نرحب بالكتاب الراغبين في الانضمام إلى مطر

الاختصاص ومسألة تطوير المعرفة

الاختصاص ومسألة تطوير المعرفة
المشكـــــــل:
يطرح تطوّر العلوم مشكلا طريفا هو التالي: إذا ظلّ علم يتطوّر باستمرار، فهل سيأتي اليوم الذي فيه بالكاد يلمّ دارس ذلك العلم بما بلغه من تطوّر؟ وعندئذ هل سيتوقّف ذلك العلم عن التطوّر؟ هذا السؤال لم يكن مطروحا قديما لأنّ المعارف المكتسبة كانت محدودة وبإمكان الذهن البشري أن يلمّ بها بسهولة ناهيك أن الفيلسوف القديم كان عبارة عن موسوعة. فابن سينا كان طبيبا وفيلسوفا وشاعرا وفيزيائيا. معلوم أن أيّ دارس لا يقدر أن يطوّر علما، إلاّ إذا بلغ قمّة ذلك العلم فإذا استغرق الإلمام به طيلة حياته، فمن يطوّر ذلك العلم؟ كيف تجاوزت البشرية هذا المشكل؟ كيف أمكن تطوّر العلوم على امتداد التاريخ؟
الحــــــــــــلّ
لقد تمثّل الحلّ في تقسيم مجالات البحث إلى اختصاصات. ففي ميدان الطبّ مثلا نجد طبّ العيون، وطبّ الأسنان، واختصاص الأمراض الصدرية، والقلب والشرايين... فالعالم المعاصر عوض أن يلمّ بكلّ علوم حقل معيّن، يقتطع جانبا منه ويتعمّق فيه وهكذا يتطوّر ذلك القسم من العلم. وإذا تكفّل علماء آخرون بجوانب أخرى من ذلك العلم تطوّر ذلك العلم آليا.
ماذا نلاحظ في هذا الحلّ أي الاختصاص كحلّ لمشكل تطوير العلوم؟ نلاحظ أوّلا أنّ المهمّ في تطوير علم ليس الإلمام بكلّ المعارف الإنسانية وإنّما بمعارف معيّنة تفيد الاختصاص وتمكّن من البحث. ونلاحظ ثانيا أن المهمّة الصعبة التي يعجز العالم الواحد على أن يقوم بها تقسّم على مجموعة من العلماء. فعلم الرياضيّات علم ناجح ومتطوّر بفضل علماء الهندسة وعلماء الجبر وعلماء الحساب... وليس بمجهود عالم واحد له كفاءة من هو مختصّ في الهندسة والجبر والحساب... لأنّ هذا العالم لا وجود له ولا يمكن أن يوجد أصلا.
توظيف الحلّ
هذا الحلّ المنهجي أي الاختصاص لضمان تطوّر العلوم يمكن أن نستفيد منه في التدريس. إذا اعتبرنا التلميذ (وحتّى الطالب) باحثا في حقل المعرفة وأردنا له الامتياز والتميّز فلماذا لا نتّبع المنهج المذكور سابقا؟ لماذا نطالبه بأن يكون مبدعا وعبقريا وقد أثقلنا كاهله بمواد دراسية عديدة؟ إذا كان الأمر كذلك عدّ جنوح السياسة التربوية التي تكثّف المواد الدراسية وتؤخّر الاختصاص وتهمّش الميول المبكّرة للتلميذ أمورا لا تخدم المعرفة والإبداع والتلميذ والوطن والإنسانية. لماذا لا نستخلص العبرة من طريقة معالجة العلماء للعلوم، لماذا لا نقسّم إلمام التلميذ بكلّ المواد على كلّ التلاميذ بحيث يختصّ كلّ تلميذ مبكّرا في مادّة من المواد وهكذا يعمل في أريحيّة ويكون مبدعا في اختصاص ما؟ طالما أن التلميذ سيختصّ آجلا أم عاجلا في حقل معرفي معيّن فلماذا نشتتّ جهوده على عدّة ميادين في أعزّ فترات حياته وهي صغره وشبابه ونطالبه بالإبداع في كبره؟ لماذا نرى نقصا وعيبا جهل التلميذ المختصّ في العلوم، للمواد الأدبية... ولا نرى نقصا وعيبا جهل طبيب الأسنان، لطبّ العيون فما بالك بالتاريخ والجغرافيا والإعلامية...؟ وهل من الضروري كي يكون طبيب العيون حاذقا، أن يكون له معرفة بالجغرافيا؟ أضف إلى ذلك فإنّ التحاقنا بركب الدوّل المتقدّمة يتطلّب منّا أن نولي الاختصاص القيمة التي يستحقّها. ولنعتبر انعدام التكوين الشمولي الموسوعي لإبننا التلميذ تضحية وطنية مثلما ضحّى الأجداد في سبيل تخليص الوطن من الاستعمار. كلّنا مطالب بأن يضحّي التضحية التي تقتضيها مصلحة الوطن.
 

محمد اليعقابي

مشرف فكر و نقد
طاقم الإدارة
أخي حسن
يوجد فارق نوعي بين التعليم الأساسي والتعليم الاختصاصي. التعليم الأساسي يهدف إلى فتح نوافذ المعرفة أمام التلميذ، وتعدد هذه المنافذ يوسع أفق التلميذ ويعطيه المعارف الأساسية التي تمكنه من ولوج الدراسات الجامعية المختصة. وحتى هذه الدراسات تبدا بجذع مشترك عام يقدم للطالب المعارف الأساسية للشعبة التي يدرس فيها قبل الانتقال إلى الاختصاص.
أما إذا قلصنا فترة التعليم الأساسي العام وفرضنا على التلميذ الاختصاص المبكر، فإننا من جهة نحرمه من إمكانية الاختيار بين مجالات للمعرفة، لم يكن ليعرفها لو أنه لم يدرس أساسياتها. ومن جهة أخرى فإن إمكانية حرية الاختيار ستنعدم ويصير التوجيه نحو الشعب التعليمية من اختصاص طرف خارجي هو الذي يفرض على التلميذ الشعبة التي عليه الدراسة فيها.
مع العلم أن وظيفة التعليم العام تكمن في منح التلميذ الأسس الضرورية لكل دراسة مقبلة. فمثلا إذا أراد شخص حاصل على شهادة في مادة أدبية متابعة الدراسة في ميدان علمي، فإن ذلك لا يمكن إلا إذا كان له إلمام بالرياضيات وباقي العلوم الأخرى. والأمر سواء بالنسبة لمن يريد دراسة مواد تعتمد على معرفة معمقة باللغة (أو اللغات). ولهذا فغن فترة التعليم الأساسي العام يدب أن تكون أطول ما يمكن، وان تشمل أكثر ما يمكن من المواد. خاصة وأننا في عصر يعرف تطورا متسارعا للمعارف والتقنيات، والاختصاص المبكر دون تكوين عام قوي قد يعرض صاحبه إلى التهميش.
 
سلام واحترام أخي محمّد
أختلف معك في عديد النقاط. أهداف التعليم التي ذكرتها أهداف عامّة وإنسانية تحتاج للتدقيق والتنسيب. قد تفيد التلميذ ولكن لا تفيد الوطن فهي لم تأخذ بعين الاعتبار الظرف التاريخي الذي نعيشه، قد تصلح للدوّل المتقدّمة ولكن لا تصلح للدوّل المتخلّفة. هدف التعليم في الدوّل المتخلّفة يجب أن يهدف إلى الإبداع ولا شيء غير الإبداع. إلى متى ستظلّ مدارسنا "تخرّج" مثقفين لا لون لهم ولا رائحة ولا طعم يجتروّن المعارف التي وصلت إليها الدوّل المتقدّمة في عقود غابرة؟ وضع بلداننا ليس في حاجة لمثقّفين يأخذون من كلّ شيء بطرف. أي فائدة للوطن من التكوين الشمولي لمواطنيه؟
من أراد أن يعرف كلّ العلوم ولو بشكل مبسّط سيظلّ في عتبة كلّ علم. مدارسنا يجب أن "تخرّج" عباقرة وعلماء لا مثقّفين. هذا هو الهدف الأساسي للتعليم في نظري، ويجب البحث في آليات تحقيقه وهو أمر يقبل النقاش. جاء في تعليقك "فترة التعليم الأساسي العام يجب أن تكون أطول ما يمكن، وان تشمل أكثر ما يمكن من المواد". فهل تعتقد أن بهذا الأسلوب سنكوّن عباقرة في اختصاصات معيّنة.
تحيّاتي
 

لوحة مختارة

 لوحة مقترحة
أعلى