نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

محمد آيت علو. إلى حين تمطر ...

بالمقهى ثلاثةُ أصدقاءَ يجلسونَ، شاعر وحيدٌ بحزمة أوراق وكتاب، وفنانان تشكيليان توأمان يتأمَّلان رسوماتهما، كلُّهُم يتَلذَّذُون نكهة القُطْرَان، نُصوصٌ ولَوَحاتٌ شاخَتْ، تنتظر يداً تنتَشلُها منَ الصَّمْتِ المقفر والضَّياعِ القاتل، مثل الشَّبابيكِ هُناك...

شَبابيكٌ بقاع المدينة قرب البحر سئمتِ الوُقوفَ عندَها حَسْناوات يلْمَحْنَ السنُونو في الفضاء كالمعتاد...
ويرقبن من لن يجيءَ عبر الدرُوبِ الموحشة...
 

محمد فري

المدير العام
طاقم الإدارة
إلى حين تمطر
عنوان يوحي بالانتظار والترقب اللامجديين
وكأن الأمر بانتظار گودو
وصف جميل لهذا الحال
وحبذا لو تجاوز النص وضعية الوصف
لاستجلاب سرد يحرك الفعل في النص
مودتي
 
بداية تحية ود وتقدير كبيرين لك أخي السي محمد، لقد راقني حضورك وتناغمك وانسجامك مع حالة النص، ولا يحس بهذا إلا من كابد حرقة الحرف وأدمن سرالإبداع، كما أشكرك على نباهتك والتفاتتك الكريمة، أما بخصوص هذا النص فكل ما ذكرته صحيح، للإشارة فقط ، ولا أخفيك سرا، فإن هذا النص تحديدا اشتغلت عليه مدة طويلة وبطريقة مغايرة، فقد كتبته بمزيد من الأناة وبحب كبير في المغامرة والتجريب والتجديد محاولة مني إيجاد صيغة أو بصمة بعيدا عن أي تبعية عبر التجريد واللعب اللغوي... مع الالتزام بعدد الكلمات ووضعها في الحسبان على غرار بعض المسابقات وهو تحد ركبته، والحقيقة - وأنت سيد العارفين - فإنني أدرج هذا النص ضمن اللقطة القصصية أو كمشهد على اعتبار الوصف الدقبق والذي أحيانا قد يرقى إلى لعب دور السرد ولاسيما في الإيهام بالواقع زويخدمه نظرا للعلاقة العضوية بينهما، للإشارة فهذا النص لقي استحسانا كبيرا من لدن ثلة من المهتمين، واسمحوا لي بأن أبث و أدرج بعض تغريداتهم ليس زهوا ولكن اعتزازا وحبا بعد جهد مضني، من مثل : وليد ماجد:"....نص رائع قد يشفي بعضا من غليل الشوق الى التأمل والذهاب بعيدا بالعقل و الخيال حتى شعرت وكأني واقفا أنظر الى تلك الحسناوات اللاتي يتفرجن على السنونو ..../ وأحمد نيرا:" ...كنت رابعهم،حاولت التسلل الى غياهب اسرارهم، إلا أن الشبابيك و الحسناوات خلفها ذكرتني بمسرحية *في انتظار غودو * فطأطأت رأسي وعدت أدراجي. قلمك جميل و حرفك رائع و ما بينهما بوح مبارك و ميمون.دمتم سيدا للحرف ../ *نادية درهور"نص رائع ومشوق دام التألق والإبداع "/ ونودي محفوظ :ما شاء الله قمة الابداع استاذنا ...
لكني أخي الفاضل السي محمد، أعتز كثيرا في مقارباتك - وأنت العارف بأسرار العملية الإبداعية - ولا شك في أن المبدع الحقيقي لايركن ولا يسلم بتمام تجربته وإلا كان أروع فشل إن لم يكن موته وحتفه، فهو دائم البحث، لأنه ليس هناك كمال مادام هناك خيال، شخصيا ارتحت قليلا لهذا النص فقد عشت معه لحظات ليلية لاتبلى...
وقد تمخض عنه نص راقني جدا أخي السي محمد ، هو كالآتي:-,

كانت الفتاةُ الواقفةُ بمظلتها هناكَ تختلسُ النَّظرَ يمنة ويسرة، وتسترقُ السَّمع إلى بعض الجالسينَ على الكراسي الشبه فارغة، المبعثرة في الحافة أمام المقهى تنتظر أحداً غير آبهةٍ بالمارة...
المارة، لا أحد يعيرُ اهتماماً لأحد في هذا الشارع، غير العجوز الأعور الَّذي غرزَ عينهُ الوحيدةَ نحو طفلٍ بائسٍ ماسح للأحدية، يجلسُ بجوارِ متجرٍ عتيقٍ في الشَّارِعِ الطَّويلِ...
في الشارع الطويل، اصطفَّتِ الأكشاكُ والأبناكُ وصاغةُ الذَّهبِ والفِضَّةِ وأضواء المحلاتِ والمتاجر والشُّجَيْراتِ القصيرة الَّتي لا تُثمر... وزعيقُ السيارات المسرعة وطابور من الدراجات، والمنبِّهات العصَبِيَّة المزْعِجَةُ والفوضى العارمةُ والصَّخَبُ والأضواءُ، والرَّصيفُ العَريضُ المحاطُ بشجيرات قصيرة وقد امتلأ بالناس والأحذية ذات الكعوب العالية تضربُ الرَّصيفَ بشدة، والأصواتُ والوجوهُ الكالحةُ شاحبةٌ حزينة، وقد صفعتها الظروف...وعلى الرغم من الغيومِ الواعدة وزخات المطرِ الموحية بيوم مشتاةٍ، فقد كان الهواء فاسداً مشبعاً بالسُّمومِ وحزيناً مُتعبا...
متعب أنا أيضا في هذه الزحمة في متاهات تفكير مشتت، تائهٍ لاقرارَ له، دُنيايَ شوارع لاتنتهي، وليس لها حد، أمشي دون هدف، مثل الوُجوهِ المزدَحِمَةِ التي تمرُّ بخيالي الآن، حادَيْتُ نحو الواجهة الشبه المضاءة فوق الرصيف، لأحتمي من زخات المطر، قرأتُ إعلاتاً عن فيلم سينمائي لوجوه ووجوه، ثم قطعتُ ذلك الشارع الطويلَ المزدحمَ الَّذي يُفضي إلى البحر...
في البحر، شممتُ رائحته، رائحة البَحْرِ والبَرِّ تتمازجانِ، عزمتُ على حرقِ القاربِ والمجذافِ كَمَنْ لا ينوِي العودةَ، أو الرجوع إلى اليابسة، أو كقرصان وحيدٍ مَبتُورِ السَّاقِ وبعينٍ وحيدةِ يرقبُ، بلا أملٍ أو حيلةٍ أمامَ شِدَّةِ هَيجانِهِ..يقفُ على رجلٍ يتأملُ المدَى...مثل اللَّوْحَةِ الأثريةِ هُناك في المقْهَى...
بالمقهى ثلاثةُ أصدقاءَ يجلسونَ، شاعر وحيدٌ بحزمة أوراق وكتاب، وفنانان تشكيليان توأمان يتأملان رسوماتهما، كلهم يتلذَّذون نكهة القُطران، وأمامهم نصوص ولوحات شاخت، تبحثُ عن يدٍ تنشلها من الصَّمْتِ القاتلِ والضَّياعِ في انتظار من لن يجيءَ...مثل النَّوافِذِ والشبابيك هُناك...
نوافذ وشبابيك سئمت الوقوف عندها حسناوات يلمحن طيور السنونو في الفضاء كالمعتاد...ويرتقبْنَ من لن يجيء عبر درُوبِ المدينة...
دروبُ المدينةِ تلتَفُّ حول المارَّةِ في هذا اليوم شبه المشتاة...الرذاذُ ينْتَشِرُ في اتجاهِ الشَّارعِ الطَّويلِ الَّذِي يُفضي إلى البحر...مثل المجاري والقاذورات والمياه المتعفِّنةِ الَّتي تَنْسَكِبُ ولا تتوقَّفُ إلا حين تجتمع هناك...حيث حرب البحر ..وحرب المياه...
لم أَعْهَدْ نفسي سائغاً كالماءِ في تلك الدروبِ الضيِّقةِ والزَّوايا العتيقَةِ والأزِقَّةِ الباردةِ والَّتي سقطَتْ فيها أجسادُ المارة اتباعا..وأنا أجولُ ببَصري كسائحٍ مَلَّ الترحالَ في الدروبِ الضيقَةِ حتى قاع المدينة...
في قاع المدينة، لم تَكُنِ الفتاةُ الواقفةُ بمظلَّتِها تنتظرُ أحداً، ولم يَكُنِ الشَّارعُ الطَّويلُ يُفضي إلى البحرِ، ولا النَّوافذُ والشَّبابيكُ، ولا الحسناواتُ ولم يكنِ الصَّباحُ مشتاةً... ولم أكنْ أنا بِدَوْرِي أطوفُ بين دروب وشوارع أرجاء المدينة..ولم يكنِ السُّنُونو تطيرُ كما اعتادت ..ولم يرها أَحَد..!!
كلُّ ماكانَ هو أنَّني كُنْتُ أكتشفُ نفسي في الشَّارِع الطويلِ الَّذي أخذَ ينسَحِبُ من تحتِ قدمي، وأنَّ أيامي هذهِ شتاءٌ عجوزٌ ..إلى حينَ تمطِر...

* فلكم أيقطت شجني أيها الرجل، ولكم وددت الاستنارة بآرائك في التجريب القصصي.....
أخي السي محمد لك مني كل الود والتقدير.
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى