هو أبو القاسم البصري، نصر بن أحمد بن نصر بن مأمون، المشهور بـ "الخبز رزي أو الخبز أرُزِّيّ " لأنه كان يصنع خبز الأرز بالبصرة، ويشاع انه كان شبه أمي، واشعاره غير ذات قيمة كما يصنفها الذين تناولوا سيرته وأدبه، اذ تتميز بالبساطة والعفوية وروح المرح والهزل والاسفاف في القول، وكلها في الغزل خاصة قصيدته الحالية التي قالها في غلام اسمه مظفر، ونوردها بالرغم من ان لا قصة ولا مناسبة محددة لها، غبر انها القصيدة الطويلة الوحيدة التي نقلها جامع شعره أبو الحسين بن لنكك - الذي كان صديقا له يلازمه ويتردد على مخبزته - ضمن ما جمع من اشعاره، وتعد مما وصلنا من أشعار الشعراء الحرفيين،
ذكر الثعالبي " كنت على طي شعره وذكره، إما لتقدم زمانه أو سفسفة كلامه، ثم تذكرت قرب عهده وتكلف ابن لنكك جمع ديوان شعره، فسنح لي أن أضمّن هذا الكتاب لمعاً قد علقت بحفظي منه، والإعراض عن التصفح لباقي شعره، وترك الفحص عما يصلح للإلحاق به من ملحه. وعلى ذكره، فقد بلغني من غير جهة أنه كان أميا لا يكتب ولا يتهجى، وكانت حرفته خَبز خُبز الأرز في دكانه بمربد البصرة، فكان يخبز ويُنشد أشعاره المقصورة على الغزل، والناس يزدحمون عليه، ويتطرفون باستماع شعره، ويتعجبون من حاله وأمره، وأحداث البصرة يتنافسون في ميله إليهم وذكره لهم، ويحفظون كلامه لقرب مأخذه وسهولته، وكان ابن لنكك -على ارتفاع مقداره- ينتاب دكانه ويسمع شعره".
واورد الخطيب البغدادي هذه المطارحة الشعرية: " حكى أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني البصري قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفان الشاعر وأبي الحسين بن لنكك، وأبي عبد الله المفجّع، وأبي الحسين السباك في بطالة عيد، وأنا يومئذ صبيّ أصحبهم، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي، وهو جالس يخبز على طابَقه، فجلست الجماعة عنده يهنئونه بالعيد ويتعرفون خبره، وهو يوقد السَّعف تحت الطابق، فزاد في الوقود فدخَّنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان، فقال نصر بن أحمد لأبي الحسين بن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي!! وكانت ثيابه يومئذ جدداً على أنقى ما يكون من البياض للتجمّل بها في العيد، فمشينا في سكة بني سَمُرة، حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد بن المثنى، فجلس أبو الحسين بن لنكك وقال: إن نصراً لا يُخلي المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله فيه، ويجب أن نبدأه قبل أن يبدأنا، فاستدعى بدواة وكتب إليه:
لنصرٍ في فُؤادي فَرْطُ حُبٍّ
أنيفُ به على كلِّ الصِّحابِ
أتيناه فَبَخَّرَنا بَخُوراً
من السَّعفِ المدخِّنِ للثّياب
فقمتُ مُبادراً وحسبتُ نصراً
أرادَ بذاك طردي أو ذَهابي
فقال: متى أراك أبا حُسينٍ
فقلت له: إذا اتّسخَت ثيابي
وأنفذَ الأبيات إلى نصر، فأملى جوابها، فقرأناه، فإذا هو قد أجاب:
منحتُ أبا الحسين صميم ودّي
فداعَبني بألفاظ عِذاب
أتى وثيابُه كقتير شيبٍ
فَعُدْنَ له كريعان الشباب
ظننتُ جلوسَه عندي لعرسٍ
فَجُدْتُ له بِتَمْسيك الثياب
فقلت: متى أراك أبا حسينٍ
فجاوبني: إذا اتّسخت ثيابي
فإن كان الترفّه فيه خيرٌ
فَلِمْ يُكنْى الوصيّ أبا تراب؟.
تحية والى لقاء
نقوس المهدي
******
******
نَسيمُ عَبيرٍ في غِلالَةِ مَاء
الخبز أَرُزِّيّ
1- نَسيمُ عَبيرٍ في غِلالَةِ مَاء
وتِمْثَالُ نُورٍ في أديمِ هَواءِ
2- حَكى لؤلؤاً رَطْباً مُحَشَّى بجوهرٍ
مُصَفَّى لِفَرْطَيْ رِقَّةٍ وصَفَاء
3- لقد رحمَ الرحمنُ رقَّةَ جِسْمِهِ
فجلَّله مِنْ نورِهِ بِرِداءِ
4- بَدا ملكوتُ الحُسْنِ في جَبَروته
فمن نَور نورٍ في ضِياء ضِياء
5- تَسَرْبَلَ سِرْبالاً من الحسن وارتدى
رداءَي جَمَالٍ طُرِّزا ببهاء
6- تَحيَّرتُ فيه لستُ أحْسِنُ وصْفَهُ
على أنَّني مِنْ أوصفِ الشُّعَراء
7- فلو أنّه في عهد يوسفَ قطِّعتْ
قلوبُ رجالٍ لا أكفُّ نِسَاء
8- يُديرُ إداراتٍ بِسَيْفَي لِحاظِه
فيقتُلُنا من غَير سَفْكِ دماء
9- له حركاتٌ تنثرُ الثُكْلَ بينها
إشاراتُ لُطْفٍ واتّقادُ ذكاء
10- تلألأَ كالدُرِّ النقيّ بشاشةً
وشُرِّبَ خَدَّاه عَقيقَ حَيَاءِ
11- له غُرّةٌ مِنْ تحتِ شَعْرٍ كأنَّه
تَبلُّجُ صُبْحٍ تحتَ جُنْحِ مساءِ
12- فأحْسَبُه من حُورِ عِيْنٍ وإِنّما
أتى هارباً في خُلْسَةٍ وخَفَاء
13- فلم أرَهُ إلاّ التفتُّ توقّعاً
لِرضْوانَ خَوْفاً أن يكون وَرائي
14- سيؤخذ منّا ليسَ رضوانُ تاركاً
على الأرض حُوريّاً ربيبَ سَمَاءِ
15- تقطَّعَ في فِيَّ اسمُه إذْ ذكرتُه
بتقطيع أنْفاسِي له الصُّعَدَاءِ
16- فيا ميمَ مولاي ويا ظَاءَ ظَالم
ويا فاءَ فَوْزي ثم راء رجائي
17- فديتُك، مَنْ هذي الصفاتُ صِفَاتُه
مِنَ الحُسْن، لِمْ يُلقى بِقُبْحِ لِقاءِ؟
18- أمِنَ أجْل ذاكَ الوعدِ أظهرتَ حِشْمةً
ومَنْ ذاك حتَّى تَتَّقي وتُرائي؟
19- وما ألْفَةُ الألاّفِ عَاراً فَتَتَّقي
وليسَ الهوى عَيْباً لَدى الظُّرفَاءِ
20- تُرى غُيّرت عن عهدِها تَوْبةُ الهوى
فأخرج بَذْرُ الوَصْل زَرْعَ جَفَاءِ؟
21- تكدَّرتِ الدُّنيا عليَّ لأنَّني
تأمّلتُ تَكْدِيراً بماءِ صَفَاء
22- ولمَّا رأيتُ الغَدْرَ زانَكَ في الهوى
رجَعْتُ وصَبْرِي عن وصالِكَ دَائي
23- فإنَّ حَبيبي مَنْ يُحِبُّ تَنعُّمِي
وليسَ حبيبي منْ يُحِبُّ شقائي
24- ولَنْ يُرتَجى نصرٌ ولا كَشْفُ عِلّةٍ
إذا جاء داءٌ مِنْ مكانِ دَوَاءِ
25- لكَ العفوُ عَمَّا قد مضى ولكَ الرِّضا
ولي أنْ تُوفّي لي حُقُوقَ وفَائي
26- ولم أشتغلْ عن حُسْنِ وجْهِك إذْ بَدا
تقطُّبُه إلاّ لِحُسْن عَزَاءِ
27- فيا نفسُ صَبْراً أنْ يعيشَ مظفّري
وإنْ متُّ وَجْداً كنتُ في الشهداءِ
28 - إذا ما لقيتُ البؤسَ عندَ أحبّتي
ترى عندَ أعدائي يكونُ رجائي؟
29 - إلى الماءِ يَسْعى مَنْ يَغَصُّ بأكْلَةٍ
فَقُلْ أين يسْعَى مَنْ يغصُّ بماءِ؟
30- تعالَ نكاتمْ عَتْبَنا وعِتَابنا
لنأمنَ تخليطاً من الخُلَطَاءِ
31- ولا تَسْقِني ماءَ الوِصال مكدّراً
بتَحْرِيضهم، دعْني أمُتْ بِظَمَاءِ
32- وكُلٌّ يجرُّ النار حِرصاً لقَرْصِهِ
وكلٌّ بمكرٍ خادعٌ ودهاء
33- رضُوا مِنْ مَعاصيهم بتَشنيعِ تُهمةٍ
فإنْ ماتَ سَبْعٌ طَرْمَذُوا بحشاءِ
34- تسَمَّى بأسماءِ الإخاءِ مَعَاشِرٌ
ومَا عِنْدَهم مِنْ ذمَّةٍ لإخَاءِ
ذكر الثعالبي " كنت على طي شعره وذكره، إما لتقدم زمانه أو سفسفة كلامه، ثم تذكرت قرب عهده وتكلف ابن لنكك جمع ديوان شعره، فسنح لي أن أضمّن هذا الكتاب لمعاً قد علقت بحفظي منه، والإعراض عن التصفح لباقي شعره، وترك الفحص عما يصلح للإلحاق به من ملحه. وعلى ذكره، فقد بلغني من غير جهة أنه كان أميا لا يكتب ولا يتهجى، وكانت حرفته خَبز خُبز الأرز في دكانه بمربد البصرة، فكان يخبز ويُنشد أشعاره المقصورة على الغزل، والناس يزدحمون عليه، ويتطرفون باستماع شعره، ويتعجبون من حاله وأمره، وأحداث البصرة يتنافسون في ميله إليهم وذكره لهم، ويحفظون كلامه لقرب مأخذه وسهولته، وكان ابن لنكك -على ارتفاع مقداره- ينتاب دكانه ويسمع شعره".
واورد الخطيب البغدادي هذه المطارحة الشعرية: " حكى أبو محمد عبد الله بن محمد الأكفاني البصري قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفان الشاعر وأبي الحسين بن لنكك، وأبي عبد الله المفجّع، وأبي الحسين السباك في بطالة عيد، وأنا يومئذ صبيّ أصحبهم، فمشوا حتى انتهوا إلى نصر بن أحمد الخبز أرزي، وهو جالس يخبز على طابَقه، فجلست الجماعة عنده يهنئونه بالعيد ويتعرفون خبره، وهو يوقد السَّعف تحت الطابق، فزاد في الوقود فدخَّنهم، فنهضت الجماعة عند تزايد الدخان، فقال نصر بن أحمد لأبي الحسين بن لنكك: متى أراك يا أبا الحسين؟ فقال له أبو الحسين: إذا اتسخت ثيابي!! وكانت ثيابه يومئذ جدداً على أنقى ما يكون من البياض للتجمّل بها في العيد، فمشينا في سكة بني سَمُرة، حتى انتهينا إلى دار أبي أحمد بن المثنى، فجلس أبو الحسين بن لنكك وقال: إن نصراً لا يُخلي المجلس الذي مضى لنا معه من شيء يقوله فيه، ويجب أن نبدأه قبل أن يبدأنا، فاستدعى بدواة وكتب إليه:
لنصرٍ في فُؤادي فَرْطُ حُبٍّ
أنيفُ به على كلِّ الصِّحابِ
أتيناه فَبَخَّرَنا بَخُوراً
من السَّعفِ المدخِّنِ للثّياب
فقمتُ مُبادراً وحسبتُ نصراً
أرادَ بذاك طردي أو ذَهابي
فقال: متى أراك أبا حُسينٍ
فقلت له: إذا اتّسخَت ثيابي
وأنفذَ الأبيات إلى نصر، فأملى جوابها، فقرأناه، فإذا هو قد أجاب:
منحتُ أبا الحسين صميم ودّي
فداعَبني بألفاظ عِذاب
أتى وثيابُه كقتير شيبٍ
فَعُدْنَ له كريعان الشباب
ظننتُ جلوسَه عندي لعرسٍ
فَجُدْتُ له بِتَمْسيك الثياب
فقلت: متى أراك أبا حسينٍ
فجاوبني: إذا اتّسخت ثيابي
فإن كان الترفّه فيه خيرٌ
فَلِمْ يُكنْى الوصيّ أبا تراب؟.
تحية والى لقاء
نقوس المهدي
******
******
نَسيمُ عَبيرٍ في غِلالَةِ مَاء
الخبز أَرُزِّيّ
1- نَسيمُ عَبيرٍ في غِلالَةِ مَاء
وتِمْثَالُ نُورٍ في أديمِ هَواءِ
2- حَكى لؤلؤاً رَطْباً مُحَشَّى بجوهرٍ
مُصَفَّى لِفَرْطَيْ رِقَّةٍ وصَفَاء
3- لقد رحمَ الرحمنُ رقَّةَ جِسْمِهِ
فجلَّله مِنْ نورِهِ بِرِداءِ
4- بَدا ملكوتُ الحُسْنِ في جَبَروته
فمن نَور نورٍ في ضِياء ضِياء
5- تَسَرْبَلَ سِرْبالاً من الحسن وارتدى
رداءَي جَمَالٍ طُرِّزا ببهاء
6- تَحيَّرتُ فيه لستُ أحْسِنُ وصْفَهُ
على أنَّني مِنْ أوصفِ الشُّعَراء
7- فلو أنّه في عهد يوسفَ قطِّعتْ
قلوبُ رجالٍ لا أكفُّ نِسَاء
8- يُديرُ إداراتٍ بِسَيْفَي لِحاظِه
فيقتُلُنا من غَير سَفْكِ دماء
9- له حركاتٌ تنثرُ الثُكْلَ بينها
إشاراتُ لُطْفٍ واتّقادُ ذكاء
10- تلألأَ كالدُرِّ النقيّ بشاشةً
وشُرِّبَ خَدَّاه عَقيقَ حَيَاءِ
11- له غُرّةٌ مِنْ تحتِ شَعْرٍ كأنَّه
تَبلُّجُ صُبْحٍ تحتَ جُنْحِ مساءِ
12- فأحْسَبُه من حُورِ عِيْنٍ وإِنّما
أتى هارباً في خُلْسَةٍ وخَفَاء
13- فلم أرَهُ إلاّ التفتُّ توقّعاً
لِرضْوانَ خَوْفاً أن يكون وَرائي
14- سيؤخذ منّا ليسَ رضوانُ تاركاً
على الأرض حُوريّاً ربيبَ سَمَاءِ
15- تقطَّعَ في فِيَّ اسمُه إذْ ذكرتُه
بتقطيع أنْفاسِي له الصُّعَدَاءِ
16- فيا ميمَ مولاي ويا ظَاءَ ظَالم
ويا فاءَ فَوْزي ثم راء رجائي
17- فديتُك، مَنْ هذي الصفاتُ صِفَاتُه
مِنَ الحُسْن، لِمْ يُلقى بِقُبْحِ لِقاءِ؟
18- أمِنَ أجْل ذاكَ الوعدِ أظهرتَ حِشْمةً
ومَنْ ذاك حتَّى تَتَّقي وتُرائي؟
19- وما ألْفَةُ الألاّفِ عَاراً فَتَتَّقي
وليسَ الهوى عَيْباً لَدى الظُّرفَاءِ
20- تُرى غُيّرت عن عهدِها تَوْبةُ الهوى
فأخرج بَذْرُ الوَصْل زَرْعَ جَفَاءِ؟
21- تكدَّرتِ الدُّنيا عليَّ لأنَّني
تأمّلتُ تَكْدِيراً بماءِ صَفَاء
22- ولمَّا رأيتُ الغَدْرَ زانَكَ في الهوى
رجَعْتُ وصَبْرِي عن وصالِكَ دَائي
23- فإنَّ حَبيبي مَنْ يُحِبُّ تَنعُّمِي
وليسَ حبيبي منْ يُحِبُّ شقائي
24- ولَنْ يُرتَجى نصرٌ ولا كَشْفُ عِلّةٍ
إذا جاء داءٌ مِنْ مكانِ دَوَاءِ
25- لكَ العفوُ عَمَّا قد مضى ولكَ الرِّضا
ولي أنْ تُوفّي لي حُقُوقَ وفَائي
26- ولم أشتغلْ عن حُسْنِ وجْهِك إذْ بَدا
تقطُّبُه إلاّ لِحُسْن عَزَاءِ
27- فيا نفسُ صَبْراً أنْ يعيشَ مظفّري
وإنْ متُّ وَجْداً كنتُ في الشهداءِ
28 - إذا ما لقيتُ البؤسَ عندَ أحبّتي
ترى عندَ أعدائي يكونُ رجائي؟
29 - إلى الماءِ يَسْعى مَنْ يَغَصُّ بأكْلَةٍ
فَقُلْ أين يسْعَى مَنْ يغصُّ بماءِ؟
30- تعالَ نكاتمْ عَتْبَنا وعِتَابنا
لنأمنَ تخليطاً من الخُلَطَاءِ
31- ولا تَسْقِني ماءَ الوِصال مكدّراً
بتَحْرِيضهم، دعْني أمُتْ بِظَمَاءِ
32- وكُلٌّ يجرُّ النار حِرصاً لقَرْصِهِ
وكلٌّ بمكرٍ خادعٌ ودهاء
33- رضُوا مِنْ مَعاصيهم بتَشنيعِ تُهمةٍ
فإنْ ماتَ سَبْعٌ طَرْمَذُوا بحشاءِ
34- تسَمَّى بأسماءِ الإخاءِ مَعَاشِرٌ
ومَا عِنْدَهم مِنْ ذمَّةٍ لإخَاءِ