عبد الرحيم التدلاوي
كاتب
من يُصلّي لأجل الشعر؟
**
عندما دخلتُ المسجد عصرًا، لم أكن أقصد سوى الظلّ، فقد أرهقني الطريق، وأفرغتني صفحات ذلك الكتاب الذي يُشبه بئرًا لا قاع لها. أغلقت غلافه كأنني أضع حدًّا لحوارٍ داخليّ مع شاعرٍ لا يؤمن بشيء سوى الشعر، ولا يشكُّ في شيء إلا الإيمان. كان أدونيس، نعم... أدونيس الذي يكتب وكأن الله تأخّر عن مواعيده، وكأن الأنبياء شبهة قديمة لا تزال تتجول في القصائد.
جلستُ عند السارية، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، كنت بين الظلّين، وأحسست أنني أيضًا بين زمنين، زمن المآذن وزمن القصيدة. حملتني رعشة غامضة، لا أدري أكانت خشوعا أم سخرية؟ ووجدتني أبتسم. لِمَ لا؟ فالمثقفون اليوم يأكلون على كل مائدة، لكنهم لا يرفعون الفتات عن الأرض حين تسقط القصائد ميتةً في غزة.
سمعت أزيز طائرة. تخيلتها تحلق فوق حي الشجاعية. طفل يركض خلف رأسه، أمّ تصرخ باحثة عن جثة ابنتها، ورجل ممدد على الأرض يحتضن دفترا مدمى. ثم عاد الأذان ينشد: الله أكبر... وتسللت الدموع من بين أصابعي.
أين أنت يا أدونيس؟ لماذا لم تدندن قصيدة واحدة لأطفال غزة؟ أما زلت ترى أن الله "فكرة قديمة"؟ أم أن القصف لا يستحق بيتًا من الشعر لأنه لا يمرُّ من باريس؟
أُصلي... وأفكر فيك. وفي قصائدك التي تشبه خزفًا هشًّا على رفّ مكتبة فاخرة. تتأمل فيها نُدَبَ الأزمنة، وتنسى أن الزمن الآن طفلٌ اسمه محمود يموت جوعًا، ولا يعرف من الدنيا سوى رغيف وسقفٍ لا يسقط.
من يُصلي لأجل الشعر؟ سأُصلي. لا لك، بل للشعر حين يخذلك.
سأُصلي أن يُبعث مجازٌ جديد لا يخاف الحقيقة.
سأُصلي أن لا يُصاب الشعراء بفقدان الشفقة.
ثم أقول في داخلي:
ما أعذبَ الركعة حين تومئ بقلبك لا بجسدك. وما أوجع الشعر حين يخون دموعك!
**
عندما دخلتُ المسجد عصرًا، لم أكن أقصد سوى الظلّ، فقد أرهقني الطريق، وأفرغتني صفحات ذلك الكتاب الذي يُشبه بئرًا لا قاع لها. أغلقت غلافه كأنني أضع حدًّا لحوارٍ داخليّ مع شاعرٍ لا يؤمن بشيء سوى الشعر، ولا يشكُّ في شيء إلا الإيمان. كان أدونيس، نعم... أدونيس الذي يكتب وكأن الله تأخّر عن مواعيده، وكأن الأنبياء شبهة قديمة لا تزال تتجول في القصائد.
جلستُ عند السارية، لا إلى اليمين ولا إلى اليسار، كنت بين الظلّين، وأحسست أنني أيضًا بين زمنين، زمن المآذن وزمن القصيدة. حملتني رعشة غامضة، لا أدري أكانت خشوعا أم سخرية؟ ووجدتني أبتسم. لِمَ لا؟ فالمثقفون اليوم يأكلون على كل مائدة، لكنهم لا يرفعون الفتات عن الأرض حين تسقط القصائد ميتةً في غزة.
سمعت أزيز طائرة. تخيلتها تحلق فوق حي الشجاعية. طفل يركض خلف رأسه، أمّ تصرخ باحثة عن جثة ابنتها، ورجل ممدد على الأرض يحتضن دفترا مدمى. ثم عاد الأذان ينشد: الله أكبر... وتسللت الدموع من بين أصابعي.
أين أنت يا أدونيس؟ لماذا لم تدندن قصيدة واحدة لأطفال غزة؟ أما زلت ترى أن الله "فكرة قديمة"؟ أم أن القصف لا يستحق بيتًا من الشعر لأنه لا يمرُّ من باريس؟
أُصلي... وأفكر فيك. وفي قصائدك التي تشبه خزفًا هشًّا على رفّ مكتبة فاخرة. تتأمل فيها نُدَبَ الأزمنة، وتنسى أن الزمن الآن طفلٌ اسمه محمود يموت جوعًا، ولا يعرف من الدنيا سوى رغيف وسقفٍ لا يسقط.
من يُصلي لأجل الشعر؟ سأُصلي. لا لك، بل للشعر حين يخذلك.
سأُصلي أن يُبعث مجازٌ جديد لا يخاف الحقيقة.
سأُصلي أن لا يُصاب الشعراء بفقدان الشفقة.
ثم أقول في داخلي:
ما أعذبَ الركعة حين تومئ بقلبك لا بجسدك. وما أوجع الشعر حين يخون دموعك!