حاميد اليوسفي
كاتب
المرأة ذات الجلباب الأزرق
قصة قصيرة
حاميد الوسفي
عندما وصل احميدة إلى السوق جهّز العربة بالسلعة ، وقادها إلى المكان الذي ألف أن يقف فيه . يعتني دائما بهندامه ، ويعتقد بأن ذلك يجلب له السعد ، ويجعله يحظى باحترام وثقة الزبائن . اليوم مرّ الوقت بشكل عادي . بعد الانتهاء من صلاة الظهر ، تخلص من جزء كبير من السلعة . لما خَفّ ضغط المارة ، وقفت على يمين عربته امرأة في العشرينات رفقة صغيرتها ، ترتدي جلبابا أزرق يكشف مفاتن جسدها البض . جلباب مفتوح في الأسفل من الجانبين والوسط بشكل يعري أعلى الساقين أثناء المشي . سمرة خفيفة تعلو بشرتها ربما بسبب كثرة تعرضها لأشعة الشمس . كُحل شديد السواد يغطي أهداب عينيها وقصة شعر فوق الكتفين . حمرة قانية تطبع الشفتين .
سألته بصوت عذب ، وهي تضغط على الحروف والكلمات بغنج أنثوي مبالغ فيه ، وتعُضُّ على شفتيها بأسنان شديدة البياض :
ـ مساء الخير يا بائع الرمان ! بكم الرمان ؟
كل الباعة المتجولين بالجوار وقفوا مشدوهين ، وتركوا ما بأيديهم ، ووجهوا مدفعيات عيونهم إلى جسد المرأة ذات الجلباب الأزرق يفحصونها من أسفل إلى أعلى ، وتمنى كل واحد منهم لو توقفت لبرهة أمام عربته .
حدد لها الثمن ، وطلب من الله أن يستر ، خمّن بأن المرأة ترغب في شيء آخر غير الرمان ، وتمنى أن يكون خاطئا !
ردت وهي تركز النظر في عينيه بتدلل وتودد :
ـ (بزاف*) يا غالي على امرأة هجرها زوجها في عز شبابها ، وترك لها (هاد البروصي*) في إشارة إلى الطفلة التي بجانبها .
ليتجنب الرصاصة التي أطلقتها عليه بشكل واضح ، قدم لها قطعة صغيرة لتتذوقها وتحكم بنفسها ، وعلق على ذلك بقوله :
ـ الرمان فيه الرخيص وفيه الغالي . فيه الحلو وفيه المر . والسلعة التي أمامك جاءت من أشهر المناطق في إنتاج الرمان بالمغرب .
تناولت جزءا ، وقدمت الباقي لابنتها . أدركت بتجربتها ، وهي تنظر إلى عينيه بأنه يهرب من شباكها ، وأرادت أن تخرج من هذه المعركة بأقل الخسائر الممكنة ، فقالت وهي تمضغ حبات الرمان :
ـ والله حلو ولذيذ . لا يبيع الحلو إلا الحلو ! ولكن الله غالب ليس معي الآن نقود .
ابتسم ، وناولها رمانة كبيرة بالمجان ، وطلب منها أن تقدمها للصغيرة . وهي تهم بالانصراف ردت بصوت مهزوم :
ـ فيك الخير يا صاحب الخير .
زادت خطوة ثم التفتت ورمته بحركة خفيفة من عينيها تشبه السهم وقالت كمن لا يريد الاستسلام لهزيمته :
ـ مع السلامة يا صاحب أحلى رمان .
صدح صوت أحد جيرانه ، وهو يلعن أبو الرمان وعم البطاطس وجد الطماطم أمام امرأة تفيض حيوية و تنضح بالجمال مثل ذات الجلباب الأزرق .
ضحكت بصوت عال ، وعيون الباعة تتمايل مع حركات جسدها ، وهي تمشي بخطى تسكب فيها بعض الدلال الأنثوي . انعطفت على يمين الزقاق ثم اختفت .
تعجب كيف تطوف امرأة بكل هذه الفتنة في سوق متواضع بين باعة متجولين غارقين في الفقر والأوساخ من الرأس إلى أخمص القدمين ، وعزفت عن أصحاب المال الذين يموتون في البحث عن متعة عابرة مع نساء بهذا القد وعلى هذا القدر من الجمال في شوارع خمس نجوم . ربما شظايا الأزمة مست الناس الذين يعيشون فوق .
لعن ظروف الحياة القاسية التي تشبه عربة أزبال لا يقتات منها غير الفقراء .
قال في نفسه وهو يجلس بجانب عربته ليستريح من كثرة الوقوف التي تكاد تقصِم ظهره :
ـ أحمد الله وأشكره . لو فعلتْ ذلك أمام زوجتي فاطمة لقامت حرب عالمية ثالثة ، وتحول معها الرمان إلى حجر !
*(بزاف) : كثير / *(البروصي) : الذعيرة .
مراكش 20 أكتوبر 2019