عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
مهوى الأفئدة
**
في الوقت الذي أطلق الحكم صافرته معلنا عن نهاية المباراة كانت الكرة قد انطلقت تحلق في الفضاء بعد أن قذفها اللاعب بيده المحنكة باتجاه السلة.
التصقت بها أنظار الجمهور والمدربين والحكام واللاعبين، بقلوب وجلة، ران على الملعب صمت ثقيل وكأن على رؤوسهم الطير، لا تكسره سوى الأنفاس الساخنة وضربات القلوب التي تعزف لحنين متقابلين؛ يجمعهما صولفيج الرجاء؛ رجاء فشل الرمية، ورجاء نجاحها. كانت الكرة محلقة تسير وفق إيقاع مرتفع، تطير محلقة فوق الرؤوس، تحكم عليها بالمتابعة. تستغرب، وهي ترى من الأعلى، الجمهور كتلة واحدة موحدة، كيف تفرق بينها الأهواء، وتضارب الرغبات. لأول مرة تشعر الكرة في مسارها بقوتها وجبروتها، تشعر أن لها سلطة القرار؛ قرار النصر والهزيمة، وقرار شد أنفاس المتفرجين بمختلف مشاربهم. الكل في هذه اللحظات العصيبة، صامت ومترقب ينتظر مآل الكرة، أفي السلة أم خارجها؟
ياه! كم رائع أن تكون بيدك سلطة شد العيون، وسلطة القرار.. هي مجرد جلدة منفوخة بالريح، تتقاذفها الأيدي من دون اعتبار ولا احترام، الآن، انقلب الوضع، وصارت لها المكانة العليا، والكل ينظر إليها برغبة، يتابعها عن كثب، غير قادر على أن ينفلت من سحرها الذي سكن القلوب والأفئدة.
في الحهة المقابلة ، كانت سلة أخرى لا كرة في اتجاهها ولا أعين عليها....
كانت تمد فمها نحو الأعلى وتمد شبكتها للأسفل كما يمد الرحم شفتيه، حين الوضع، ليتسع ممكِّنا المولود من الخروج، لكن الكرة والأعين كانت في الاتجاه المعاكس
كانت سلةً مُهمَلةً تتمنى لو كانت سلة مهملات.
بدأت الكرة في الانحدار شيئا فشيئا، وهي تراقب نبضات القلوب، وتقيس مشاعر المتابعين، تبسط حضورها على الأعين المترقبة. بيدها قرار الفرحة والقرحة، بيدها قرار الفوز والهزيمة، لا يهمها إن سقطت في السلة أو خارجها، فكلا الخيارين كفيلان بذرف دموع النصر والاندحار... القرار المصري لكلا الفريقين بيدها هي رغم أن الرمية من اللاعب الماهر الذي يحسن تسديد الكرات، فقد تأتي الرياح بما لا تشتهييه رغبات هذا الطرف أو ذاك.. محلقة بسعادة تعبر الرؤوس، وتستقطب العيون، وتفرض سطوة الصمت المقدس على الكل ومن دون استثناء، لن تحرر الجمهور من قبضتها إلا بعد أن تختار مستقرها، غير عابئة بما يعتمل في الصدور من أهواء متضاربة، ما يهمها أن تجد لنفسها مكانا تختاره هي بنفسها ولا يختار لها، هي غير متحيزة لأي طرف، حتى لرغبة اليد التي قذفتها، فلها حرية المكان الذي تستقر به، تتابع عن كثب تناقضات مشاعر الحضور الذي يبدو عن بعد متجانسا، لكنه، عن قرب، متناقض بشكل صارخ. الإنسان كومة تناقضات، ومشاعره متقلبة، ففي أي لحظة قد يخرج طرف من المتابعين عن حياديته اللحظية إلى سب الكرة أو تقبيلها وقد يصل الأمر إلى السعي إلى حيازتها لبيعها في المزاد مستقبلا بعرضها على أنها من قررت نهاية المقابلة؛ المقابلة المصيرية التي حددت صعود فريق إلى أعلى النجومية، وهبوط فريق إلى الدرك الأسفل من النسيان. تدرك الكرة أنها لم تقم بذلك، وأن هذا اتهام مجاني هي بريئة منه ولن تدفعه عنها، وعلى الكل أن يتحمل مسؤوليته كما كانت تدرك وهي في مسارها أن بيدها الفصل، ولها الحكم النهائي غير القابل للنقض، ولذا، كانت تشعر بنشوة عارمة ما شعرت بها من قبل.
لحظات متعة سعت إلى تطويل أمدها واستنزاف دقائقها وثوانيها، فمثل هذه الأوقات لا يجود بها الزمن إلا نادرا... ستقرر، وبلا رجعة، أن تظل معلقة في السماء كزوجة المنحوس. لن تفصل بين الفريفين. تكفيها النشوة التي أمدتها بقرارها الحاسم.
**
في الوقت الذي أطلق الحكم صافرته معلنا عن نهاية المباراة كانت الكرة قد انطلقت تحلق في الفضاء بعد أن قذفها اللاعب بيده المحنكة باتجاه السلة.
التصقت بها أنظار الجمهور والمدربين والحكام واللاعبين، بقلوب وجلة، ران على الملعب صمت ثقيل وكأن على رؤوسهم الطير، لا تكسره سوى الأنفاس الساخنة وضربات القلوب التي تعزف لحنين متقابلين؛ يجمعهما صولفيج الرجاء؛ رجاء فشل الرمية، ورجاء نجاحها. كانت الكرة محلقة تسير وفق إيقاع مرتفع، تطير محلقة فوق الرؤوس، تحكم عليها بالمتابعة. تستغرب، وهي ترى من الأعلى، الجمهور كتلة واحدة موحدة، كيف تفرق بينها الأهواء، وتضارب الرغبات. لأول مرة تشعر الكرة في مسارها بقوتها وجبروتها، تشعر أن لها سلطة القرار؛ قرار النصر والهزيمة، وقرار شد أنفاس المتفرجين بمختلف مشاربهم. الكل في هذه اللحظات العصيبة، صامت ومترقب ينتظر مآل الكرة، أفي السلة أم خارجها؟
ياه! كم رائع أن تكون بيدك سلطة شد العيون، وسلطة القرار.. هي مجرد جلدة منفوخة بالريح، تتقاذفها الأيدي من دون اعتبار ولا احترام، الآن، انقلب الوضع، وصارت لها المكانة العليا، والكل ينظر إليها برغبة، يتابعها عن كثب، غير قادر على أن ينفلت من سحرها الذي سكن القلوب والأفئدة.
في الحهة المقابلة ، كانت سلة أخرى لا كرة في اتجاهها ولا أعين عليها....
كانت تمد فمها نحو الأعلى وتمد شبكتها للأسفل كما يمد الرحم شفتيه، حين الوضع، ليتسع ممكِّنا المولود من الخروج، لكن الكرة والأعين كانت في الاتجاه المعاكس
كانت سلةً مُهمَلةً تتمنى لو كانت سلة مهملات.
بدأت الكرة في الانحدار شيئا فشيئا، وهي تراقب نبضات القلوب، وتقيس مشاعر المتابعين، تبسط حضورها على الأعين المترقبة. بيدها قرار الفرحة والقرحة، بيدها قرار الفوز والهزيمة، لا يهمها إن سقطت في السلة أو خارجها، فكلا الخيارين كفيلان بذرف دموع النصر والاندحار... القرار المصري لكلا الفريقين بيدها هي رغم أن الرمية من اللاعب الماهر الذي يحسن تسديد الكرات، فقد تأتي الرياح بما لا تشتهييه رغبات هذا الطرف أو ذاك.. محلقة بسعادة تعبر الرؤوس، وتستقطب العيون، وتفرض سطوة الصمت المقدس على الكل ومن دون استثناء، لن تحرر الجمهور من قبضتها إلا بعد أن تختار مستقرها، غير عابئة بما يعتمل في الصدور من أهواء متضاربة، ما يهمها أن تجد لنفسها مكانا تختاره هي بنفسها ولا يختار لها، هي غير متحيزة لأي طرف، حتى لرغبة اليد التي قذفتها، فلها حرية المكان الذي تستقر به، تتابع عن كثب تناقضات مشاعر الحضور الذي يبدو عن بعد متجانسا، لكنه، عن قرب، متناقض بشكل صارخ. الإنسان كومة تناقضات، ومشاعره متقلبة، ففي أي لحظة قد يخرج طرف من المتابعين عن حياديته اللحظية إلى سب الكرة أو تقبيلها وقد يصل الأمر إلى السعي إلى حيازتها لبيعها في المزاد مستقبلا بعرضها على أنها من قررت نهاية المقابلة؛ المقابلة المصيرية التي حددت صعود فريق إلى أعلى النجومية، وهبوط فريق إلى الدرك الأسفل من النسيان. تدرك الكرة أنها لم تقم بذلك، وأن هذا اتهام مجاني هي بريئة منه ولن تدفعه عنها، وعلى الكل أن يتحمل مسؤوليته كما كانت تدرك وهي في مسارها أن بيدها الفصل، ولها الحكم النهائي غير القابل للنقض، ولذا، كانت تشعر بنشوة عارمة ما شعرت بها من قبل.
لحظات متعة سعت إلى تطويل أمدها واستنزاف دقائقها وثوانيها، فمثل هذه الأوقات لا يجود بها الزمن إلا نادرا... ستقرر، وبلا رجعة، أن تظل معلقة في السماء كزوجة المنحوس. لن تفصل بين الفريفين. تكفيها النشوة التي أمدتها بقرارها الحاسم.