المصطفى سالمي
كاتب
وقف (ترتر) قبالة السيد (الراضي) زميله في التدريس بنفس المؤسسة التربوية، كان يتوسل إليه أن يسجل اسمه على مقترح الامتحان الموحد الجهوي الذي طُلب من كل مدرس أن يساهم بمقترح عنه، وكان يتم التغاضي أحيانا من الإدارة إن اشترك اثنان في واحد، وتمثلت في ذهن (الراضي) صور لتلاميذ خاملين كانوا يطلبون من زملائهم المجدين كتابة أسمائهم في آخر لحظة على بحث أنجزه هؤلاء المتفوقون وتعبوا في تحضيره حتى دون أن يكلف الكسالى الخاملون الاطلاع على محتويات ما تم إنجازه، كانوا وما زالوا كطفيليات تقتات على مجهود ودماء غيرها، والحقيقة أن السيد (الراضي) كان قد تنازل في موسم سابق عن جدول زمني مخفف بأربع ساعات لصالح زميله (ترتر)، واستمر هو بجدول أسبوعي مكتمل تعداده أربع وعشرون ساعة، هذا رغم ظروف مرض والدة (الراضي)، كان (ترتر) وقتها يتعلل بظروف دراسة ابنته في الجامعة متعهدا برد ما اعتبره دينا على عاتقه اتجاه زميله، لكن يحل موسم جديد ليستغل (ترتر) بانتهازية فاضحة امتيازا آخر لجدول مخفف متنكرا لزميله (الراضي)، لكن الأخير رغم انه ذكّره بالأمر تعلل بمبررات واهية ختمها بابتسامة ثعلبية ماكرة، وها هو الآن يقف على أعتاب التمسح متعللا بأنه لا يجيد الكتابة الإلكترونية على الحاسوب كما يتطلب ذلك مقترح الامتحان الموحد الجهوي، أدار (الراضي) خلاياه الدماغية بسرعة البرق فاحتسب أربع ساعات في الأسبوع كفرق تعني ست عشرة ساعة شهريا مما يعطي مائة وستين ساعة سنويا، فالموسم الدراسي يقارب العشرة أشهر، وهذه المدة الزمنية كافية لتعلم لغتين أجنبيتين كالألمانية والإسبانية وليس تعلم أبجديات الحاسوب فقط، لقد أمضى (الراضي) وقتا ليس باليسير ليتعلم خبايا الأنترنيت والحاسوب حتى أصبح أمثال (ترتر) يستغلون جهده وتعبه حين كان يطلب منه على فترات وخلال سنوات خلت أن يكتب له فروض وامتحانات الساعات الخصوصية، أو توكيلا عقاريا أو تقريرا تربويا وما أشبه ذلك، وفي الأخير يتنكر له ويقابله بجزاء سنمار، لكن السيد (الراضي) كانت أخلاقه فوق أن يذكر (ترتر) بالماضي وبالجميل، لأن المنّ سيبتلع المعروف الذي أصبح انتهازية وذكاء وحسن تصرف في عرف أمثال (ترتر)، تذكر (الراضي) وقتها قصة الأعرابي مع قاطع الطريق حين أركبه الأول معه على دابته وكيف استغفله الثاني ليفر بها بينما صرخ فيه الأعرابي أن لا يقول للناس إنه سرقها حتى لا ينعدم الخير والمعروف بين الناس في بيئة قاسية هي الصحراء معلنا أنه تنازل له عنها، وما أقساها قلوب تلك التي يحملها بعض البشر، كان هذا ديدن (الراضي) فيما مضى، لكنه بالمقابل لن يسمح لأحد بعد اليوم بأن يستغل طيبته وصفاء قلبه وسريرته، وردد في نفسه:
ـ ما زلت أتلقى الدروس والعبر من الثعالب والذئاب الغدارة، لكن على نفسها جنت براقش.
وقال (الراضي) ـ بصوت مسموع هذه المرة ـ :
ـ لقد دفعت المقترح للسيد المدير يا زميلي، بينما عاد لنفسه ليخاطبها:
ـ لا يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين يا (ترتر).
ـ ما زلت أتلقى الدروس والعبر من الثعالب والذئاب الغدارة، لكن على نفسها جنت براقش.
وقال (الراضي) ـ بصوت مسموع هذه المرة ـ :
ـ لقد دفعت المقترح للسيد المدير يا زميلي، بينما عاد لنفسه ليخاطبها:
ـ لا يلدغ المؤمن من نفس الجحر مرتين يا (ترتر).