نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

تحليل معارضة ابن القيسرانى لأبى تمام

تحليل معارضة ابن القيسرانى لأبى تمام
إبراهيم إبراهيم محمد الوكيل
أولا : التعريف بالشاعرين:
1 - أبو تمام([1]) :

اسمه : حبيب بن أوس الطائي .

كنيته :يكنى بأبي تمام.

مولده: في جاسم قرب دمشق سنة 180 هـ / 796 م.

نشأته :نشأ في دمشق، درس الثقافة العربية وشدا الشعر مُتًكَسِبَاً. تنقل بين الشام ومصر والجزيرة وأرمينيا وأذربيجان والعراق وخراسان، يمدح الخلفاء والأمراء والقادة الكبار. اتصل بالمعتصم وأصبح شاعره ورفيقه له ديوان معظمه في المدح ووصف البطولات. اتخذ لنفسه مذهباً خاصاً يعتمد على الابتكار في المعاني والصور.

شخصيته: أبو تمام رجل الانفعالات الشديدة ، والعنوان الطموح ، والخيال الغني الجبار، والتفكير العميق.


2 - ابن القيسرانى([2]):

اسمه: هو عبدالله بن محمد بن أحمد بن خالد القرشي المخزومي والقيسراني نسبة إلى (قيسران) في ساحل سوريا .

كنيته: ابو محمد فتح الدين .

مولده : ولد فى عكا

نشأته : نشأ وتعلم في بلدة قيسارية على ساحل الشام فنسب إليها

عمله : انتقل إلى دمشق وتولى فيها إدارة الساعات على باب الجامع الأموي ثم تولى في حلب خزانة الكتب .

ما قيل عنه : كان القيسراني وابن منير الطرابلسي شاعري الشام في وقتهما .وشبههما العماد الكاتب في (الخريدة) بالفرزدق وجرير وكان موتهما في نفس السنة. أتقن ابن القيسراني الحساب والهندسة والنجوم والهيئة، كما قرأ الأدب على توفيق بن محمد، وقد أوضح ذلك ابن فضل الله العمري بقوله: «وكان في الهيئة ذا مشاركة لا تخطي في مساحتها إذا قسم، ولا تضيق في صدره ساحتها إذا توسم، وكان في الأدب حيث يرتفع السنام، ويستمع قول الأنام».



ثانيا : مناسبة القصيدتين:


1 – قصيدة أبو تمام([3]):

فتح عمورية حيث فتحها المعتصم في شهر رمضان سنة 223 هـ وسبب ذلك ما ذكره أهل السير أن رجلاً وقف على المعتصم فقال يا أمير المؤمنين كنت بعمورية وجارية أسيرة قد لطمها علج على وجهها فنادت : وامعتصماه ، فقال العلج وما يقدر عليه المعتصم ؟ يجيء على أبلق ينصرك ، وزاد في ضربها . فثار المعتصم وسأل الرجل : في أية جهة عمورية ؟ فقال له الرجل وأشار إلى وجهتها هكذا، فرد المعتصم ووجهه إليها وقال لبيك أيتها الجارية لبيك ، هذا المعتصم بالله أجابك ، ثم تجهز إليها في اثني عشر ألف فارس أبلق ، وتقول المصادر التاريخية إنّ فتح عمورية كان صعباً جداً بسبب منعة حصون المدينة وإحكام الحراسة فيها ، ولكن الحقيقة تقول: إن المعتصم كان ذو قدرةٍ عسكريةٍ كبيرةٍ بحيث استطاع أن يدخلها بعد أن دك أسوارها بالمجانيق فأسر ثلاثين ألفاً وقتل ثلاثين ألفاً ، وأمر بعمورية فهدمت وأحرقت .

هذا وتسوق بعض المصادر تحذير المنجمين الذين طالعهم عليها المعتصم باستحالة دخوله عمورية ويقال:إنّ المنجمين قد حكموا أن المعتصم لا يفتح عمورية وبعثت له الروم برسالةٍ تقول " إنا نجد في كتابنا أنه لا تفتح مدينتنا إلا في وقت إدراك التين والعنب وبيننا وبين ذلك الوقت شهور يمنعك من المقام بها البرد والثلج" فأبى المعتصم أن ينصرف وواكب عليها ففتحها فأبطل ما قالوا.




2 – قصيدة ابن القيسرانى([4]):

بسبب انتصاره على الصليبيين في وقعة حارم وإنب، التي وقعت قرب جسر الحديد الفاصل بين أعمال حلب وأعمال أنطاكية، وفي تلك المعركة قتل ريمون دو بواتيه أمير أنطاكية سنة (544هـ/1149م).



ثالثا : تحليل قصيدة ابن القيسرانى:

نظرا لطول القصيدة سأختار بعض أبياتا منها أعرج عليها بالشرح والتحليل مع توضيح المفردات وأهم النقاط البلاغية فيها ومعارضتها بأبيات أبى تمام، فتعالوا معى إلى هذه الحديقة الغناء، أصحبكم فيها إلى أفيائها الوارفة، نقطف من أزهارها اليانعة، ونرشف من عطرها الفواح.

المعنى الإجمالى للأبيات:



  • هذي العزائم لا ما تدعي القضب وذي المكارم لا ما قالت الكتب

أن العزيمة الحقيقية هي عزيمة نور الدين زنكي وليست عزيمة السيوف وهذا الفتح الذي تحقق على يد نور الدين هو الفتح الحقيقي وليس ما يدعيه المنجمون في كتبهم

  • وهذه الهمم اللاتي متى خطبـــت تعثرت خلفها الأشعــــار والخطب

أن هذه المعركة كشفت همة نور الدين العالية التي تعجز كل الأشعار والخطب وصفها .

  • صافحت يا ابن عماد الدين ذروتها براحة للمســـاعي دونــها تعـب

يبين الشاعر أن عماد الدين وصل إلى قمة النصر بكده وتعبه .

  • يا ساهد الطرف والأجفان هاجعة وثابت القلب والأحشاء تضطرب

يوازن الشاعر بين نور الدين وغيره في الحرب فهو ساهر للتفكير والتخطيط للمعركة وغيره نائم ،وهو شجاع ثابت القلب لكن غيره خائف يرتجف .

  • أغرت سيوفك بالإفرنج راجفــة فؤاد روميــــة الكبرى لــها يجب

لقد أعملت السيوف في الإفرنج حتى اهتزت روما وخافت من بأسك وشدتك .

  • والخيل من تحت قتلاها تخر لها قوائــم خانهن الركــض والخبب

يقول أن خيول العدو غير قادرة على الركض فهي تحمل القتلى مثقلة بهم غير قادرة حتى على الفرار .

  • والنقع فوق صقال البيض منعقد كما استقل دخـــان تحته لــهب

أن غبار المعركة كثيف جداً كالظلام حتى بدت السيوف اللامعة من خلال هذا الغبار كأنها شهب في الظلام .

  • والنبل كالوبل هطّال وليس له سـوى القسيّ وأيد فوقها سحب

يبين أن السهام تسقط على رؤوس الأعداء كالمطر الغزير والقسي وأيدي المحاربين كالسحب الماطرة لهذه السهام .



  • وللظى ظفر حلــو مذاقتــــــه كأنما الضرب فيما بينهم ضرب

يقول أن النصر جميل وحلو مذاقه فالضرب بالسيوف كالعسل .

10- أنباء ملحمة لو أنها ذُكرت فيما مضى نسيت أيامها العرب

يقول إن هذه المعركة كانت عظيمة جداً ،فلو كانت في أيام الجاهلية لنسي الناس كل المعارك وما ذكروا إلا هذه المعركة .

11-من كان يغزو بلاد الشرك مكتسبا من الملوك فنور الدين محتسب

يقول إذا كان بعض الملوك يغزو المشركين لكسب مادي فنور الدين يغزو لوجه الله

12 - أفعالـــه كاسمــه في كل حادثـــة ووجهه نـــائب عن وصفه اللقب

يوضح الشاعر أن لقب نور الدين مؤشر على أن أفعاله للدين فقط وأن وجهه المنير يغني عن وصفه بلقب نور الدين .

13- في كل يوم لفكري من وقائــعه شغل فكـــل مديحي فيه مقتضب

يقول الشاعر لقد أشغلتني حروبه ومعاركه فهي كثيرة جداً مهما مدحته يظل مديحي له مختصراً لا يفيه حقه .

14- من باتت الأسد أسرى في سلاسله هل يأسر الغلب إلا من له الغلب ؟

أن نور الدين هو الذي يأسر الأسود ومن يستطيع ذلك سوى الأقوياء المنتصرين

15- عمت فتوحك بالعدى معاقلها كأن تسليـــم هذا عند ذا جــرب

أنك استوليت على كل معاقل الأعداء وأصبح كل واحد يسلم الآخر كأن به جرب يريد الخلاص منه .










معانى المفردات([5]):



1
القضب
جمع قضيب وهو السيف أو العود التي تؤخذ منه السهام
12
هطّال

شديد النزول
2
الراحة
باطن الكف
13
القسي
جمع قوس
3
الساهد
الساهر
14
الظبى
جمع ظبة وهي حد السيف
4
الطرف
العين
15
الظفر
النصر
5
رومية
روما
16
الضرب
بفتح العين العسل
6
يجب
يضطرب
17
الملحمة
المعركة العظيمة
7
الخبب
نوع من ركض الخيل
18
مقتضب
مختصر
8
النقع
غبار المعركة
19
أيام العرب

وقائعها ومعاركها المشهورة مثل حرب البسوس
9
النبل
السهام
20
الغلْب
الأسد
10
صقال البيض
السيوف المصقولة
21
الغلب
بفتح اللام تعني النصر
11
الوبل
المطر
22





نجد الشاعرمتأثر جدا بما جاء به أبو تمام فى قصيدة هذه بعض نماذج منها:

أبو تمام / السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد اللعب

القيسرانى / هذي العزائم لا ما تدعي القضب وذي المكارم لا ما قالت الكتب

وقوله ..

أبو تمام / والعلم في شهب الارماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب

القيسرانى / والنقع فوق صقال البيض منعقد كما استقل دخـــان تحته لــهب

وفي قوله ..

أبو تمام / فتح الفتوح تعالى أن يحيط به نظم من الشعر أو نثر من الخطب

القيسرانى / وهذه الهمم اللاتي متى خطبـــت تعثرت خلفها الأشعــــار والخطب

وفي قوله ..

أبو تمام / لما رأت أختها بالأمس قد خربت كان الخراب لها أعدى من الجرب

القيسرانى / عمت فتوحك بالعدى معاقلها كأن تسليـــم هذا عند ذا جــرب

نلاحظ في هذه الأبيات الكثير في التشابه بالصور بين القيسراني وأبو تمام مثل..

*أن السيف أصدق من كلام المنجمين.

*أن السيوف والرماح تلمع مثل الشهب .

*أن المدح والقصائد لا توفي الممدوح حقه .

*تشبيه الخراب وأن العدو كل يسلم الآخر يريد الخلاص منه كأن به جرب.

بعض الصور البلاغية :

-في البيت الأول { العزائم والمكارم } جناس ناقص وموازنة .

2-في البيت الثاني {خطبت والخطب } جناس ناقص .

3-في البيت الثالث {راحة وتعب } طباق .

4-في كلمة {راحة } تورية ... بمعنى أن يكون للكلمة معنيان أحدهما قريب وهو ما يتبادر للذهن ويكون غير المراد ..والثاني بعيد وهو ما يريده الشاعر ،فكلمة (راحة ) يتبادر للذهن الارتياح من التعب وذلك لوجود التعب معها والحقيقة أن الشاعر يقصد باطن الكف .

5-في البيت الرابع {ساهد وهاجد } {ثابت وتضطرب } طباق .

6-في البيت الثامن {النبل والوبل } جناس ناقص.

7-في البيت التاسع {الضْرب والضرب } جناس تام .

8-في البيت الحادي عشر {محتسب ومكتسب } طباق وجناس ناقص .

9-في البيت الرابع عشر { غلْب وغلب} جناس ناقص .

من هنا نخلص إلى أن الشاعر قد رصد لنا مرحلة جليلة من مراحل العزة والفخر التى تحسب للمدوح وهو نور الدين الذى أعاد بإنتصاره على الصليبين إلى الأذهان أمجاد العرب والمسلمين ومفاخرها فى أسلوب عزب وألفاظ سهلة قريبة إلى فهم المستمع ولا تحتاج إلى كثير فهم وتعمق فى إدراك معناها وأرجوا أن أكون قد وفقت فيما قمت به فما كان من توفيق فمن الله وما كان من نقص وتقصير فمن نفسى والشيطان، وأدعو الله عز وجل أن يتقبل هذا العمل ويجعله فى ميزان الحسنات يوم أن نلقاه.

إبراهيم إبراهيم محمد الوكيل​







[1] - ياقوت الحموي، معجم الأدباء



[2] - ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار



[3] - ديوان أبو تمام



[4] - ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار



[5] - معجم المعانى الجامع ولسان العرب


 

المرفقات

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى