نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

ذو الجلباب الفضفاض

هو طويل القامة، منتفخ البطن، كبير الشفاه، واسع الفم، عريض الجبهة، يلقبه الناس بالفقيه، مهنته مدرس وهو في نفس الآن خطيب وإمام بمسجد (النور) ببلدة (العجيلات)، هوايته حضور الولائم وإسداء النصائح، بها يتشدق صباح مساء، لكن زملاءه كانوا لا يتورعون يرددون نكاته ـ وكأنما أكسبها براءة اختراعه ـ رغم أنها لا تخلو من مجون وعربدة إذ تتعارض كليا مع طابع الوقار الذي يتصنعه ويظهره صاحب الجلباب الواسع، والحقيقة أن تلك العبارات الداعرة الماجنة لا تكاد تخرج عن محيط محدود من رفاقه من دعاة التدين والتقية الذين تفوح أثوابهم برائحة المسك والعنبر، يستنشقونه غبارا ويتعطرون به سائلا وهم يلوكون أعواد المسواك ويكتحلون بالكحل، ودائما يسدون النصائح يختمونها بالدعاء للشيخ الداعية ـ الذي أصبح رئيسا للحكومة في البلاد الشريفة بعد ثورات الربيع العربي ـ فهذا الشيخ مقدس غير قابلة سلوكياته للمناقشة أو الاعتراض.

كان الوضع في مدرسة (ابن بطوطة) حيث يشتغل ذو الجلباب الفضفاض يشهد عدة خروقات إدارية وتربوية، لكن المدرس الفقيه لم يسبق له أن اعترض أو احتك بأي من رؤسائه في العمل، وخاصة مديره السيد (عزيزي) الذي كان يختلس تجهيزات المؤسسة من حواسيب وعاكس ضوئي وكراسي إدارية، وكان يزور نقاط ونتائج بعض التلاميذ المحظوظين، فضلا عن التلاعب بميزانية الأنشطة الثقافية والرياضية وتدليس الشواهد الطبية، والحقيقة أنهم كانوا يسمحون له بكثير من الغيابات غير المبررة، لأداء طقوسه الدينية وغير الدينية من أفعال البر والرقية الشرعية، وكان يتباهى ببعضها على صفحته الشخصية على (الفيسبوك). ومما أثبته بعض الملاحظين أنه اتفق مع تلميذة ممن يسمون في عرفهم بـ (الأتباع) بفبركة مزاعم أنها قدمت للمدرس الفقيه هدية عبارة عن ساعة يدوية، ويشكر صاحبنا التلميذة على التفاتتها، وتؤمّن على كلامه في ما يشبه الاتفاق بينهما أنه هداها للطريق السوي بوضع قطعة ثوب العفة التي أنهت بها تبرجها الشيطاني الضلالي، ويروى والعهدة على الراوي أن الفقيه نفسه من اشترى الساعة بمال جماعة التدين الدعوي واحتال على التلميذة حتى تزعم أنها هدية منها بعد أن ساومها على النقطة، ومكتسبه في ذلك هو التباهي بأنه يهدي العذارى وينتشلهن من براثن الشيطان الذي يغويهن بلباس التبرج ـ على حد تعبير صاحبنا ـ لكن الحكاية أخذت بعدا آخر حين انتقلت التلميذة لمؤسسة أخرى وخلعت برقعا لم تكن مقتنعة به، أو لم يقنعها به ذو الجلباب الفضفاض مما كشف علاقات الزيف والخداع المتبادل.

صادف أجواء الانتخابات في البلاد أن لمح صاحبنا منشورا في الفيسبوك لمدرس زميل يتحدث عن اختلاسات الشيخ المقدس زعيم حزب التدين ورئيس الحكومة، فهاج ذو الجلباب الفضفاض وماج، وثار وأزبد، وكتب معلقا على منشور زميله: اتق الله يا أستاذ في ما تكتبه..!

رد الآخر بهدوء: ولكني فقط شاركت هذا المنشور ولم أَنْفِ أو اثبت شيئا من الاتهامات المذكورة فيه، والقراء هم بيدهم الحكم في صحة الاتهامات التي يرددها الكبير والصغير، ولا تنس أن زعيم الحزب ليس ملاكا ولا نبيا.

ـ لا يصح رمي الناس بالباطل، اتق الله في نفسك يا هذا..!

ـ هل وجدتني متلبسا بوضع يدي في جيبك يا زميلي حتى تطالبني بأن أتقي الله، أم شاهدتني أسرق المال العام، عجيب أمرك أيها الفقيه الذي ما نطق يوما بكلمة حق لصالح تلاميذ المؤسسة الذين يمتص أخطبوط الساعات الإضافية جيوب آبائهم، ولم نسمع منك كلمة احتجاج على ظروف تنقل أبناء البوادي في سيارات المبادرة الوطنية التي يتكدسون فيها كأسماك السردين في وضع غير آدمي، ولم نسمع منك كلمة صغيرة عن تعنيف زملائنا المتعاقدين من طرف الأجهزة الأمنية.

كان جواب صاحب الجلباب الفضفاض هو حظر زميله من لائحة أصدقائه بالفيسبوك.

ولكن ذا الجلباب الفضفاض استمر مع ذلك في خطبه الرنانة عن وجوب الصبر وطاعة ولي الأمر وإن جلد ظهرك واعتدى على حرمتك، وذلك اتقاء للفتن ما ظهر منها وما بطن، لقد كان يتفوه بالكلمات يلوكها وهو يمرر يده العريضة على بطنه السمينة التي انتفخت على موائد تمونها العائدات السخية لشيوخ التقية الذين تتكدس أرصدتهم على مصارف لا يترددون هم أنفسهم في وسمها بأنها أوكار الرأسمالية والربا والاحتكار، تختلط فيها أرباح الخمور والقمار على حد زعم الشيخ الكبير قبل أن يصبح زعيما مقدسا كقداسة تلك النكات الماجنة الداعرة لذي الجلباب الفضفاض.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى