نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

المسوخ

وقف (عينون) مزهوا بنفسه ليتلو المرسوم الأول الذي كلّفه به حاكم بلاد "الطيلسون الغربية"، اعتدل قصير القامة وأخذ نفسا عميقا قبل أن يُخرج من فمه كلمات ممطوطة مضغوطة:

ـ المرسوم رقم واحد: الاستيقاظ مع الفجر والتوجه فورا نحو المزارع والمعامل بينما الانتهاء من العمل والعودة مع غروب الشمس، وعاش حاكم الطيلسون المفدّى رمز العزة والقوة.

وردد المنادي الأمر في الأزقة والدروب، بينما عقّب العوام بأنه قرار تاريخي من الحاكم لمحاربة الكسل والخمول وتحقيق المردودية الاقتصادية الكبرى، ولم يُسمع أي اعتراض من ناس الطيلسون ولو بشكل هامس.

مرت الأسابيع رتيبة قبل أن يعود (عينون) لمنصة تلاوة الأوامر العلوية مع مرسوم جديد، وتنحنح الرجل وأخذ نفسا عميقا كأنه غواص سيغوص في عمق البحر ثم تلا بحزم:

ـ المرسوم رقم اثنان: رعايا مولانا سيتوجهون لأعمالهم ليس بمشية عادية كمشية باقي أهالي الأصقاع الأخرى، بل قفزا بالقدمين الاثنتين وفي نفس الآن، ودامت العزة لحاكمنا الذي يرفّـــه عنا.

وانطلق المنادي يردد المرسوم الجديد، بينما رددت ألسن الدهماء بأن المشي عنوان التكبر وأن القفز مؤشر الحداثة والرقي، وسُمعت هذه المرة همهمات واهنة تزعم أن هذه البدعة الجديدة مجرد هراء وهرطقة ولفت أنظار عن قادم مخيف لا يعلم مداه ومقدار شروره إلا العليم.

ولم تمرّ إلا أسابيع حتى عاد (عينون) لمنصة المراسيم ليُعلن الجديد، وملأ الرجل صدره بشهيق كأنما ستنفجر معه أحشاؤه إن أضاف ثانية زمنية دون إفراغ ما بجوفه من كلمات تعتمل داخل قفصه الصدري:

ـ المرسوم رقم ثلاثة: وجب القيام بحركات بهلوانية في كل مقرات العمل في الحقول وفي المصانع وفي الدكاكين.. ودام مولانا رمزا للرياضة والرياضيين.

وانطلق المنادي بالأمر المستعجل ينتقل من زقاق لآخر ومن حارة لأخرى، بينما ردد العوام بأن الرياضة تطهر النفوس من الأحقاد وتعلم التسامح، لكن همهمات محتشمة كانت تقول إن البهرجة زادت عن حدها، لكن لا أحد تجرأ على إسماع صوته في العلن.

مرت أسابيع من الملل قبل أن يعود (عينون) لعادته المألوفة، وصعد الرجل المنصة على عجل نافشا ريشه ـ عفوا بدلته المزركشة ـ وأخذ نفسا يكاد ينفجر معه وجهه ويتحول لشظايا:

ـ المرسوم رقم أربعة: يتوجب على كل عامل أن يُعلّم أصول حرفته أو مهنته لقرد من فصيلة "الشيمبانزي" وذلك للرفع من المردودية، وسيكون هذا الكائن مؤنسه ورفيقه وفي ضيافته، وعاش حاكمنا المناصر للمردودية وللحيوان.

وانطلق المنادي بالأمر الجديد، وتعالت هتافات الدهماء بأنه الانفتاح على عالم الحيوانات الجميل. كان المغيبون والمرعوبون الذين أخرست أزمنة الخوف ألسنتهم يشكلون الأغلبية التي لا يُعرف لها موقف، بينما رددت أصوات هامسة حائرة:


ـ مرحبا بنا في عالم القردة والخنازير، لقد ارتقينا أخيرا لنعيش عالم المسوخ الذي انفتح على مصراعيه.
 
لك كل التقدير والاحترام أخي المحترم، لقد جربت لغة جديدة في التعامل مع الواقع، وهو أسلوب السخرية للتخفيف من حدة مرارة ما هو معيش من أحداث ووقائع ما عاد استنساخها يجدي بالنسبة للمتلقي، وربما يزيد من مرارة الإحساس بالواقع ووطأته
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى