نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

هل تستطيع كتابة قصتي؟؟؟

هل تستطيع كتابة قصتي ؟؟

التوفيق علة. قد يكون الأمر غريبا، لأن العلة لا يحب أحد أن تسكنه، لكن التوفيق الذي سأتحدث عنه علة فعلا..حقيقة لا يحيد عنها يقين.
قد نرى بين أيدينا أناسا يرافقهم التوفيق في كل شيء، نرى كيف يصير الحجر ذهبا بين أيديهم، نرى كيف تسعفهم الكلمات في كل نقاش، نرى كيف يشير لهم الناس بألسنتهم وأيديهم " فلان موفق".. لتكن موفقا مثله...التوفيق علة.
هناك وسط إحدى الأحياء الفخمة الهادئة وسط المدينة والتي لا نشك لبرهة أن ساكنيها موفقين.. هناك، يسكن رجل ناجح، في مقتبل العمر، وسيم صحيح، قسماته توحي بأنه إنسان ناجح، كان وسيما في كل شيء.. كلماته المنتقاة بعناية، لباسه ذو الألوان الهادئة مكتبه الأنيق الذي يستقبل فيه ضيوفه وحتى سيارته الباذخة الرياضية، اكتسب كل هذا من أعماله الأدبية الناجحة والتي ترجمت للغات عديدة..
كان ناجحا في كل شيء.. لكن هذا اليوم، واجه حالة أدبية صرفة جعلت منه كاتبا مبتدئا تشتتت من بين يديه المواضيع إلى الأبد.
حل ببيته الفخم ضيف غريب، شاب في عقده الثالث، هندامه البسيط وشكله المبعثر، جعل الخادمة تبقيه في غرفة الانتظار لوقت طويل. فتعليمات السيد تقتضي بعدم طرد أي ضيف مهما قل شأنه، بل يكرم كباقي الضيوف نظرا لمركزه الحساس وأيضا لأنه إنسان ناجح.. ناجح أيضا في هذه الأشياء البسيطة.
دخل الضيف الذي نتحدث عنه الغرفة، جلس وهو غير مبال بجمال المكان ولا للألوان الهادئة التي تسوده، بل بالعكس كان رأسه ويداه ترتجفان قليلا، وكان وجهه شاحبا وشفتاه التي تشبهان شفتي أنثى مزمومتين، كان يجلس مبتسما رغم ذلك ومعانقا لملف به أوراق كثيرة مرتبة.
ولما سألته الخادمة عن إسمه قال : فقط قولي لسيدك إنني كاتب مثله.
فقالت هي الأخرى: ما أحسبني أحتاج إلى مثل هذا الجواب، فكل من يأتي إلى هنا كتاب أو رجال إعلام أو قراء مهتمون.
ابتسم الضيف وابتسمت الخادمة، وأومأت إليه.. كانت لاتزال تنتظر جوابه، لكن لا جواب. نظرت إليه في حيرة ثم ذهبت إلى سيدها لتخبره.
" لا تشدي عليه، مادام يجلس في مكانه ولم يثر أية مشكلة فلا بأس، فهناك أشخاص متحفظون يكرهون الرسميات، فاتركي له مساحة كافية من الحرية وأنا سأعرف منه ما حاجته" قال الكاتب الكبير هذا وابتسم ابتسامة واثق من نفسه وابتسمت الخادمة ابتسامة إعجاب، كان لكل واحد منهما سبب يثير الابتسام، فسيدها كان من هؤلاء الموفقين في كل شيء.
تأخر الكاتب في الخروج إلى ضيفه، وضعفاء الأعصاب قد يشق عليهم الانتظار الطويل، ولكن الخادمة لم تلحظ أي شيء من ذلك في ضيفها الغريب، لا يزال رأسه ويداه في حركة دائمة والابتسامة المزمومة على شفتيه الوديعتين لازالت تطبع محياه.
عادت الخادمة لسيدها: " سيدي إنه يبدو غريبا"
أجابها الكاتب الكبير وكان وكأنه قد نسي ضيفه : " من ؟ "
أجابت الخادمة وبدا أن الغضب قد استولى عليها : " من ؟؟؟.. الرجل الذي في غرفة الانتظار، إنه غريب الاطوار.. أنا خائفة"
أجابها السيد وقد كان مشغولا بمكالمة هاتفية بدا أنها مهمة :" اسمحي لي أن أمضي في مكالمتي، ودعي الضيف الطيب في حاله مادام لا يحاول الازعاج أو الخروج عن أدب الزيارة، قدمي له شيئا ليشربه".
عادت الخادمة أدراجها وقد احمرت أذناها ووجنتاها من شدة التوبيخ، لكن كلامه لم يمح حالة الخوف والارتياب لديها من شكل الضيف الغريب وحركاته الغريبة.
مرت قرابة نصف ساعة أخرى قبل أن يخرج الكاتب المشهور من مكتبه، وقبل أن ينعطف إلى غرفته، أشارت الخادمة إليه ثم إلى غرفة الضيوف. لم يفهم إشارتها حتى همست من بعيد " الضيف لايزال هنا".
استدرك السيد ثم تقدم نحو الضيف بغرفة الضيوف مبتسما:" أهلا بضيفي العزيز، اعذرني لقد كنت مشغولا بمكالمة مهمة، تفضل معي إلى المكتب" قال وقد لمح الملف المكتنز بين يديه.
طلب إليه الجلوس، وجلس وهو ينظر إلى هاتفه ويقول باسما :" أخبرتني الخادمة أنك لم ترد الافصاح عن اسمك، أعتذر فهي تقوم بعملها فحسب.. أخبرني.. كيف يمكنني مساعدتك ؟"
قال الضيف الغريب وكان لايزال مبتسما ومعانقا لملفه المكتنز:
" عندي قصة، وأرى أنك الوحيد الذي يستطيع إخراجها إلى الوجود، أعترف أني لا أملك لا اللغة ولا الاسلوب الذي يمنحني امتياز الكتابة، ولكنها قصة تستحق أن تكتب وأن يقرأها قراؤك المولعين بكتاباتك"
" ذلك يتوقف على نوع القصة، فأنا لا أستطيع كتابة أي موضوع كان، ولا أستطيع بأي حال سرقة قصة أحد وأنسبها إلي".
استدرك الضيف الغريب وقال :
" ليست سرقة، أستطيع أن أكتب لك تعهدا بذلك، أنا أطلب منك ذلك لأني لا أستطيع كتابتها ولكنها قطعا ستنال اهتمامك".
قام السيد بعدما نظر إلى ساعته، وقال متأسفا :
" ماذا لو نؤجل هذا ليوم آخر ؟ فزيارتك أسعدتني ولكنها لسوء الحظ جاءت في يوم أنا فيه مشغول جدا.. دعني أحتفظ بالملف وأنا سأخبرك بماذا أقرر بعد قراءة المخطوطة".
لم يقم الضيف لقيام السيد، لكنه ظل جالسا وبنفس الابتسامة قال :
" ليست هذه مخطوطة القصة، القصة هنا.. غصة.. وأشار إلى حلقه.. تحتاج إلى تحفيزك لتخرج الآن".
نظر السيد إليه طويلا، ثم ابتسم وقال :
" أظنك يا ضيفي العزيز لم تفهم قصدي، فأنا للأسف مشغول هذا اليوم، ولن أستطيع مساعدتك مهما حاولتُ، لندع الأمر لوقت آخر، سيكون بيتي مفتوحا في وجهك متى شئت"
أمر الابتسامة التي تطبع الضيف الغريب هذا والبرودة التي يدير بها الحوار صارت تزعج السيد، أدرك بها سبب انزعاج الخادمة المسكينة.
جلس إلى مكتبه مرة أخرى وشد على قبضته في محاولة لعدم اثارة أعصابه والبقاء قيد اللباقة أكثر وقت ممكن.
" أخبرني عن نفسك، إسمك، سنك وعملك، أي شيء يجعلني أعرف من أخاطب". قال السيد وهو يوجه نظرة فاحصة لضيفه دون أن يثير ارتيابه.
كانت أجوبته سريعة وخاطفة ومباشرة، وكأنه يريد أن يصل إلى أمر آخر، إلى أسئلة تهمه وتهم قصته التي جاء من أجلها.. هل أنت متزوج ؟؟
نظر الضيف إلى الخاتم بأصبعه، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال بالذات. تردد قليلا ثم أجاب :
" كنت متزوجا.. ولكني الآن أنا أيِّم..نظر إلى الساعة في معصمه وتابع.. صرت أيما منذ سبع ساعات تقريبا".
هنا تجلى للكاتب الأمر. شخص غريب يحمل ملفا غاصا بالأوراق، أيم منذ وقت قصير..يبدو وأنه يعاني من صدمة مهولة، جاء يحمل كل هذا ليقتحم يومي ويطلب مني كتابة قصة.. لن تكون غير قصته. قصة محزنة أخرى سأضعها على الرف دون أن تعرف طريقها إلى يدي قرائي..كيف سيفهم كل هذا في حالته هذه؟؟
" آسف لما حدث معك يا ضيفي العزيز، ليتني أستطيع مساعدتك، فأنت تحتاج رعاية نفسية وليس كاتبا فاشلا مثلي"
"بل أنت من أحتاج أيها الكاتب الكبير، لا تنكر أنك كاتب كبير وناجح، وحتى الذين لا يهتمون بالقراءة ولا بالأدب يعرفونك ويعرفون أنك كاتب ناجح ومعروف، ولست أخجل من القول أني واحد منهم"
وبدا وأن السيد بدأ يفقد أعصابه ومرونته وسماحته عندما شعر أنه يخاطب شخصا مخبولا مريضا لمَّا قام وقال بحدة :
" أرجوك ضيفي العزيز، أطلب منك بكل الأدب واللياقة أن تنهي زيارتك الآن، لن أستطيع مساعدتك في كل الأحوال اليوم، أرجوك فوقتي ضيق جدا، أرجوك...أرجوك" وأشار إلى الباب بابتسامة خفيفة.
لكن ما حدث أن الضيف كان لايزال جالسا وكأن كلماته تلك لم يسمعها، بل أضاف إلى كلماته تلك وبكل برودة وبنفس الابتسامة على محياه:
" ما رأيك أني لن أغادر حتى تسمع قصتي وتعدني بكتابتها وتوقع لي على تعهد بذلك ؟؟ "
"ماذا قلت ؟ مالذي يضطرني لكل هذا، أخبرتك أني لن أستطيع مساعدتك ولا أريد سماع قصتك.. أعرف أنك تمر بظرف صعب جدا ولكن هذا لا يشفع لك بأن تحاصرني بطلب مثل هذا.. أرجوك، غادر بيتي حالا.. ولن.."
لم يتم السيد كلامه حتى رأى مسدسا موجها صوب رأسه. وما حدث أن صاحب البيت هذا لم ير في حياته مسدسا حقيقيا، فكيف به يراه الآن وموجها صوب رأسه، وبتلك التكتكة التي أحدثها به الضيف بإبهامه فهم أنه محشو وجاهز كما يرى في الأفلام.
صمت مطبق للحظات، لحظات سريعة من الخوف والارتباك والدهشة فار بها الادرينالين في دمه ثم رأى بعد ذلك أن يتصرف بسرعة وبدون تهور "أنا برفقة مجنون في مكتبي" وطبع المجانين لا يتوقع، وبهدوء وضبط للنفس قدر المستطاع أشار لضيفه بالجلوس وعدم إثارة الفوضى حتى لا تنتبه الخادمة، وجلس بدوره ونظره لا يفارق المسدس المحشو وأخذ نفسا عميقا وقال:
"حسن.. لا داعي لكل هذا، أخبرني ماذا تريده مني بالضبط، فأنت لا تطيق حتما ارتكاب جريمة أخرى" ولم يدر السيد كيف تفوه بهذه الكلمة التي لم يكن لها من داع في موقف مثل هذا، فما كان منه إلا أن رفع يده معتذرا.
" ماذا ؟؟؟؟؟ أتظنني أنا من قتل زوجتي ؟؟." قال الضيف متعجبا ويده ترتجف على الزناد، ثم أضاف " زوجتي ماتت منتحرة.. تسمم بسبب تسرب الغاز، عليك ان تصدقني حتى أقص قصتي بكل صدق"
جلس الضيف وأمر السيد بالجلوس، ثم استغرق في النظر إلى اللامكان، وقال بصوت لطيف " هل تأذن لي أيها الكاتب بأن أسرد قصتي؟ لقد اخترتك من بين عشرات الكتاب الناجحين لأني كنت محتاجا لكاتب ناجح واحد فقط.. كاتب يستطيع أن يجعل من قصتي هذه أيقونة أدبية تزاحم أشهر الكتب والروايات في رفوف المكتبات والمعارض.. هل تأذن لي"
ابتسم ثم قال " أأذن لك ؟ وكأن الأمر لايزال بيدي"
"نعم هو الآن بيدك" ودفع إليه المسدس وتابع " تستطيع أن تأمرني بالمغادرة الآن.. ربما تضطر لأن تطلق رصاصة أو رصاصتين أو تستدعي الشرطة لذلك، أو ربما لن تحتاج إلا لبضع دقائق حتى تسمع قصتي باختصار ثم أنصرف بهدوء.. لك أن تختار.. لكن قبل ذلك عليك أن تعلم أني لن أتحرك من مكاني حتى تسمع قصتي".
نظر السيد إلى المسدس أمامه ولكنه لم يسحبه من فوره، وانتظر قليلا ثم تناوله بعناية ووضعه بجانبه بعيدا عن ضيفه الثقيل الفريد. كان لابد له من أخذ القرار الصائب للخروج من هذه الورطة التي لم يكن يحسب لها حسابا.. فالسيد الموفق في كل شيء ليس موفقا في استعمال السلاح، وليس موفقا في المواقف العنيفة، والتي نادرا ما يقع فيها الموفقون.. وأمام هذه المواقف ليس أمامه إلا محاولة إخفاء خوفه، أن يبدو مسيطرا قدر الإمكان.
" حسن.. لن أفكر طويلا.. سأسمع قصتك ولكن أرجوك وأنا أقصد ما أقول، ليس لي وقت كاف جدا للاستماع إلى التفاصيل"
" توقعت هذا أيها الكاتب الكبير..أنت كبير في كل شيء كما يقولون.. حفِّزني إذن للكلام.. فكما أخبرتك من قبل، فالقصة هنا في حلقي، غصة لا أملك أن أتخلص منها"
نظر السيد قليلا وهو يدق سطح المكتب بقلمه ثم قال " كيف عرفت أن زوجتك انتحرت ؟ قد يكون الأمر مجرد حادث.."
" أحسنت.. سؤال وجيه يختصر كل الأسئلة القادمة " وكان جالسا ثم قام يتحرك عرض المكتب ذهابا وجيئة.
" لقد تزوجنا منذ ثلاث سنوات، وإن كنت تسأل عن زواجنا هذا إن كان زواجا عن حب سابق أم زواجا تقليديا كما تسمونه أنتم الموفقين.. سأجيبك أنه زواج عن حب، حب كبير، وأستطيع القول أننا كنا سعيدين، ولم يكن هناك شيء يسرق تفكيري بها كما لم يكن هناك شيء يسرق تفكيرها بي في.. بادئ الأمر. ما حدث أن طبيعة عملي كانت تقتضي مني السفر لوقت طويل، لكن السنة الماضية اضطررت لتركها مدة طويلة جدا، تعرفت خلالها على شخص آخر وأحبته.. صدقني أنا لا أوجه لها اللوم في ذلك، لأنني لم إطق فراقها طوال هذه المدة، وكنت مشغولا بعملي لكنها لم يكن لديها ما يشغلها.. أتظن أن هذا سببا كاف ليحدث معها ما حدث ؟"
" قد لا يكون كافيا بالنسبة لك، لكنه كاف بالنسبة لها، فالانسان متقلب المزاج وكذلك الفكر والخلق"
" لا.. لم تكن متقلبة الخلق أبدا، ولذلك لم ألمها.. كانت جميلة جدا" وأخرج صورة لها من جيبه الخلفي وأراها إياه وتابع .. جميلة أليس كذلك؟.. إنها أجمل امرأة في هذا الوجود، ألا ترى ذلك ؟"
" نعم هي كذلك" وهز كتفه إشفاقا " آسف لما حدث معها، لربما لم أقدِّر هول مصيبتك يا ضيفي العزيز".
" لم تستطع السيطرة على أعصابها ومشاعرها، فقد كان شخصا وسيما وثريا بعكسي تماما، لكنه كان وغدا أنانيا ومحتالا لا يتورع في الوصول لهدفه كيفما كان، وقد فعل. أحبته بكل صدق ولكنه لم يكن يبادلها أيا من ذلك فهي لم تكن بالنسبة إليه أكثر من رقم عبر سلسلة طويلة طمن ضحاياه، ثم تركها تفهم ذلك لوحدها فيما بعد. لقد اجتاحها في كل شيء منها ولم يترك لي منها شيئا إلا الدمار"
ربما تتساءل كيف عرفت كل هذا .. فأومأ السيد برأسه وقد بدا وأنه انسجم مع القصة وبدأت تأخذ بعض اهتمامه.
" نحن متزوجان منذ ثلاثة أعوام، أعرف زوجتي جيدا، فلم أكن احتاج ذكاء حتى أعرف أنها ضحية وغد استغل غيابي طوال تلك المدة، ولا بما علي فعله، وبطريقة ما عرفت من يكون وأين يقطن وعرفت أيضا أنه شخص ثري مرغوب وله معجبات كثر يكاد لا يستطيع عدهن، ولكن لماذا زوجتي؟؟.
المسكينة كانت تشعر أنني أعرف شيئا عن أمرها فيزيدها ذلك موتا على موت، كنت أعلم أنها تحاول جاهدة التصرف، الاعتراف ربما أو مغادرة حياتي إلى الأبد. ولا أنكر أيها الكاتب الكبير أنني كنت أستمتع بذلك أحيانا.. أستمتع برؤيتها تتعذب وتتآكل أمامي، ولكني لم أكن أستطيع التصرف، لم أستطع التقدم أو التأخر فالمسكينة لم يكن لها من أقارب غيري.
أول أمس لم أعد أحتمل، فقررت أن أتصرف، أن أذهب إليه بنفسي، وكانت هي تشعر بأن شيئا يحدث معي .. شيئا أريد أن أقوم به يخصها ويخص ما تود إخباري به لكنها تعجز. لكن حقيقة ما أود القيام به كان يحتاج قوة وبأسا من شخص هزأة مثلي.. فقد قضيت اليوم بكامله وأنا أحوم حول مكان إقامته دون أن أتجرأ على الذهاب إليه. والبارحة وأنا أحوم مرة أخرى حول بيته حيث يقف الحراس قررت أن أتصل به أولا حتى أعرف إن كان موجودا فأجابتني الخادمة، لقد كان هناك، لكنني وبمجرد أن تسلم السماعة أنهيت المكالمة وأقفلت الخط.. وعدت أدراجي.. وفي الحقيقة لم أعد أريد رؤية زوجتي ولا أن أسمع صوتها.. دخلت البيت ولم أحيها حتى، ولم أنظر إلى وجهها، ولم أبالي بمحاولتها بتلك المقابلة الدافئة. دخلت مستسلما لنوم عميق لأنهي يومي الشديد، فنمت في شرفة البيت على برودة الليل الشديدة وبرودة نفسي المنهكة بعدما أغلقت الباب علي.
لكني اليوم استيقظت على رائحة الغاز المتسللة عبر الفتحات، ولم أحتج إلا للحظة لأجد زوجتي في الحمام جثة هامدة، كانت بكامل لباسها وتأنقها، لم تكن تأخذ حماما، كانت فقط تغادرني وتغادر الجميع إلى الأبد، كنت على يقين أنها وهي تموت كانت تسأل الله أن تقابلني هناك بحال أحسن حيث لا خيانة ولا غدر ولا أوغاد كهذا المحتال "
" توقف.. وكأنك تريد أن تخبرني بأنك اليوم قد أقدمت على القيام بجريمة قبل القدوم إلي ؟؟؟ " قال الكاتب وهو ينظر إلى المسدس ثم تناوله بخفة بيد مرتعدة وهو ينظر إلى ضيفه نظرة حادة مترقبة مستعدة.
لكن ضيفه الثقيل توجه صوبه هذه المرة واستند بيديه إلى المكتب بعدما ألقى الملف أمامه.. لم يكن بالملف أكثر من أوراق بيضاء، كانت جاهزة للاستعمال..وقال بعينين متعبتين مثقلتين بالكلام وبابتسامة هادئة.
" اليوم، لم أطف بالحي ولم أعد أدراجي..اليوم أوتيت الشجاعة والجرأة لأدخل منزله..ولأقف أمامه الآن في مكتبه أيها السيد العظيم.. فهل تستطيع كتابة قصتي؟؟".
غادر الضيف المكتب بهدوء، غادره وكان قد غادره شعوره ذاك بالضعف والفتور.. غادره صحيحا وترك فيه رجلا موفقا مريضا.. غادره وترك هناك قصة تحتاج لكاتب.. قصة وأوراقا بيضاء ومسدسا محشوا.
 

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
قصة قصيرة جميلة
تعتمد عنصر الحكائية الذي يشد المتلقي متشوقا إلى النهاية ..
تذكرني القصة هنا بمنهج التشبث بالحكاية في قصص موباسان المشوقة ..
لي ملاحظتان .. حبذا لو تم التخلي عن المقدمة الشارحة .. فالقصة تبدأ من هذه الجملة:" هناك وسط إحدى الأحياء الفخمة الهادئة"..
يحتاج النص إلى مراجعة لغوية لتصحيح بعض الهنات المتسرعة ...
والتحية الوارفة لك أخي عبدالغني
 
قصة قصيرة جميلة
تعتمد عنصر الحكائية الذي يشد المتلقي متشوقا إلى النهاية ..
تذكرني القصة هنا بمنهج التشبث بالحكاية في قصص موباسان المشوقة ..
لي ملاحظتان .. حبذا لو تم التخلي عن المقدمة الشارحة .. فالقصة تبدأ من هذه الجملة:" هناك وسط إحدى الأحياء الفخمة الهادئة"..
يحتاج النص إلى مراجعة لغوية لتصحيح بعض الهنات المتسرعة ...
والتحية الوارفة لك أخي عبدالغني
وتحية وارفة لك أيضا أستاذي الفاضل محمد
سعيد لمرورك ولملاحظاتك
راجعت النص قبل ادراجه ولكن لابد لي من بعض الفلتات، وكثيرا من الأحيان اجدها مسيئة.
موباسان مدرسة مستقلة في القص القصير، وأحلم لو أستطيع ان أكتب يوما جوهرة مثل جواهره.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى