نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

سيرة جحا السياسي...

سيرة جحا السياسي...



يتبيَّن أن كل الأمم عبر التاريخ ،عرفت شخصية جحا،فنسجت له شخصية فريدة إما خيالية أو حقيقية في ثقافاتهم القديمة أو في تقاليدهم الشعبية،وهذا بما يتلاءم مع الطبيعة الاجتماعية والثقافية لتلك الأمة، وتختلف شكل الحكايات والروايات،فنجده مثلا:منْ وصفوه بسليط اللسان وهناك من ذكروه بأنه مغفلا أو ذكيا...
ففي الأدب العالمي جحا رجل فقير كان يعيش أحداث عصره بطريقة مختلفة ويتماشى مع تلك الأحداث الشبه حقيقية؛ فهو كان يتصرف بذكاء كوميدي ساخر، فانتشرت قصصه ومواقفه التي كان يتعامل معها في حياته اليومية، وكانت تتناقل قصصه من شخص إلى آخر،مما نتج عنه تأليف الكثير من الأحداث الخيالية حوله،فكل شخص كان يروي قصصه بطريقته الخاصة ومنهم حتى من نسب أعماله لنفسه أو لشخص آخر أو لشخص خيالي...
وأمَّا في وقتنا الحاضر،كثرت شخصية جحا في واقعنا المعاش والمزري،فنجدها تجمع كل الصفات المذكورة سالفا ،للوصول إلى أهدافها و مبتغاها الذاتي والشخصي...دون مراعاة حقوق الآخر المعيشية الأساسية، ضاربةً عرض الحائط كل القيم الأخلاقية والعرفية وغير مبالية...
فجُحا السياسي،يجمع كل النعوت والأوصاف السالفة الذكر وبزيادة...نظرا لترعرعه في بيئة عائلية فقيرة هشَّة،مما جعله يمقُت ويكره الفقر والحرمان،وعندما تزوج وفتح بيتا،زاد غيظه وحقده للفقر والفقراء،ففي البداية كان يقتات على بضعة الدراهيم التي يسترزقها من تجارته البائسة والميؤوسة من ربحها،كبيع لأشرطة دينية متنوعة وقارورات العطور أمام المساجد والأضرحة والزوايا أو أحيانا بائعا متجولا ،راكبا عربته المجرورة والمحمَّلة بمواد التعطير والتنظيف،مما جعلته يمتهن تجربة لخطاب الديني ومتمرسا ويتطفل على الواعظين والمرشدين الثقاة...،فتجده مرة ثرثارا أو كوميديا ساخرا أثناء ولائم الأفراح و الأقراح ليجلب انتباه العامة بروايات دانكشوطية من خياله،فأصبح يسترزق بهذا العمل لقمة عيشه،فتارة يصرّح ويدافع عن أفكار من صنع خياله،ومرة أخرى ينكُر ويتراجع عنها...
ومرَّت سنوات قليلة عن هذا الحال...،انخرط هو ومن معه في جمعية سياسية،تستغلُّ في الخطاب الشعبوي الديني كمطية، في بؤر الحواضر المهمَّشة وكذلك القرى النائية حيث تتفشى الأمية والبطالة والعوز المحطمة للرقم القياسي،فساعدتهم تلك العوامل في النشر والتوسع وجلب ضعاف النفوس وقصر النظر... فاقتنصت تياراتهم رياح التغيير:منها ثورة الياسمين وووو...،فسمحت لهم الفرصة المجانية جراء فشل التيارات السياسية الليبرالية و الديمقراطية...،في رفع مشعل التغيير والإصلاح ..،.ومن هنا بدأت الحكاية و ظهور شخصية جحا السياسي في الساحة السياسية، الذي كان ممارسا في ااستخدام حربائيته السياساوية تحت الغطاء الديني، ليعطيها الشرعية على طمعه، فبطريقة أو أخرى تقلد منصب عليا في الحزب السياسي... وإبانها شارك في انتخابات استثنائية وجيَّش مريديه الاندفاعيين...ففازت حملات حزبه بسياسة جماعته في نشر أفكارها التي نالت إقبالا في أوساط الطبقة التي تعيش تحت عتبة الفقر والاحتياج...
فأول عمل قام به جحا السياسي، هو تحسين ظروفه الاجتماعية والمادية،وبدأت تظهر عليه وعلى أتباعه ومريديه أثر النعم على شكلهم ومظهرهم...
فسمح له منصبه السامي أن يتمتّع بامتيازات مهمة وبسلطة تقريرية تنفيذية،و ضخَّت موارد ضخمة في حسابه البنكي،وأضحى من الأعيان السياسين في البلاد وأُنعِم بمكانة بارزة لدى هرم الحكم...، وبنفاقه السياساوي ألمصلحي ،ظهرت بوادر التطبيع السياسي وفتحت علاقات مع سدَّة الحكم،بعدما شُهدتْ له بالدور التاريخي الذي لعبه كعازل سياسي خدوم"بخرجاته التي امتصت غضبة الشعب والمعارضة...، والذي ينهج خطابا سياسيا وتدجينيا...بقالب كوميدي،فكان يصارع السراب وينتقد منافسيه ويشبههم بالحيوانات والزواحف ليضفي الشرعية القانونية في منظوره...،وليَسْهل عليه قيامه بسنّ وفرض ضرائب تثقل الفئات المستضعفة والكادحة التي ناصرته و استنصرته وعقدت أملها الوردي في الأحقية في العيش بكرامة وعزَّة النفس...فخير ما فعله ،كرَّم انجازاتها بتراجعات حقوقية معيشية خطيرة وجد مؤلمة... وبسياسات تقشفية مباشرة وغير مباشرة ...، فقدَّم بسياساته التراجعية ورقة رابحة لكبح ثورة الفقراء والمعوزين...
فبقي الحال على ما هو عليه لبضع سنوات عجاف...إلى أن اكتُشف أمره،فتنصَّلتْ وتبرأتْ منه جماعته وكذلك نظام الحكم القائم والسائد...،واعتبروه بعد ذلك أداة انتهت مدَّة صلاحيتها،وجُهّز لرحيله،ويرحل و إلى منفاه متقاعدا استثنائيا،وليعيش بقية حياته وهو يروي عنتريَّته المخرومة... منتظرا خاتمته الحتمية منبوذا سياسيا،اجتماعيا ...



بلمرابط المصطفى

المغرب\الخميسات





 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى