حسن فيرداوس
كاتب
..... الشامية
بلكنتها الشامية المتداخلة مع مفردات من الدارجة منتقاة بعناية من قاموس التسول المحلي؛ يسمع صوتها الرخيم الذي يحمل نبرة شبه حزينة وهو يتوجه إلى الخارجين من المسجد بعد كل صلاة مكتوبة ..تحمل في أحد كفيها أوراقها الثبوتيية التي تحيل إلى الجنسية السورية ، وفي الكف الأخرى كيسا أسودا لجمع ما يجود به الكرماء ..ومن حين لآخر تعدل " ثوبها " على كتفيها وتحاول إعادة خصلات شعرها الأسود الفاحم ، التي تسللت لتغطي ناصيتها
تتسول رفقة أولادها ككورال منسجم ..أصوات رقيقة لأطفال لايتجاوز أكبرهم سن الخامسة وأصغرهم رضيع يتوسد صدرها في نومة أو غيبوبة لست أدري ..تستهل " عملها " بصفة تجمع من بين السياسي والتسول العادي ..أليست السياسة هي الرحم الذي اندلق منه اللاجئون ؟ : لاجئة سورية تلتجىء إليكم لمساعدتها ...العاديون من المصلين يعتبرونها فقيرة محتاجة أو عابرة سبيل ، وقد أوصى الله بالصدقات والزكاة في الأصناف الثمانية الواردة في القران ؛ وهي بدون شك تدخل ضمنهم ..ولكن غالبية الشباب أدخلوها في صنف التسول الاحترافي وخضوعها لشبكة تتجر في آلام الناس ...
تقدمت مني وهي تحضن رضيعا " نائما " وطفل في الخامسة من عمره متشبث بثوبها وهي تنهره حتى لا يسقطه من على كتفيها ..حدقت في عينيها الزرقاوين ووجهها الأبيض المشرب بالحمرة ، فتذكرت أجناس أخرى تستوطن الهلال الخصيب ترجع أصولها إلى الشركس والسلاف والأتراك إلى جانب العرب والفرس ..
تأسفت لحال هذا الوجه الجميل الذي أصبح سلعة في سوق النخاسة البيضاء وأوكار الدعارة والتسول الاحترافي ..سألتها من أي مدينة وفدت ..أشارت إلى بطاقة بيدها تعرف بمدينتها وعنوانها : مدينة حلب ..لم يعد يجد العنوان ، فالحي الذي كانت تقطن فيه تحول حسب آخر المهجرين خرابا يبابا ودشم للتراشق بالنار ..سألتها عن والد أطفالها الثلاثة : نظرت إلي وكأنها تستقصي المبطن من سؤالي :- هذا الطفل الكبيرقتل والده في احدى الغارات ، وكان يعمل محاسبا وهذا الذي يلعب بجواري والرضيع ضحايا اغتصاب ..لقد تعرضنا للويلات قبل أن نحط الرحال في بلدكم المضياف ..صمتت ودموع جامدة تلمع في ألحاظها ثم تمتمت وهي في وضع من لا حيلة له : عندما ينتهي كل شيء سنعود إن شاء الله إلى وطننا ...نقدتها ما تيسر في الجيب ولساني يؤمن على كلامها
2017 : القنيطرة
بلكنتها الشامية المتداخلة مع مفردات من الدارجة منتقاة بعناية من قاموس التسول المحلي؛ يسمع صوتها الرخيم الذي يحمل نبرة شبه حزينة وهو يتوجه إلى الخارجين من المسجد بعد كل صلاة مكتوبة ..تحمل في أحد كفيها أوراقها الثبوتيية التي تحيل إلى الجنسية السورية ، وفي الكف الأخرى كيسا أسودا لجمع ما يجود به الكرماء ..ومن حين لآخر تعدل " ثوبها " على كتفيها وتحاول إعادة خصلات شعرها الأسود الفاحم ، التي تسللت لتغطي ناصيتها
تتسول رفقة أولادها ككورال منسجم ..أصوات رقيقة لأطفال لايتجاوز أكبرهم سن الخامسة وأصغرهم رضيع يتوسد صدرها في نومة أو غيبوبة لست أدري ..تستهل " عملها " بصفة تجمع من بين السياسي والتسول العادي ..أليست السياسة هي الرحم الذي اندلق منه اللاجئون ؟ : لاجئة سورية تلتجىء إليكم لمساعدتها ...العاديون من المصلين يعتبرونها فقيرة محتاجة أو عابرة سبيل ، وقد أوصى الله بالصدقات والزكاة في الأصناف الثمانية الواردة في القران ؛ وهي بدون شك تدخل ضمنهم ..ولكن غالبية الشباب أدخلوها في صنف التسول الاحترافي وخضوعها لشبكة تتجر في آلام الناس ...
تقدمت مني وهي تحضن رضيعا " نائما " وطفل في الخامسة من عمره متشبث بثوبها وهي تنهره حتى لا يسقطه من على كتفيها ..حدقت في عينيها الزرقاوين ووجهها الأبيض المشرب بالحمرة ، فتذكرت أجناس أخرى تستوطن الهلال الخصيب ترجع أصولها إلى الشركس والسلاف والأتراك إلى جانب العرب والفرس ..
تأسفت لحال هذا الوجه الجميل الذي أصبح سلعة في سوق النخاسة البيضاء وأوكار الدعارة والتسول الاحترافي ..سألتها من أي مدينة وفدت ..أشارت إلى بطاقة بيدها تعرف بمدينتها وعنوانها : مدينة حلب ..لم يعد يجد العنوان ، فالحي الذي كانت تقطن فيه تحول حسب آخر المهجرين خرابا يبابا ودشم للتراشق بالنار ..سألتها عن والد أطفالها الثلاثة : نظرت إلي وكأنها تستقصي المبطن من سؤالي :- هذا الطفل الكبيرقتل والده في احدى الغارات ، وكان يعمل محاسبا وهذا الذي يلعب بجواري والرضيع ضحايا اغتصاب ..لقد تعرضنا للويلات قبل أن نحط الرحال في بلدكم المضياف ..صمتت ودموع جامدة تلمع في ألحاظها ثم تمتمت وهي في وضع من لا حيلة له : عندما ينتهي كل شيء سنعود إن شاء الله إلى وطننا ...نقدتها ما تيسر في الجيب ولساني يؤمن على كلامها
2017 : القنيطرة