نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

حين لا تعكس المرآة شيئا..

*بئر المرآة*
قضت حياتها
أمام مرآة كبيرة
تحملق فيها و تستمتع
حتى غرق حسن محياها
في بئر المرآة...

انطون بوتجيج​

كمـا يحيا الغصن مقطوعا عن الجذور !؟ تمر به لحظات عصيبة يتصور فيها ما يتصور، يغفو في الظل، ويطوف على أجنحة الأحلام، يرى ما لا يبصره غيره، ويواصل نهاره بليله، يبصرخيوط أشعة شمس الصباح تنتشر في بيتـه عبر زجاج النافذة، ولكن الصباح لا ينـبؤ بميلاد شيء جديـد، قصـد المغسلـة، صب المـاء على أطرافه ورأسه، شبـح الأحلام المزعجـة تسكنه باستمرار ولا تتوقف؛ إلا حين تنهـال عليه الأسئلـة من دواخله، فاهدأ لعلك تصفو كي تجد من يفسرها لك، وتعرف على الأقل من أين تجيء، أخانتك بصيرتك الفذة، واشتط بك الوهم ؟! فالأحلام هي الأحلام.
أنت لم تجرب أن تقطع كالوردة؟ أوأن تسقط كالطائر، لكن كثرة التوقف و الأسئلة تزعجه أيضا، لما تراوده وهو في اليقظة، حيث دواخله تصير محمومة حتى الهذيان...لقد مضت الليلة مرهقة، مقرفة و حزينة.. وها هو يحاول أن لا يبقى في الحلم سجينا، لكن الأرض الطيبة لا تزال تدور ومعها رأسه، والدوار مرة أخرى، حيث حلمه بالأشـجار وقـد كسيت جميعها بزهور سوداء اللون !
الأسود هو الأسود، إنه مفترس، ألم على ذاته، وانكمش كقنفذ، وهو يـغرق في الأشياء التي تتناسل من مخيلته، قريته تناديه، الطير، العصافير، الغدران، الأطفال، العشب، العنب ولـون الأشجار...
فهل يأتي وقت لتعود به الأشياء للأشياء؟ مثل الزهرة للغصن؟ والماء للنهر؟ والدنيا تدور في رأسه، تحسس المنشفة المنزوية جانبا، تلمسها وهويفرك عينيه بالصابون، تـأمـل بعدها المرآة، لكنها لم تعكس شيئا، أولم ترد أن تعكس أي شيء على الإطلاق بعد الآن...
وسرعان ما بدا له وجه غير الذي يعرف، هذا ليس وجهي؟! كاد عقله يزيغ، يـطير،كاد أن يتشتت مثل صورته...صورة وجهه التي يحملها ويعتقد فيها، صاح،كرر الصياح، لكن لم يسمع صدى لصوته، عاد لوجهه تحسسه بكفي يديه، أحس حجمه نظر لكفيه وجدهما مملوءتين بالدم، دم يميل للسواد، مـثل الورود التي رآهـا في الحلم؛ تحسس وجهـه مـرات ومرات، حتى تضاءل أو لم يعد موجـودا، الجسد بلا رأس، ليس شيئا ولكن حين لا تعكس المرآة شيئا؟! كرر الصياح، لم يؤمن بأنه لا شيء ، تساءل:ـ أتستحيل المغسلة مقصلة؟ و جـ.....هـ.....؟؟ هو الذي يصر على أنه شئ....
هوى على الأريكة كالجذع المنخور، أحس بخدر يتوغل حتى العـظم، ما جـدوى أن أحرق أعـصابي؟ شعر بأنه لم يصـرخ ...:و تساءل:ـ لم لم أفعل؟ أأكـون قـد قاومـت؟ وقـاتـلـت؟ وصلـت وجلـت؟ وهأنـذا جسـد مشلـول، أواه! روحـي يبسـت فلأشـرب، وأنام، فمـا عـدت قادراعلى شـيء، حتى الحلم صار قاسـيا!ومع ذلك عـاد لينـدس نفسـه في الفـراش، وهـولا ينتظرأي صباح، أيصبح على خير؟ !
الرأس الآخـر بجـواره لا يـزال مستغرقا في الـنوم العـذب فـوق الوسادة؛ الـوجه مسـتسلـم مهزوم في الضوء الباهت المنساب من الصالة إلى الداخل، المصباح الصغير مـضاء منـذ أن ساد السكون ليلة أمس، كما يسود دوما، أياما عديدة، أسابيع، سـنوات حزينة، فالبيت بلا أولاد، والزوجة صماء. وها هوالصباح مرة أخرى، يملأ الخارج، وشرائط من نوره تملأ الغرفة. بدأت تنساب من الشارع ضـوضاء خافتة، تنهد بعـمـق على شفتيه مـرت ابتسامة صغيرة بلهاء، رآها تتقلب، تنهض، تستند إلى نافـذة الشرفة، اندفعت، أطلت، نظرت صوب الحديقة، فتحت باب الشرفة عن آخره، الهواء عبق،قميص النوم شبه عار،حسناء كعادتها،أماء لها،لاذا لا تمشطين شعرك؟ تـثاءبت، واستدارت لتعـود، جلـست إلى المـرآة تمشط شعرها ببطء، والمرآة تعكس كل الأشياء التي تقف أمامها، أما هو فقد عـاد مـن جديد إلى زيغه، قبل الزواج تهيأ لها بأن هذا الإختيارعربدة جنون، وبـأنه وقح، معتوه، حنون، عطوف، وأبله...غرقت في أفكارها وهي تمشط من أعلى إلى أسفل، نهض من جديد، قصد المطبخ ثم عـاد، وكأنه، ما زال قادرا على المكابرة، وهـو يـمد لها كـأس ليمون بيد، وبيده الأخرى جرع جرعة فأحسها تنسـل إلى قلبـه، غـامضة كالسر ودافئة كعناق امرأته الحسناء عانقها يحاول أن يكشف لها عن...، يقدم رجلا ويؤخر أخرى نحو المرآة.
ــ تزنيت/ المملكة المغربية
23/06/99
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى