نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

(ناقد) قراءة ل ق ق ج بقلم بوعزة الفرحان

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
35 ــــ قصة: ناقد محمد فري /المغرب
بقلم بوعزة الفرحان

FC8CC4D9-D1DE-42CE-BE4C-9AD097CB0143.jpeg

امتشق الناقد سيفا
لوح به يمينا وشمالا
وشرع يخبط النصوص خبط عشواء
هاله انعدام سيل الدماء فغضب كثيرا
وعندما تفقد سيفه
وجده .....
خشبيا!!


قراءة نقدية
تصديــر
يتفق كثير من النقاد على المقولة التالية: "النقد جزء من العملية الإبداعية، في المجالات الإبداعية المختلفة، وقد تم هذا الاتفاق لمواجهة مقولة "الناقد مبدع فاشل" أي أنه لا يساهم في مجالات الكتابة الإبداعية من رواية وقصة وشعر وغير ذلك، وأكدوا على ما يمارسونه هو إبداع، أو مكمل للعملية الإبداعية، أو هو إبداع موازٍ." وبرر النقاد ذلك بقولهم: "إن مفهوم النقد قد توسع، وإنه لا يعني كشف العيوب وإبراز المحاسن." ويتخيل كثير من النقاد بأن لهم سلطة تفوض لهم محاكمة العمل الإبداعي على مختلف أجناسه، وتحد في نفس الوقت من فاعلية القارئ لكي يبني رأيه، ويساهم في بناء تقييم شخصي.
ماذا يجب على الناقد؟
على الناقد أن لا يكون في موقع المراقب الذي يبحث عن الأخطاء في الأعمال الفنية، بل يجب أن يبحث عن الإيجابيات أيضا. ويتجرد من الأهواء الشخصية، وأن يحكم على الأعمال الفنية من غير تحيز أو تشدد في الرأي. ولا يعتقد أنه يمتلك سلطة إنجاح أو إفشال العمل الفني.
فالأدب يسبق النقد، فلولا وجود الأدب لما وُجد النقد الأدبي. فالأدب صنعة إبداعية، والنقد ما هو إلا ذوق لذلك الإبداع. فالأديب مُطالب بالتعبير الإبداعي، والناقد مُطالب بنقد ذلك التعبير بموضوعية وحيادية، وبما أن الأدب إبداع فيفترض أن يكون النقد إبداعا هو الآخر.
نحو تعريف بسيط للنقد
يُعد النقد الأدبي عملية تحليل وتفسير وتقييم الأعمال الأدبية، وتتم عملية النقد من خلال أربع مراحل، وهي الملاحظة والتحليل والتفسير والتقييم. يتم في المرحلة الأولى قراءة النص الأدبي ومحاولة فهم معناه، ويقوم الناقد في المرحلة الثانية بتحليل النص الأدبي وتفكيكه إلى عناصره الأولية ومعرفة طريقة تنظيم الأجزاء مع بعضها البعض. في المرحلة الثالثة يشرح الناقد العلاقة بين الأجزاء والعناصر ومعرفة ما يود المؤلف قوله، وأخيرا يُصدر حُكمه المبنى على فهمه للنص ككل.
يقول عــبد الحميد المدري مدرس مساعد، أدب انجليزي، نقد ثقافي، مهتم بالنظريات النقدية والفلسفة:
"يركز النقد الأدبي على تقييم الجوانب الجيدة والرديئة في النص، أي أنه لا يقتصر على البحث عن عيوب النص فقط، وتكون هنالك أُسس ومعايير يرجع إليها الناقد أثناء تحليله للنص الأدبي، إلا أن عملية النقد أحيانا تُعبر عن وجهة نظر القارئ لما يحدث في النص، فقد يرتاح قارئ ما لنص ما، وقد لا تعجبه بعض الأشياء في النص نفسه، فما يَعده قارئ معين ما جيدا وجميلا، قد يكون غير لائق وغير جميل لقارئ آخر. وقد لا يلقى نص ما رواجا وقبولا بين مجتمع القُراء في زمن ما، وربما يقفز قفزة نوعية في زمن آخر. قد يكون النقد مَبنيّا على دراسة دقيقة للنص ذاته تشمل لغة النص وفكرته والعاطفة التي يحتويها، وقد يعتمد على تفسيرات وأحكام مُسبقة عنه، وقد يأخذ في الاعتبار كل ما يقود لفهم النص، وبما أن النقد هو الذوق للإبداع الأدبي، فقد يرافق هذا الذوق لذة أو عدم لذة يترتب عليهما حكم (رأي نقدي) يصب في صالح النص أو يقف ضده. وأخيراً يمكننا القول، إن العلاقة بين الأدب والنقد تكاملية، فالأدب بحاجة للنقد والنقد بحاجة للأدب، فلا يمكن أن يَثمر إحداهما بمعزل عن الآخر"
بعد هذه التوطئة اليسيرة، بني النص على صور متناسقة في إبلاغ صورة الناقد "الفاشل" كما عبر عنه أحد النقاد.
1ــ الصورة الأولى: امتشق الناقد سيفا
نسب السارد فعل "امتشق" للناقد، وبذلك انزاح الفعل عن معناه الحقيقي، وأخذ دلالة جديدة تنساق مع مهمة الناقد، فتولدت صورة جديدة للناقد، كأنه محارب يخرج سيفه وينتزعه استعدادا للقتال. قتال من؟ قتال العمل الإبداعي، عن طريق إشهار نقده في وجهه. صورة هذا الناقد مخيفة، تنحو نحو الهدم دون مساهمة بناء الفن الإبداعي. كما استعمل السارد كلمة "سيفا" وعادة، عندما يكون الإنسان مسلحا "بالسيف" فالغاية منه هو الدفاع عن النفس، والهجوم على الآخر، إما لتخويفه أو إخضاعه لسلطته، أو قتله وإنهاء حياته. ولعل كلمة "سيفا" كناية عن سلطة الناقد الذي يتسلح بمجموعة من الأدوات والمعايير التي يلجأ إليها لتشريح العمل الإبداعي وتبيان جودته ورداءته، وتصيد ما هو سلبي مع إغفال ما هو إيجابي، ويعتقد أن كل ما يتوصل إليه من قول وشرح وتفسير هو الصواب. فحين يريد المبدع أن ينجز إبداعا ما عليه أن يضع بين عينه سيف الناقد الذي يقف على رقبة إبداعه.
2 ــ الصورة الثانية: لوح به يمينا وشمالا
فعل "لوح" يدل على هذا الناقد قد أشار إشارات منتزعة خفية من مناهج متعددة، شرح وتفسير وتأويلات غير منسجمة، يخونها المنطق والإقناع. كأنه يلوح بقرابته إلى النقاد المرموقين، فلا يستقر على ذوق نقدي يستخلص به المتعة والفائدة. عبر السارد عن هذا الاضطراب في الحكم والارتباك في إصدار قيمة جمالية معينة تستقر داخل وعاء اللغة..وقد عبر السارد عن هذا المنحى بجملة "يمينا وشمالا" أي يضرب في كل الاتجاهات دون أن يركز على منهج نقدي معين، ودون أن يصل إلى قراءة نقدية بناءة تساهم في تشجيع الكبار والشباب. وقد تعززت الصورة بالجملة السردية التالية/ وشرع يخبط النصوص خبط عشواء/
الصورة الثالثة: /هاله انعدام سيل الدماء فغضب كثيرا/ إنها لحظة توقف وتأمل، كان ينتظر أن ينهد العمل الإبداعي ويلين، وأن تسيل الدماء من جوف الكلمات، وتأتي المعاني والدلالات منقادة له تحت سلطته لكونه ناقدا. فكل ما فعله سوى اجتراح السطور، ونهش الكلمات، لذلك هاله الحدث فأصابه الفزع وعظم عليه أمر النقد البناء والهادف، فما نفعه غضبه.
الصورة الرابعة: وعندما تفقد سيفه، وجده ..... خشبيا!!
إنها لحظة مساءلة ذاته عن ثقافته ومعارفه، وتسلحه بدعامات الناقد المتمكن من أدواته وآلياته النقدية، واطلاعه على المناهج النقدية المواكبة لتنوع الأجناس الأدبية في العصر الحالي. نكسة أصابت هذا الناقد تجلت في ثورته وغضبه، وسرعة اكتشافه أنه كان يحارب النص المنقود بآليات شبيهة بسيف خشبي لا يفصل بين الإبداع الغث والسمين والجاد والرديء، فكل ما عمله ذهب هباء تدروه الريح لأنه انطلق من الفراغ فحصد الفراغ.
تركيب وبناء
وقد تساءل الناقد محمد داني عن الجانب التنظيري للقصة القصيرة جدا، فبحث في خصائصها، ووظائفها، وأركانها، وشروطها، وبعض النقد اهتم بتحليل النصوص وقراءة مجاميعها. (1)
كما تساءل قائلا: "ما هي الخاصية التي تميز القصة القصيرة جدا عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى؟هل القصر؟ أم ألإدهاش؟ أم الإيقاعية؟ أم المفارقة؟ أم شيء آخر يشكل حضورها ويميزها عن الألوان الأدبية الأخرى؟"
فهل حققت قصة "ناقد" خاصية القصة القصيرة جدا؟
ا ــ البناء اللغوي: لقد توسل الكاتب لتمرير خطابه بلغة شفافة تنبني على الانزياح والخرق اللغوي عن طريق مجموعة من الأفعال الماضية التي انزاحت عن معناها الأصلي لتتشكل في دلالات جمالية أقوى،/ امتشق/ لوح/ شرع/ هاله/ تفقد/ وجده/ أفعال حملت في وعائها اتساعا دلاليا كبيرا، ونبضا متميزا وفريدا للحياة. فمن خلال التنسيق بين دلالات الأفعال، وتدرجها في خلق حالات مختلفة تتصاعد قوتها كلما انتقلنا من حالة أخرى. استطاع الكاتب أن يبتعد عن الواقع، فتمكن من توليد عدة صور جديدة في كلمات قليلة، ليتسنى له توسيع رؤى حية كثيرة، ودلالات متعددة.
ب ــ جدلية البياض والسواد في القصة
إذا تأملنا الفضاء المكاني للنص، فإننا نجده خاليا من علامات الترقيم، إلا من نقط متتابعة، وعددها خمسة، وعلامة تعجب مكررة. وأعتقد أن الكاتب تعمد ذلك، فلم يحدد مواقع الفصل والوقف والابتداء، ولم يعين أنواع النبرات الصوتية والأغراض الكلامية، ولم يعمل على تيسير عملية الفهم على القارئ أثناء القراءة. فلا نقطة عند الجملة لما تكون تامة، ولا فاصلة التي ترمز إلى وقفة قصيرة، ولكنه اكتفى بعلامة الحذف التي رمز لها بهذا الشكل: (.....) دلالة على أن هذه النقط تعوض كلاما محذوفا في النص، يدخل في المسكوت عنه، إشارة إلى مرور الزمن والحدث داخل تغيرات مكانية على مستوى القصة ذاتها.
أما علامة التعجب: (!) التي وردت مكرورة في آخر القصة فإنها تدل على انفعالات نفسية غير متوقعة، وهي تعبّـر عن العواطف أكثر مما تعبّر عن الأفكار؛ ومن هذه الانفعالات: التعجب، والإعجاب، والتهكم، والفرح، والحزن، والتحذير. وهي تنوب عن النقطة، وتسمى أحيانا علامة الانفعال.
أعتقد أن خلو القصة من النقطة والفاصلة قد يعطي للقارئ فرصة القراءة دفعة واحدة، كصورة منتزعة من الواقع الأدبي، تبين مسار النقد الذي أصبح أداة للهدم بدل البناء والترشيد والتقويم، وقد شخص الكاتب هذا التدهور المزري في نهاية القصة بعلامة التعجب ( !!) التي تزيد من ذروة الحزن والأسى وربما التهكم والسخرية اللاذعة.
ج ــ المفارقة السردية
يقول الناقد محمد يوب باختصار: "ولهذا تتّصل المفارقة في كثير من صورها بالتّهكم والسخرية والدهشة واﻹحساس بالفجيعة والمأساة؛ والمفارقة تسير عكس أفق انتظار المتلقي، فتصدمه بقفلتها المدهشة."
فنهاية قصة "ناقد" كانت صادمة للقارئ خيبت أفق انتظاره بعدما تحول سيف الناقد في النهاية إلى سيف خشبي لا قيمة له، وما نقده للعمل الإبداعي سوى خربشات متباعدة محدودة تعلو سطح النصوص الأدبية. إنها مفارقة ساخرة تنحو نحو التهكم والفجيعة، مما أعطى للنص قوته وعمقه من خلال التناقض والتضاد الذي حصلا للناقد، والذي خيب أفق انتظار البطل والقارئ في نفس الوقت. ( سيف قاطع تحول إلى سيف خشبي)
خاتمة
ومن الغريب، نجد كثيرا من النقاد يمتشقون سيوفهم ولا يطرحون السؤال على أنفسهم: هل هي نافعة ومجدية، أم هي هادمة وقاتلة للإبداع؟ فالذي لا يعرف كيف يقرأ النص الأدبي قراءة نقدية سليمة، قراءة تعمل على خلخلة النص، والوقوف على فجواته، والمخبوء من الدلالات الساكنة في وعاء اللغة. إن مثل هذا الناقد يشبه المحارب الذي يتسلح بأسلحة كثيرة، لكنه لا يعرف الميدان الذي سيحارب فيه، ولا أي سلاح نقدي صالح للعمل الإبداعي الذي بين يديه. تشبيه جميل ارتكز عليه النص لتوصيل الرسالة بلغة أدبية شيقة، وبرمزية عالية في الصياغة.
في اعتقادي، هناك فرق كبير بين الناقد والقارئ، فقد يكون القارئ جيدا وليس بالضرورة أن يكون ناقدا، لكن مع الأسف هناك من تشبه بالناقد الجيد، بعدما حفظ بعض الآليات النقدية المعزولة، يطبقها على كل نص أدبي، فتأتي قراءاته متشابهة، ومن كثرة تداولها تصبح باهتة ورثة .
هناك من يمارس التأويل المغرض للمعنى والتفسير اللغوي كنوع من الفهم للنصوص الأدبية،
وإذا كان التأويل هو فن الفهم، فإن " فوكو" " يرى فيه وسيلة لقمع النص وقهره، وهو آلة النسق الفكري الذي يسعى إلى انتزاع اعتراف كاذب من كلمات النص بالقوة والاغتصاب"
1ـــ /حفريات في القصة القصيرة جدا الناقد محمد داني / ص: 63
2 ـــ ص:64/نفس المرجع
3 ــــ محمد يوب /الحوار المتمدن-العدد: 4492 - 2014 / 6 / 24 /المحور: الأدب والفن
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى