نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

كابوس مزعج

هبّ (رحال) من نومه فزعا مرتعبا كأنما لدغته أفعى، وتوجه نحو أمه الخبيرة بتأويل الأحلام، لقد تعود أن يسرد عليها تفاصيل ما يراه من كوابيس أو رؤى، وبعد أن ألقى عليها تحية الصباح سحبها برفق من يدها قائلا:

ـ أريد منك أن تفسري لي رؤيا أو حلما رأيته البارحة كما أراك الآن يا أمي، وما زالت أحداثه حية في مخيلتي..!

ـ انتظر يا ولدي حتى تغسل وجهك وتتناول إفطارك ثم أَسمعُ منك.

ـ لا أستطيع الانتظار يا أمي..! اسمعي مني الآن أرجوك!

ـ تفضل يا ولدي! قالتها الأم مسلمة أمرَها لله.

ـ رأيت البارحة فيما يرى النائم أن عالمنا أصابته جائحة كانت تقتل كل يوم المئات وربما الآلاف، شيء يشبه الطاعون الأسود، والناس يضعون الكمامات على وجوههم، أقصد القلة منهم الذين يُسمح لهم بالخروج للعمل أو التبضع..

ـ ولكن يا ولدي هذه هي (ويقاطعها ابنها)

ـ انتظري يا أمي مِن فضلك حتى أنتهي من إكمال هذا الحلم أو الرؤيا ثم فسري بعدها كما تشائين!

وتضع الأم يدها على فمها متعجبة متكومة على نفسها ويواصل رحال ما كان بدأه:

ـ لقد كان المسؤولون يمرون بين الأزقة يرشون الماء المعقم على الجدران والشوارع وعلى الأرصفة بينما تُسمع صافرات سيارات الإسعاف والشرطة والفزع والذعر في كل مكان في العالم..

ـ يا ولدي.. هذه هي الحقيقة!

ـ انتظري يا أمي..! فقد هلكَ الكثيرون واختفت مظاهر الحياة من الشوارع وتناقصت السلع ووُزعت المعونات على ملايين الجياع والفقراء..

ـ يا ولدي إن ما تحكيه هو الواقع الذي نعيشه!

ـ كيف يا أمي ومتى وقع هذا وأين المعونات التي يُفترض أن ننعم بها؟!

ـ كم الساعة الآن يا ولدي؟!

تطلع الشاب إلى عقارب الساعة وقال:

ـ إنه منتصف النهار يا أمي! لقد تأخرت في نومي كالمعتاد، ولكنك تعودت مني الاستيقاظ المتأخر وهذا منذ حصولي على شهادتي الجامعية العليا حيث إنني ما زلت عاطلا والأسابيع والشهور تتوالى.

ـ إن ما تحكيه في حلمك يا ولدي هو الواقع الذي نرزح تحته منذ أسابيع خلت، وإن تأخرك في النوم الذي أصبح سباتا كالموت هو الذي أتلف دماغك.

ـ آه يا أمي..! كأني لهول هذا الواقع ظننت نفسي أعيش حلما، ليته كان كابوسا!

ـ سيلطف الله بنا يا ولدي فلا تخش على حياتك ولا على حياتي!

ـ الكابوس يا أمي هو البطالة المتمددة التي تلتهم حياتي، إنها شر من الطاعون.

ـ قم يا ولدي لتناول إفطارك، واترك عنك تلك القصص والروايات التي تسهر معها لوقت متأخر من الليل، ستفسد عليك عقلك وتجعلك لا تميز بين الحلم واليقظة!

ـ لولا الخيال والقراءة والشعر لمتّ كمدا يا أماه من هذه الطواعين!!

ـ سيزول شبح هذا الوباء ويتعافى الناس منه بقدرة الرحمن الرحيم.

ـ أقصد طواعين الفساد والظلم والجور يا أمي.

ـ هيا يا ولدي اذهب واغسل وجهك من آثار النعاس واغسل دماغك من الأفكار السوداء!

وما هي إلا دقائق حتى انسل الشاب (رحال) نحو موقف الحافلات متأبطا ملفه الشخصي باحثا عن وظيفة أو عمل يغير به واقعه الأليم، سيبحث عن عمل في وقت يفر الناس من أعمالهم، سيبحث عن عمل حتى ولو كان آخر شيء يفعله في حياته هو الخروج من البطالة القسرية التي أصبحت بمشيئة القدير العليم قدر الملايين اليوم، بينما وهو في الشارع كانت مشاهد تتجسد أمام عينيه مما كان يحكيه لأمه ينتظر منها تأويلها باعتبارها خبيرة في تأويل وعبور الرؤيا والأحلام وكل الكوابيس المزعجة.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى