نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

لن أسامحكِ

لن أسامحكِ

لن أسامحك حتّى لو قبّلت يدي. لن أسامحك حتّى لو جثوتِ على ركبتك و قبّلتِ قدمي. لن أسامحك حتّى لو أصابك صرع بعد طول استعطاف. أخّـرت هذا الحكم عليكِ سنين. و لكن ذيل الكلب لا ينعدل.
انتظرت أن تصلحي نفسك وتعدّلي سلوك سنين. ولكن في كلّ مرّة انتظر أصاب بخيبة أمل. أذكر لك حججا دامغة فتقابلينها باستخفاف. كنت كمن يتحدّث مع الصخر. فينتابني الغيظ والحنق حتّى أنّني أصبحت أخاف على نفسي. أخاف أن أصاب بجلطة أو أفقد صوابي. أعطيتك عشرات الفرص بل قل المئات من الفرص وكنت أنتظر بشوق تغيّرا منك، ولكن في كلّ مرّة أصاب بخيبة أمل مريرة. طال صبري وطال عنادك. اليوم لم أعد أنتظر منك شيئا. و حتّى ولو فكّرت في العفو عنك فيجب أن تمرّ نفس مدّة التعاسة التي قضيتها معك لكن هذه المرّة بدون تعاسة. لقد تحمّلتك ثلاثين سنة ويجب أن تمر ثلاثون سنة أخرى حتّى يتنظّف رصيدك المشؤوم من الأخطاء ولكن لم يعد في العمر ما يكفي لقضاء تلك المدّة. فنحن الآن في خريف العمر. لقد حكمت على نفسك بالإعدام. أنت لا تخطئين كما يخطئ بقية خلق الله في وجودهم. أنت وجودك خطأ في حدّ ذاته. اعذرني يا ربّي!
لم يبق لي سوى كرهك بل مقتك وبشدّة. ما تمنّيت الموت لأحد في حياتي غيركِ. كم تمنّيت أن ترحلي من أمام وجهي حتّى ولو كان في ذهابكِ هلاككِ. كنت أعتقد أن العقل البشري يحكمه منطق واحد وتسيّره نفس القوانين ولكن منذ عرفتك غيّرت رأيي. كلّ تصرّفاتك الخرقاء لها عندك تفسيرات معقولة. حتّى ولو كان ما أذكره الآن يدخل في باب الشماتة و النكاية و الكبرياء و حتّى لو كنت ملاما في ذلك، فهذا لا يمنع من أنّك إمرأة منحطّة.
ارحلي من أمام وجهي غير مؤسوف عليك. لقد كان يوم الاقتران بك يوما مشؤوما. وكان قرار الزواج بك أكبر خطإ ارتكبته في حياتي. لقد كنتِ وجها جميلا لا أملّ من رؤياه، و زندا ليّنا يطيب لي أن أنام عليه، و صوتا رخيما يلذّ لي سماعه. أمّا الآن! لطفك يا ربّ! لقد أصبحت الآن إمرأة قبيحة، وقحة، متعجرفة، مكابرة و سليطة اللسان. ماذا حصل؟ ما الذي غيّرك بعد الزواج؟ لا أعرف. هل كنت تضمرين هذا الانقلاب؟ هل بيّتِ الخديعة؟ لا أعرف.كيف لي أن أعلم ما يخبّئه لي القدر؟ هل كنتُ غِرّا غرّه الطرف الكحيل والخدّ الأسيل و المظهر الجميل؟ لا أعرف. لكن الشيء الأكيد أنّني لم أقصّر في حقّك يوما، لا قبل الزواج و لا بعده. لقد فهمتِ طيبتي على أنّها سذاجة و هذا ما يحزّ في نفسي. و الواقع أنّني ما كنت ساذجا و لكنّي كنت أجاملك و أتجاهل سخافاتك. كان يشقّ عليّ أن أشعرك بالحرج أو أجرح كبرياءك. كم من مرّة تكلّفتُ الابتسام أمام نكتك السخيفة مراعاة لمشاعرك، و كم من مرّة وافقت على طلباتك الغريبة شراء لودّك... و لكنّك ما شعرتِ يوما بمعانتي أو إستمعت لغصّات قلبي. أحيانا كان الحنق يشتد بي حتّى أنّه يخطر لي أن ألطمك لطمة تعيد إليك صوابك و لكنّي سرعان ما أهجر هذا الخاطر تفاديا لتعميق الأزمة بيني و بينك. لم أعد أريدك حتّى و لو أصبحت كاملة. لم يبق أمامي سوى أن ألتفتَ خلفكِ و أبصق في اشمئزاز.
لو كان لي منفذٌ للهروب من شرّك، ما تردّدت لحظة، و لكن كيف السبيل إلى ذلك؟ فالطلاق ملجأ للمغلوب على أمره مثلي، و لكن فيه فضائح و محاكم و جلسات ونفقات... و مصائب لا طاقة لي على حملها و سأدخل في وضع، تعاسته أكبر من تعاسة الوضع الذي أعيشه الآن. فهل ستتركينني أيّتها اللئيمة؟ أنا أعلم أنّه يجنّ جنونك لو ابتعدتُ عنكِ، لا لأنّك فقدت حبيبا، بل لأنّك فقدت البقرة الحلوب.
لو أرفع عليك قضية طلاق، ستسكنين في المحاكم. و إذا خلّصتني المحكمة من بلائك سوف ترفعين كلّ أسبوع قضية للترفيع في النفقة. سوف ترسلين جواسيسك ورائي يتنسّمون أخباري. هل هناك زيادة في الراتب الشهري؟ ماذا بعتُ؟ و ماذا اشتريتُ؟ و من قابلتُ؟ و ماذا أنوي أن أفعلَ؟ سوف تحاصرينني في كلّ مكان. سوف تتركين كلّ شيء و تتفرّغين لي. سوف تختلقين الافتراءات و تنشرينها في كلّ الأحياء. سوف أغدو مفضوحا في كلّ مكان. أنت وقحة أعلم هذا جيّدا. لذلك أنا صابر لن أربح شيئا بطلاقك، أبقيك جنبي عسى أن يكون هذا البقاء لجاما يثنيك عن أفعالك الشريرة و يشدّ لسانك عن الثرثرة. ليس أمامي و الحالة هذه سوى التضرّع إلى الله سبحانه و تعالى، أنتظر منه الفرج فهو يعلم ما تخفي الصدور الطافحة بالألم و الحزن و التعاسة و أرجو منه أن يفرّق بيني وبينك فراقا لا لقاء بعده.
 
التعديل الأخير:

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى