محمد آيت علو
كاتب
تَوَقَّفتُ عندَ المكتبةِ لأشتريَ كتاباً أقرأهُ أثناءَ سفري غداً، ثم قَفَزْتُ إلى ناصيةِ الشَّارعِ في الجِهَةِ اليُمْنى لمفترقِ الطَّريقِ، لَكِنْ لَـمْ أجِدْ شيئاً يستحقُّ العناء... فكُلُّ العَناوين غارقةٌ في الفراغِ، عناوين تختزن الأَلَمَ والخَواءَ والاجْتِرارَ، والدَّجَلَ والإدِّعاءَ والخِداعَ، في غِيابٍ للثَّقافةِ والخدماتِ والقِيَمِ، وهُبُوطٍ سافِرٍ لمنارِ الفضيلةِ، لاشَيءَ يُذْكَرُ... شيءٌ واحدٌ هو المَكْسَبُ والرِّبْحُ، والمَظاهِرُ والزَّهْوُ والزَّيْفُ الخَادِعُ، والمعيشُ اليومي، جاهدتُ التمزُّقَ لأخرجَ من هذا المسْتَنْقَعِ الكريهِ، في هذه اللَّحظة، أثارتني طفلة تنفخُ العلكة بالوناً غَيْرَ عابئةٍ بشيء..! ورَجلٌ واقفٌ بسترةٍ بُنيةٍ وسروال أسود مكوى بعناية، ينظرُ عابساً باستفهامٍ إلى آخر بازدراءٍ واحتقارٍ من الأسفلِ، هذا الأخير ضئيلُ البنيةِ، يقفُ على مفترق الطَّريقِ الضيِّقِ المُوحل والمفروشِ بالقُمامةِ والقاذورات المُتَعفِّنَةِ، حذاؤهُ البلاستيكيِّ الشَّتْويِّ مليء برَوْثِ البهائمِ...وأثوابهُ الرثَّةُ لا تختلفُ عنها في اللَّوْنِ كذلك، وطفِقَ ينظر هو الآخرُ بتعبٍ وسأمٍ وحنَقٍ ونَفاذِ صبر، كأنَّه يترقَّبُ بحزن على وجـهٍ منَ الفَظَاعَةِ لزَخَّاتٍ من السُّحُبِ، تنتشرُ فوق رأسِهِ مُصْطَبغة بلَوْن رمادي أدكن أمله للعودةِ والرُّجوعِ لبَلْدَتهِ، ينظرُ الآنَ إليهِ بهُدوءٍ حاكًّا شَعْرَ رأسِهِ بكلتا يديه، وعلى وجههِ علاماتُ ضيق ظاهر...ويبتسم كالأبله، يرفع عينيهِ ويتتبعُ بصعوبةٍة فكرة ملحاحة تنزلقُ بين الفينة والأخرى من ذهنه، وهو يمسحُ العرقَ بكِلْتا يَديْهِ، بصَقَ، نظَرَ إليهِ برعونة، وقال: لِمَ تنظرُ إليَّ هكذا؟ رفعَ رأسهُ، سَبَّهُ بزعيقٍ وشَتَمهُ ثم انسَحَب.
باحَ بما يحزنه...ولمَّا انْفَلَتَ الحُزنُ، سدَّ الطَّريقَ أمامَهُ....، طريقُهُ أيضاً كانتْ مَسْدُودَةً.
باحَ بما يحزنه...ولمَّا انْفَلَتَ الحُزنُ، سدَّ الطَّريقَ أمامَهُ....، طريقُهُ أيضاً كانتْ مَسْدُودَةً.