نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

أجواء مختلفة

اكتست المدينة حلة زاهية، وكيف لا ترتدي أبهى زينتها وهي عاصمة الشاوية التي تعيش أيام العيد الوطني، حيث تعيش البلاد أجواء ملتهبة وقد هبت فيها رياح تعبق بمباهج الاحتفالات بالثالث من مارس. العيد الوطني في مدينة (سطات) يمثل الشيء الكثير لهذه المدينة الصغيرة التي تريد أن تخلع عنها عباءة البداوة وصغر الحجم لتبدو بحجم أكبر. والفرصة مواتية هنا حيث يتسابق المسؤولون لإثبات وطنيتهم ونيل المكانة والحظوة والرضى من رجل المدينة القوي "السيد إدريس"، أو كما يسميه أبناء بلدته: (سي ادريس). كان أعيان المدينة من محافظ وقيّاد ورجال سلطة لا يهدأ لهم بال في هذه الأيام التي ترتفع فيها الأعلام وتزين فيها المقاهي بجريد النخل في مداخلها وعلى جوانبها، بينما يُطلب من الأهالي طلاء واجهات بيوتهم حتى تبدو المدينة وكأنها تنطق فرحة وحبورا. كان (المقدمون) قبيل الاحتفالات يمرون على الدكاكين الصغيرة ويفرضون على أصحابها شراء يوميات السيد (بوعياد) بأثمنة مرتفعة للمساهمة في الواجب الوطني، بينما يتفنن السيد المحاسب وزمرته في فرض الأتاوات على الباعة ودون سبب معقول أو مبرر، المهم هو ملء خزينة المدينة استعدادا للأفراح والأمسيات الملاح.

ترتفع في صبيحة الثالث من مارس نبرات مكبرات الصوت على الأعمدة وعلى الأشجار العالية ، ولا يسمع الناس في هذا اليوم المشهود إلا الأغاني الوطنية. كان (حميد) بائعا متجولا، سلعه يفرشها على الأرض وتتنوع بين الأقمصة والجوارب والأحزمة الجلدية.. لكنه توقف عن عرض سلعه في هذه الفترة من العام مخافة مصادرتها. لقد تحول إلى بائع للسجائر بالتقسيط. كان يحمل علبة واحدة في يده وهو يمر خلف المحتشدين مناديا باسم أرخص نوع من السجائر. كانت قضبان الحديد تفصل الناس عن الطريق العام، بينما رجال القوات المساعدة يلوحون بتهديداتهم عندما يدفع المحتشدون الحديد الذي يميل تحت ضغط الناس من كل الفئات. جلس الرجل على عشب الحديقة العمومية، بينما كان صوت المغنية يردد أغنية النصر:(في يده اليمنى زيتون أخضر، وفي يده الثانية بندقية، وسنبلة ونهر، وفي قلبه قضية، مؤمن بها، يدافع عنها، حتى يتحقق له النصر..). وتستمر الأغنية في تموجاتها وإيقاعاتها، بينما يستمر الاستعراض الكبير في الشارع الرئيسي حيث تشارك كل المؤسسات والقطاعات الحكومية من مدارس وقطاع صحي وبريد... وقد كان السيد المحافظ ومرافقوه يجلسون في المنصة الشرفية يتابعون الحفل حيث تمر عربات كثيرة مزينة بمجسمات وتمر فرق عسكرية تعزف معزوفات رائعة، صغار وكبار وأشكال وألوان وإيقاعات. ولكن الاستعراض يتوقف في منتصفه حتى يتم سماع الخطاب الملكي، ويتابع الأعيان من على المنصة الخطاب على شاشة التلفاز ، بينما يستمع الناس المحتشدون له من خلال مكبرات الصوت المثبتة في كل الأماكن الشاهقة. ثم يستكمل الاستعراض مساره.

وفي المساء كانت الفرحة الكبرى لشباب المدينة، بأن يتوجهوا لمقاهي المدينة الكبرى، وخاصة في شارع محمد الخامس وساحة الأقواس حيث رقص المجموعات الشعبية، وأهازيج (العيطة)،بينما يتحدث الناس عن مشروبات روحية مجانية .. ويستمر الرقص والطرب حتى وقت متأخر من الليل، بينما تتراخى القبضة الأمنية بالنسبة للمخالفات البسيطة، فالناس في عيد، وحيث الفرحة تستمر أياما في ظل توقف الدراسة لما يزيد عن أسبوع كامل، كما تتعطل الإدارات لأيام مدفوعة الأجر. ويتناسى الناس همومهم، ولكن الرجل كان يفكر في مداخيله في هذه الفترة من العام.


وفي اليوم الموالي يستيقظ حميد ويمر على شوارع فارغة ناسها قضوا ليلة صاخبة، فلا يجد إلا قنينات فارغة خضراء ملقاة هنا وهناك، فيحملها في كيس بلاستيكي على أمل بيعها لشراء أرغفة للأولاد، وسينكر على الزوجة مصدر ما يشتريه حتى لا تتهمه بأنه يطعم الأبناء من مال حرام.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى