نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

مسافة لمحمد آيت علو: احتضار حياة...!

اكتملَ قُرصُ القمرِ فوقَ عشة الفراخِ في الخارج وأرسل شعاعاً، غسلَ وجهها الصَّغيرَ، دارت بيديها حولها تبحثُ عن عروستها، تحسَّسَت معالمها وابتسمَتْ عندما استقَرَّت أصبعَها النحيلةَ في االثقب مكانَ العينِ، حملتها وقامت في هدوءٍ تعبر الأجسادَ النَّائِمةَ في أرضِ الغُرفَةِ الضيِّقَةِ...ما الشيء الَّذِي يجمعهُم في هذا المكانِ؟

وحدهُ السَّقفُ الَّذي يُظَلِّلهُم هنا، وربما مكثَ أحدهم في الغرفةِ لأنه محمومٌ، أو تظل واحدة منهم بطنُها منتفخٌ تتلَوَّى عدةَ ليالٍ تنتظرُ أن تلفظَ ساكناً جديداً يصرخُ والكُلُّ نيام...لن يتفَقَّدَها أَحَدٌ، الصغارُ كثيرونَ، والتُّرابُ الذي طمسَ معالمَ الوجوهِ يجعلُ اختلافَ طُولِ القامةِ وحدهُ السَّبيل لمعرفةِ الولدِ من البنت، تعرفُ أنَّ اسمَها حياة، وتلعنُ الحياة... وسطَ المقبرَةِ، يرقدُ أيضاً هيْكَلُ العربَةِ الخربَة، الَّذي يتَلاشَى تدريجياً بين أكوامِ القُمامَةِ، سمعتْ أصواتاً صاخبة تأتي من داخلِ الهيكل، فاعتَلَتْ فراغَ حديدِ النَّافِذَةِ، وجلَسَتْ تهزُّ ساقيها إلى الدَّاخِلِ، لم يرفَعْ أَحَدٌ عينَيْهِ إليها، مسَحَتْ بيدِها على وَجْهِ العَروسَةِ، وزرَعَتْ أُصْبعَها مكانَ ثقب عينيها... وبدأتْ تتأمَّلُها بفرح وأمل، تحضنُها بقُوَّةٍ وحَنان، تمشطُ شَعْرَها بأظافرها المتَّسِخَة، تلبسُها جورَباً كانتْ تدَّخِرهُ، تضحك ملء عينيها، مليئة بالسَّعادةِ...العروسةُ الَّتي كانت قد التقطَتْها خلالَ جولتِها في المقُبرَةِ، كانت مُلقاةً على ظهْرِها، تنظرُ إليها بعين واحدة، لكن الضَّجيجَ واللَّغَطَ يترافَعُ، فقَفَزَتْ منَ الشُّباكِ لتجدَ نفسَها في الطَّريقِ...، احتضَنَتْ عروسَتَها وتسلَّلَتْ بجوارِ الحائطِ حتى لا يراها الحارسُ، لكنها فوجئت بجسَدِه الضَّخْمِ وراءَها، سألها عن وِجْهَتِها، فَفَرَّتْ هاربة، فلاحقَها بسيل مِنَ اللَّعَناتِ وإلى كُلِّ الَّذينَ أنجبُوا أَمْثَالها، عَبرتْ محطةَ القِطارِ، هُناكَ الأرضُ المهْجُورَةُ الَّتي تَزْحَفُ إليها الكِلابُ الضالَّةُ، وتمْكُثُ ررابضة بلا طعامٍ في هُدوءٍ حتى تمرض وتجهلَ أو يأتيها الموْتُ...
 
رؤية انطباعية في: (احتضار حياة) للقاص المغربي: (محمد آيت علو) بقلم: (عباس العكري)

النّص: (
احتضار حياة)
النّاص: (
محمد آيت علو)
رؤية بقلم: (عباس العكري)



توطئة وتمهيد:
هذه إحدى القراءات الظاهرية للنص الذي قد يحمل أبعادا ودلالات مختلفة باختلاف الوسط الذي نسقطه عليه. وبتفاعلنا معه نسعى للمشاركة في صناعة المعنى وتفسيره كي نمارس سلوك القراءة ونلتحم مع النص. محاولا سبر أغواره بالتأمل في هيكله وأسلوبه وكشف عوالمه وسد ثغراته ومقصديته بدءا من العنوان حتى العبارات السردية وبين الفضاءات والعلاقات الخفية باتباع القرائن. فما موضوع النص؟ وما الأساليب التي وظفها القاص وصولا إلى مرماه؟ محاولا الإجابة على تلكم الأسئلة للوقوف على القضية المطروحة فنيا وجماليا ونأمل الموفقية والسداد.




أولا/ البناء العام للقصة وفيه خمسة بنود

وسيتبع ذلك محاور السرد القصصي وبقية الأجزاء



1/ البداية المفصل:

تبدأ قصة: (احتضار حياة) من نقطة التمفصل التي برع (محمد آيت علو) في نحتها واختيارها، وهذا المفصل الذي يجعل البداية نقطة تمفصل بأتم معنى الكلمة.



2/ نمو القصة:

ثم يكون نمو القصة في اتجاهين متعاكسين ومتداخلين: اتجاه الماضي الذي يعود فيه البطل إلى المسافة المقطوعة قبل أن تبدأ القصة، منتقيا منها ما يخدم سيرها في اتجاه الحاضر/المستقبل وهو الاتجاه الثاني في القصة وإطارها الخارجي الذي تتحرك فيه. وهذه اللحظة التي اختارها (محمد آيت علو) هل لحظة انعتاق أو انفكاك قيد ما عن الشخصية المحورية، وفي قصة: (احتضار حياة) كانت لحظة انفكاك: (فوجئت بجسَدِه الضَّخْمِ وراءَها، سألها عن وِجْهَتِها، فَفَرَّتْ هاربة، فلاحقَها بسيل مِنَ اللَّعَناتِ)



3/ الانفتاح الاستهلالي:

وقد كانت قصة: (احتضار حياة) انفتحت باستهلال إيجابي يتمثل في: (اكتملَ قُرصُ القمر... غسلَ وجهها الصَّغيرَ) ثم تسير الأحداث بعد ذلك نحو التعقد التصاعدي لتنمو الأحداث وتتدرج لتكون نهاية منغلقة: (بلا طعامٍ في هُدوءٍ حتى تمرض وتجهلَ أو يأتيها الموْتُ)



4/ شخصية البطل:

كان البطل: (حياة) شخصية تمثل الإنسان المتأزم المنتمي إلى: (الطفولة الضائعة) الصغيرة التي لن يتفقدها أحد كبقية (المشردين) والذين يفتك بهم الجوع والمرض. ولم نر نموا للشخصية في الأحداث من عشة الفراخ الخربة إلى المقبرة حتى محطة القطار والأرض المهجورة لكننا شهد وصفا نفسيا يحمل أبعاد للشخصية المحورية يدل على قدرة السارد بالوصف والإيحاء وعمق الدلالات. حيث لو قدر لها البقاء لكانت عروسا تعيش بيننا تعيش حياة الطفولة والسعادة لا حالة الاحتضار.



وقد بدأ القاص: (محمد آيت علو) قصة: (احتضار حياة) بتمهيد وكأنه يستأنف حديثا توقف عند لحظة: (اكتملَ قُرصُ القمرِ) فالقصة تبدأ من (منتصف الليل) وتنتهي إلى (الموت) وما يدل على ذلك عنوان القصة: (احتضار حياة) علامة نصية وسيميائية ناطقة ومعبرة للحدث المركزي. وقد لعب وظيفة إحالية، إلى شخصية: (حياة) وقد جاء جملة اسمية مباشرة تدل على الواقعية والالتزام والانعكاس للنص ولو حبذا كان حداثيا مبتعدا عن الموروث القديم في المسمى القصصي.
 
السلام عليكم، بداية تحية ود وتقدير كبيرين لك أخي المبدع الكاتب عباس العكري.
مقاربة جد واعية تتجاوز الرؤية الانطباعية المعلنة، وتشي برؤى فكرية نقدية وأبعاد دلالية نصية، ويتضح هذا من خلال المفاهيم الموظَّفة، وكذا العناصر المقارباتية، والتدرج في بناء المقاربة، وإن اتضح بأن النص المركزيَ كبح وحجم من انطلاقتها وتشعبها عبر مستويات أخرى ولاسيما السيميائية منها..وهذا لايصدمنا في شيء، إذا علمنا بأن النص يمتح مما هو موروث في الفن القصصي...من تم صحة ما انتهيت إليه، وقد كان هذا مدعاة لي في استشراف تجربة أخرى، ومن تم انطلاقتي إلى مشروع جديد، اصطلح عليه ب" نصوص منفلتة ومسافات" من خلال "باب لقلب الريح"
في طبعتين/ ط2 : 2011، على أن الطبعة الثانية نفذت، فقد لقيت التجربة استحسانا كبيرا، ولربما هذا راجع إلى الملحق النقدي الذي أضيف للمؤلف، وهو عبارة عن مقاربات نقدية لتلة من الأساتذة، ساهمت في إغناء التجربة... ووفاء منا لمن كان لهم الفضل في هذا الظهور والانتشار ، ولاسيما لبعض الكتاب الذين ساندونا في بداية التجربة وقد واراهم الثرى رحمة الله عليهم، عدت للتجربة من خلال مؤلف " كأن لا أحد"2020/ تم الاحتفاء به بداية الموسم، وكان التوقيع له في الدورة26/بالمعرض الدولي للكتاب والنشر بالبيضاء... وكان لهذه البداية / فأل بدايتي الأخرى مع منتدى مطر أشرت إليها مع بداية الموسم مع منتدى مطر/بيت المبدع العربي.في حلته الجديدة/ ولقد بعثت ببعض المقاربات ، وتعذر بعث الصور للمنتدى... ولازلت أنصت لصدى هذه التجربة، وبمزيد من التأني حتى لا أقول التردد، فمازال هناك من يرتبط ارتباطا وثيقا لقالب جاهز للقصة، على الرغم من الأشكال الحداثية الجديدة في القصة القصيرة أشرنا إلى قضاياها وإشكالاتها المتعددة في غير ما مرة عبر هذا المنتدى...ولما انتهيت على أن هذا المنتدى يهتم بالقصة كثيرا، ولا أخفيك سرا - فقد كنت أود أن اطرح مع بعض المشرفين في هذا المنتدى /بيت المبدع العربي، مبادرة حبلى وثرية تغني النقاش حول القصة الحداثية ورهاناتها وقضاياها الشائكة، على اعتبار أن أي تجربة لابد لها من تفعل من خلال ورشات تجريبية وموافقات ومواضعات تقريبية تحتضنها - على أن الساحة الأدبية في مجال القصة تحفل بتجارب عدة، ومن شأن هذه المبادرة أن تضع حدا ولو نسبيا لأي لَبس أو لغط ممكن، وحتى نتجاوز المغالطات والفوضى السائدة أحيانا...
مع كل الود والتقدير.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى