عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
مشاعر معلبة
**
أُضيئت الساحة الواسعة كما في كل دورة احتفالية: أضواء زرقاء معلّقة بإتقان، مقاعد موزّعة بميزان المساواة الشكلية، موسيقى خلفية تُشبه ارتجاف جنازات منمّقة. دخل المدعوون بتؤدة تشبه التبجيل، يرتدون أقنعة لامعة كأنها وجوه بديلة، تلمع مع الفلاشات لكنها لا تعكس شيئًا من الداخل. الضحكات خفيفة ومدروسة، مصمّمة بدقة لتناسب كل مناسبة، حتى لو كانت تحت الأنقاض.
وقف الخطيب ذو البذلة الحريرية على المنصة، مال بجسده قليلاً كأنما يريد أن يهمس بشيء جلل، ثم قال بصوت رخيم خالٍ من أي خلل تقني: "نُدين العنف، بكل أشكاله… خاصةً ذاك الذي تظهره الصور عندما تُلتقط من زوايا منحازة." دوّى الضحك، لا لأن الجملة مضحكة، بل لأن الحرج يحتاج إلى مخرج، والصمت قاتل في هذه المواقف.
بعده جاء المحلّل المتوازن، رجل نحيل بلون حيادي، رفع أوراقه دون أن يقرأ منها وقال: "نحن لا ننكر المعاناة. ولكن… يجب أن نفهم السياق. السياق دائمًا معقّد… جدّا. وربما الطفل كان مريضًا أصلا، قبل أن… يجوع." أومأ الحضور بإعجاب، فقد قيلت الجملة بنفس نبرة الصحف المحترمة. حتى المهرج، الذي جُلب للفكاهة، أجهش بالبكاء، لأن البكاء في مثل هذه اللحظات هو نوع من الاحتراف الفني.
وسط هذا الانسجام الوثير، تقدّمت امرأة بثياب مغبرّة. لا بطاقة دعوة في يدها، بل قطعة قماش رمادية، تتدلّى منها أطراف صغيرة. همست وهي تقترب كأنها تخترق بصرًا لا يريد أن يرى: "هذا حفيدي… كان يرضع حين جاء الصاروخ. لم يكن مريضًا. لم يكن جائعًا. كان طفلًا. هل يمكنكم قول شيء… صادق؟ إنساني؟ أو حتى… شيء؟" توقّف الوقت لوهلة، أو هكذا خيل لها، لكن الوقت في الساحات المنظمة لا يتوقف. جاءها الرد سريعا، بنبرة أنيقة: "ما أجمل التراجيديا حين تأتي من قلب الواقع! إنها تمنحنا بعدا إنسانيا… آسرا."
ركض المصوّر. التقط زاوية جيدة للمرأة، أمال العدسة قليلًا لتظهر بعض الغبار، ثم سأل: "هل يمكننا إعادة المشهد؟ كان الضوء قاسيا." طلب أحدهم فلترا ورديا: "المأساة داكنة أكثر من اللازم، نحتاجها قابلة للمشاركة."
عند المغيب، عزفت فرقة الجاز مقطوعة مرتجلة بعنوان "السلام الممكن"، وشُربت الكؤوس البلاستيكية بأناقة مصطنعة. ووزعت المرايا الصغيرة كهدايا رمزية، كتب عليها بخط دافئ: "انظر جيدا… تر إنسانيتك." ضحك الجميع. وتعانقوا في دوائر محكمة، تُشبه حلقات دراسة جامعية في "الفضيلة الليبرالية".
تجمّد على الحافة أحدهم. لم يكن من المدعوّين. ظل يحدق في امتداد الظل خلف الجميع. رآه يمشي، يمشي، دون أن يصادف أحدًا. الأجساد التي عبر فوقها لم تكن هناك. كانت هناك فقط في القماش الملفوف، في القفص الصدري الظاهر، في "أنا جوعان" التي لم تترجم قط.
ثم… أعيد ترتيب الكراسي.
وانطلقت الاستعدادات للدورة المقبلة.
**
أُضيئت الساحة الواسعة كما في كل دورة احتفالية: أضواء زرقاء معلّقة بإتقان، مقاعد موزّعة بميزان المساواة الشكلية، موسيقى خلفية تُشبه ارتجاف جنازات منمّقة. دخل المدعوون بتؤدة تشبه التبجيل، يرتدون أقنعة لامعة كأنها وجوه بديلة، تلمع مع الفلاشات لكنها لا تعكس شيئًا من الداخل. الضحكات خفيفة ومدروسة، مصمّمة بدقة لتناسب كل مناسبة، حتى لو كانت تحت الأنقاض.
وقف الخطيب ذو البذلة الحريرية على المنصة، مال بجسده قليلاً كأنما يريد أن يهمس بشيء جلل، ثم قال بصوت رخيم خالٍ من أي خلل تقني: "نُدين العنف، بكل أشكاله… خاصةً ذاك الذي تظهره الصور عندما تُلتقط من زوايا منحازة." دوّى الضحك، لا لأن الجملة مضحكة، بل لأن الحرج يحتاج إلى مخرج، والصمت قاتل في هذه المواقف.
بعده جاء المحلّل المتوازن، رجل نحيل بلون حيادي، رفع أوراقه دون أن يقرأ منها وقال: "نحن لا ننكر المعاناة. ولكن… يجب أن نفهم السياق. السياق دائمًا معقّد… جدّا. وربما الطفل كان مريضًا أصلا، قبل أن… يجوع." أومأ الحضور بإعجاب، فقد قيلت الجملة بنفس نبرة الصحف المحترمة. حتى المهرج، الذي جُلب للفكاهة، أجهش بالبكاء، لأن البكاء في مثل هذه اللحظات هو نوع من الاحتراف الفني.
وسط هذا الانسجام الوثير، تقدّمت امرأة بثياب مغبرّة. لا بطاقة دعوة في يدها، بل قطعة قماش رمادية، تتدلّى منها أطراف صغيرة. همست وهي تقترب كأنها تخترق بصرًا لا يريد أن يرى: "هذا حفيدي… كان يرضع حين جاء الصاروخ. لم يكن مريضًا. لم يكن جائعًا. كان طفلًا. هل يمكنكم قول شيء… صادق؟ إنساني؟ أو حتى… شيء؟" توقّف الوقت لوهلة، أو هكذا خيل لها، لكن الوقت في الساحات المنظمة لا يتوقف. جاءها الرد سريعا، بنبرة أنيقة: "ما أجمل التراجيديا حين تأتي من قلب الواقع! إنها تمنحنا بعدا إنسانيا… آسرا."
ركض المصوّر. التقط زاوية جيدة للمرأة، أمال العدسة قليلًا لتظهر بعض الغبار، ثم سأل: "هل يمكننا إعادة المشهد؟ كان الضوء قاسيا." طلب أحدهم فلترا ورديا: "المأساة داكنة أكثر من اللازم، نحتاجها قابلة للمشاركة."
عند المغيب، عزفت فرقة الجاز مقطوعة مرتجلة بعنوان "السلام الممكن"، وشُربت الكؤوس البلاستيكية بأناقة مصطنعة. ووزعت المرايا الصغيرة كهدايا رمزية، كتب عليها بخط دافئ: "انظر جيدا… تر إنسانيتك." ضحك الجميع. وتعانقوا في دوائر محكمة، تُشبه حلقات دراسة جامعية في "الفضيلة الليبرالية".
تجمّد على الحافة أحدهم. لم يكن من المدعوّين. ظل يحدق في امتداد الظل خلف الجميع. رآه يمشي، يمشي، دون أن يصادف أحدًا. الأجساد التي عبر فوقها لم تكن هناك. كانت هناك فقط في القماش الملفوف، في القفص الصدري الظاهر، في "أنا جوعان" التي لم تترجم قط.
ثم… أعيد ترتيب الكراسي.
وانطلقت الاستعدادات للدورة المقبلة.