايعبر فقط عن معنى وجوده حتى وإن أراد ذلك ."إن معنى كتاباتي ، مثل معنى وجودي، هو انتصارٌ لما هو إنساني" كما يقول جوتيه.
العالم يفلت منا باستمرار، والفن يحاول القبض على هذا الإفلات. نحن حين نستعيدُ بالإبداع، هذا العالم الهارب منا لا نضعه في صورة مؤطرة ونحتفظ به كذكرى . إن مادته تتحول كأي معدن ينصهر وتعاد صياغته في شكل يلائم عصرنا وما سيأتي بعدنا.
إن الأحكام التي جعلت اكتشاف كافكا في غير أوانه، إهمال نتشه لفترة، إعتبار لينين شعر ما ياكوفسكي هذيانا، حكم أندري جيد على أول جزء من البحث عن الزمن الضائع قدمه بروست لغاليمار قد انقبرت بينما صمدت إبداعات هؤلاء المرفوضين في زمانهم، إن المبدع الحقيقي لاينتظر أحدا لتزكيته وتعزيزه، فقد تأخر معاصروا شوبنهور في فهم مؤلفه"العالم إرادة وتخيل" فمدح نفسه بالاعتزاز الذي يستحقه، إن ما يعيش طويلا ينمو ببطء.
محنة الكاتب العربي اليوم هي أنه مطالب بتطوير تقنيته وموضوعه أكثر من أي وقت سابق، إنه مزاحم من الكتاب الغربيين...وبإكراهات عدة...
الكتابة استكشاف حياة أفضل....ثم إنه لايمكن لأي تجربة أن يتم استسهالها ولا تقزيمها، إن كل صدمة تولد الإحساس بصدمات أخرى في الواقع أوفي الخيال أو في الوهم.....
إن الرهان يحتم علينا أن نؤمن بأن كل كتابة تحملُ صمودها أو خذلانها.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى