نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

تحليل نص لفولتار حول الحكم المسبق

تحليل نص لفولتار حول الحكم المسبق​

النصّ:
إن الحكم المسبق هو رأي دون حكم. لذلك نوحي إلى الأطفال في كلّ أرجاء المعمورة بكلّ الآراء التي نرغب فيها قبل أن يصبحوا قادرين على الحكم.
... توجد إذا أحكام مسبقة جيّدة جدّا: و هي التي يقرّها الحكم عندما نفكّر... ستحترم عن حكم مسبق إنسانا يرتدي لباسا معيّنا و يمشي بوقار و يتكلّم برصانة. فوالداك هما اللّذان أخبراك بواجب الانحناء أمام هذا الإنسان: إنّك تحترمه قبل أن تعرف إن كان أهلا لاحترامك أم لا. و بتقدّمك في السنّ و في المعارف: ستتبيّن أن هذا الإنسان مشعوذ ممتلئ زهوا و مصلحة و مكرا. عندها ستحتقر ما كنتَ تُجلّ، فيحلّ الحكم محلّ الحكم المسبق.
فولتار »المعجم الفلسفي « فصل "الحكم المسبق" ص 351 - 352 في النسخة الفرنسية


Préjugés
« Le préjugé est une opinion sans jugement. Ainsi dans toute la terre on inspire aux enfants toutes les opinions qu’on veut, avant qu’ils puissent juger
… Il y a donc de très bons préjugés : ce sont ceux que le jugement ratifie quand on raisonne… c’est par préjugé que vous respecterez un homme revêtu de certains habits, marchant gravement, parlant de même. Vos parents vous ont dit que vous deviez vous incliner devant cet homme : vous le respectez avant de savoir s’il mérite vos respects, vous croissez en âge et en connaissance : vous vous apercevez que cet homme est un charlatan pétri d’orgueil, d’intérêt et d’artifice, vous méprisez ce que vous révériez et le préjugé cède au jugement ».
Voltaire Dictionnaire philosophique, chap « Préjugés » p 351-352
ed. Classiques Garnier Paris 1967

الإشـكالـيــة
ما هو الفرق بين الحكم و الحكم المسبق؟ متى يصبح الحكم المسبق حكما ذا قيمة؟

الــمحــاور
I. الفرق بين الحكم المسبق و الحكم
II. الحكم المسبق لا يكتسب مشروعية إلاّ بعد الحكم


الـتـحـلـيـل
ما هو الحكم المسبق حسب الكاتب؟ الحكم المسبق هو رأي (opinion) نكتسبه من الغير. و يسمّى "مسبق" لأنّنا أخذنا هذا الرأي من الغير دون أن نخوض نحن بأنفسنا التجربة التي أدّت بالغير إلى إصدار ذلك الحكم. فقد يقول لنا شخص نثق فيه "إن تسلّق الجبال أمر رائع" فنحمل هذه الفكرة عن تسلّق الجبال دون أن نكون شكّلنا هذه الفكرة من تسلّقنا نحن للجبال. فحكمنا هذا عن تسلّق الجبال هو حكم مسبق و ليس هو كذلك بالنسبة للشخص الذي أصدره طالما أنّه استنتجه من التجربة. عموما الأحكام المسبقة هي أحكام يصدرها أناس قاموا بتجارب و ينقلونها لأناس لم يقوموا بهذه التجارب. ما هي قيمة هذه الأحكام المسبقة؟ هي مواقف شخصية تتعلّق بتجارب الشخص في الحياة و تكوينه و ذوقه فهي مبدئيا مجرّد آراء و لا ترتقي إلى مستوى قوانين مسلّم بصحّتها.
متى يكون مقبولا أن نحتفظ بالحكم المسبق حسب الكاتب؟ يكون ذلك بعد إعمال العقل فيه. فإذا ثبت بعد النقد و الفحص و التمحيص أن هذا الحكم المسبق فاسد طرحناه من حسابنا، و إذا تبيّن أنّه صالح أصبح حكما باتّا له مشروعية أي أصبح حقيقة بالنسبة إلينا طبعا و يمكن أن نعتمده.
وصلنا إلى فكرة أن من حق الفرد أن يراجع الأحكام المسبقة ليقبلها أو يطرحها، و لكن هل من السهل تقييمها و بالتالي طرحها أو قبولها؟
يمكن أن نقسّم الأحكام المسبقة عموما إلى قسمين: قسم يضمّ الأحكام المعرفية النظرية التي بما هو غيبي وكذلك تتعلّق بالكون والكرة الأرضية و الإنسان... وقسم ثان يضمّ الأحكام الأخلاقية السلوكية التي تبيّن للفرد كيف يجب أن يتصرّف في المجتمع.
في ما يخصّ القسم الأوّل، الواقع أن أغلب هذه الأحكام المسبقة التي اكتسبناها في صغرنا هي أحكام خاطئة لأنّها لم تتشكّل في مخابر علمية و لكن شكّلها المجتمع عبر التاريخ. و هناك شعوذة منتشرة في كلّ مكان. العلم يتطوّر على حساب هذه الشعوذة والأساطير لكن ليس بسهولة. فالخطأ لا يستسلم بسهولة. والعلماء والمفكّرون الذين خرجوا عن الأحكام المسبقة الإجتماعية التي تهم الكون و الطبيعة و الإنسان عانوا الويلات و منهم غاليلاي. المجتمع الجاهل يظلّ يتمسّك بالأحكام المسبقة و يرفض أن نعمل عقولنا فيها و بالتالي نخرج عنها. باختصار يريدنا أن نظلّ حياتنا أطفالا. هنا يصبح الحكم المسبق كارثة. فهو لم يعد مجرّد أداة تربوية بل يريده المجتمع أن يكون فلسفة حياة برمّتها.
نأتي الآن إلى القسم الثاني و هو الأحكام المسبّقة التي تضمّ القواعد الأخلاقية. إن كنّا في حديثنا عن القسم الأوّل قد وقفنا إلى جانب الفرد ضدّ المجتمع فإنّنا في هذا القسم الثاني نقف مع المجتمع ضدّ الفرد. يقول الكاتب أنّنا يجب أن نقيّم الحكم المسبق لكي نقبله أن نلغيه. و لكن المصيبة أن هناك من يقيّم الحكم المسبق الأخلاقي تقييما خاطئا فيطرح ما هو صالح و يحتفظ بما هو طالح. فكم من أب محنّك ينصح ابنه الغرّ بأن لا يخالط جلساء السوء و لا يتناول المخدّرات، فـيُنعت بالتخلّف و الرجعية من قبل ابنه. و كم من أستاذ ينصح طلبته بالجدّية فيُوصف بالمتسلّط. و كم زوجة تنصح زوجها بأن لا يسوق سيّارته بتهوّر، و لكنّه يبالغ في التباهي بإتقانه للسياقة و لا يدرك حقيقة حكمه على نفسه إلاّ بعد حصول الكارثة.
و الواقع أن هناك مشكل يبدو أن لا حلّ له أو على الأقل يصعب حلّه: كيف نضمن لنصيحتنا أن تُقبل من طرف شخص سفيه، نعلمُ مسبّقا أن من حقّه أن ينقد رأينا و يقيّمه؟ أليست نصيحتنا حكما مسبّقا بالنسبة له و من حقّه أن يرفضه؟ أوضّح هذه الفكرة بمثال: فتاة تعرّفت على الشابّ أحبّته وعندما تقدّم لخطبتها، أدرك الأب بحنكته و خبرته في الحياة أن هذا الشاب ليس سوى صعلوك. المصيبة أن الأب عندما ينصح ابنته بالابتعاد عن هذا الصعلوك تتمسّك به و تدّعي أن حكم أبيها عليه هي "حكم مسبق" و بدون دليل. الأب في وضع صعب: إذا تمسّك برأيه كان متسلّطا و حرم ابنته حقّها في تقييم رأيه (أي رأي أبيها) و حقّها في الاختيار أيضا، و إن كان شخصا متسامحا يحترم الرأي المخالف، يكون قد ساهم في ترك ابنته تسير نحو الهاوية. أليست هذه مصيبة؟ كيف تقود السفيه نحو الخير و كرامته كإنسان، تمنحه حق الرّفض؟
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى