نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

من الذي حرّك قطعة الجبن الخاصة بالعالم؟!

هذا العنوان مستوحى من قصة للكاتب (سبنسر جونسون) بعنوان: (من الذي حرك قطعة الجبن الخاصة بي؟)، وحين أنتهي من هذه السطور ستتضح العلاقة بين الوقائع الحاضرة الماثلة بين أيدينا وأحداث القصة المتَحدّث عنها، وشخصياتها أربعة: فأران (سنيف) و(سكوري) وقزمان ـ في حجم الفأرين وبتفكير وسلوك بشري ـ هما: (هيم) و(هاو)، الأربعة يعيشون في متاهة، فلنتصور هذه المتاهة هي عالمنا الذي نتحرك داخله، وأن الأربعة هم المليارات من ساكنة هذه الأرض. في هذه المتاهة يعيش الفأران والقزمان على جبن عثروا عليه في مكان اسمه (محطة) يتوجه الفأران نحوها كل صباح ليملأ كل منهما بطنه قبل العودة لمكانه في المتاهة وفردتا حذاء العدو تبقى معلقة على عنق الفأرين استعدادا لليوم التالي، لكن (هيم) و(هاو) أقاما سكنا بجانب محطة الجبن واعتبرا الجبن شيئا مسلّما بوجوده هنا دائما وأبدا حتى لم يكلفا نفسيهما السؤال المنطقي: (من يضع الجبن هنا؟)، لكن الجبن بدأ يتناقص إلى أن نفذ تماما، الفأران قررا على الفور الانطلاق في المتاهة بحثا عن جبن جديد في محطة جديدة، لكن القزمين اعتبرا أن قطعة الجبن تحركت، وأصيبا بالإحباط والغضب، وبعد تردد غادر (هاو) المكان تاركا صديقه (هيم) الذي شعر فيه بالراحة واعتبره مألوفا ، فهو مما يعرفه، بينما الأماكن الأخرى محفوفة بالمخاطر، ثم إنه يخاف أن يتيه ويضل الطريق، وأن الجبن لاشك سيظهر هنا من جديد إن عاجلا أو آجلا، انطلق (هاو) في المتاهة بتردد في الأول وبارتباك وضعف وإرهاق، ولم يكن الأمر بالسوء المتوقع رغم أنه عثر على قطع جبن متناثرة قليلة وغير كافية كادت تجعله يصاب بالإحباط في أول الأمر، وفي منتصف الطريق عاد إلى صديقه ببعض الجبن ليشجعه على ترك المحطة القديمة والانطلاق في المتاهة الكبيرة، لكن (هيم) رفض العرض قائلا: (لا أعتقد أنني سأستمتع بالجبن الجديد، فأنا لست معتادا عليه) وعاد (هاو) بمفرده وقد تخلص من مخاوفه تماما شاعرا بالسعادة والحرية والرشاقة، حينئذ فقط استعاد صفاءه الذهني ليتذكر أن الجبن كان يتناقص تدريجيا ويتغير لونه مما يدل على أنه كان سيفسد أو ينفذ، ثم عثر على محطة جبن كبيرة شهية من أصناف لم يسبق أن عرفها وإلى جانبها عثر على صديقيه: (سنيف) و(سكوري)، لقد سخر (هاو) من تردده ومخاوفه وأدرك أنه من الأسلم أن تبحث في المتاهة من أن تبقى بلا جبن، وهنا صاح (هاو): (مرحبا بالتغيير). لقد أصبح يتفقد الجبن كل يوم من حيث كميته ومذاقه حتى يكون مستعدا دائما للتغيير، فمن الأسلم له دائما ان يبقى ملما بالواقع من حوله بدل أن ينعزل في صومعته المريحة، بينما الصراخ والشكوى والتبرم سيكون وخيم العواقب.

ما أشبه كثيرا من الناس في واقعنا البشري بـ (هيم) من الشاكين المتبرمين الذين ألفوا أن يكون "جبنهم" حاضرا باستمرار إلى جانب بيوتهم يتناولون منه بنهم ثم ينكمشون في اطمئنان دون أن يسائلوا ذواتهم إن كان حجمه أو ذوقه يتغير أو يثبت، وبمجرد تغير مفاجئ يملأوا الدنيا صخبا وضجيجا وبكاء وتبرما غير قادين على التأقلم والتكيف والتغيير ونهايتهم الهلاك والموت، وما أقل من هم مثل (هاو) من الذين يقبلون الانطلاق في المتاهات المظلمة المخيفة المرعبة برشاقة وجرأة لا يرتبطون بمتغيرات ولا يألفوا وقائع وأمكنة وجبنا بمذاق معتاد. ولا ننسى الإشادة بالفأرين اللذين يمثلان عموم الحيوان الذي يتصرف على السجية والفطرة والغريزة ولا يفلسف الأمور ولا يبالغ في المناقشات البيزنطية العبثية. ونسيت أن أقول لكم أن الجبن الذي تحرك فجأة هو عالمنا الذي زلزله تسونامي (كورونا) الذي أفرز لنا متغيرات جعلت منا إما (هيم) أو (هاو)، فماذا تظن نفسك يا رفيقي: أتكون الأول أو الثاني، أما عن نفسي فما زلت أدرس الوضعية بمزيد من التمحيص والهدوء، خاصة بعد أن طرحت السؤال أعلاه: من حرّك قطعة الجبن الخاصة بالعالم؟!
 

جبران الشداني

المؤسس
طاقم الإدارة
قطعة الجبن الخاصة بالعالم عزيزي المصطفى، تحركت بالفعل، و كانوا يتوقعون أن تبقى في مكانها إلى الأبد.
رغم التحذيرات التي أطلقها بعض أولي الألباب، ظلوا يتوقعون أن الجبن يبقى في مكانه إلى الأبد.
الناس كانوا يستعدون لحروب التتار و المجرات و المعضلات الاقتصادية الكونية.. لكنهم لم يتوقعوا أن فيروسا متناهي الصغر سيقلب كل شيء..
كل الود
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى