محمد داني
كاتب
- مدخل:
هل استطاع المبدع أنيس الرافعي في اشتغاله على الكتابة القصصية أن يقدم لنا قصة قصيرة جديدة متميزة بعوالمها التخييلية؟
ما نعرفه،أن وعيه القصصي ناتج عن وعي إبداعي مجدد وجديد.وهذا في حد ذاته يشكل مشروعه القصصي الجديد والحداثي القائم على التجريب،والحداثة.
وقد شكلت الكتابة القصصية عند أنيس الرافعي أكثر من سؤال.فهو منذ إصدار مجموعته القصصية الأولى وهو يبحث في تجربته الإبداعية عن أشكال سردية جديدة.الشيء الذي وسم كتاباته القصصية بالتجريب والمغامرة،الناتجين عن وعي إبداعي جديد،ومن ثمة اصبحت الكتابة القصصية عنده تحولا من "كتابة المغامر إلى مغامرة الكتابة"- كما يقول جان ريكاردو-[1].لذا هو يبحث عن أشكال وأنساق سردية جديدة،ليخلق نوعا من التحول في المنظور والصوغ القصصي.
صحيح،أن مسار الأديب أنيس الرافعي القصصي،يغلب عليه طابع التجريب،والتأثر بإنتاجات شكلانية وطلائعية،إلا أنه بصم لمسته القصصية الخاصة والتي اهلته بأن يكون واحدا من الرواد والمجددين في القصة القصيرة المغربية والعربية.وأصبحت كتابته الما بعد الحداثة انقلابا على التقليدية،والنسق القديم.فأعطانا كتابة إبداعية،بل فتح سؤالا عريضا حول الكتابة القصصية نفسها.
لكن السؤال المطروح،هو:هل أنيس الرافعي مجدد،تجريبي،مغامر حداثي.أم أن القصة القصيرة في فترة ما بعد الحداثة تستمد حداثتها وتجريبيتها من نزوعها إلى التجريب تحت وعي خلق شكل قصصي جديد؟.
إن أنيس الرافعي يعرف عن وعي الجدول القائم حول المحكي وتمظهرات العمل الأدبي،والاختلافات الحاصلة بين المنظرين لهذا المحكي،أمثال:تزيفتان تودوروف،وجيرار جينيت،وجان ريكاردو،وبالتالي سينطلق أنيس الرافعي من اعتبار الفعل السردي:القصة ومحكيها في آن واحد.ومن ثمة أصبح ينظر إلى القصة على أنها خطاب ونص من جهة،وأحداث ووقائع من جهة ثانية.حيث أصبح المحكي عنده فضاء" لاشتغال السرد والقصة لبناء تجربة قصصية"[2].
إن الأديب القاص أنيس الرافعي يتمثل قول إدوارد الخراط"إن الكتابة تحتاج إلى مغامرة،إلى اقتحام،إلى توسع أفق"[3].وبالتالي اعتبر الكتابة اختراقا للمدى والأفق،ليكشف للمتلقي عن كنوز إبداعية،تمثلت في إصداراته القصصية.كما أصبح منظوره للكتابة الأدبية لا يرتكن إلى السائد،"إنه يسخر من كل قانون ليؤكد قانونه القائم على المخاتلة والتناقض والتدمير،والتفكيك المستمر لما أصبح ثابتا عائقا للحرية والتفتح"[4].
وهو يعرف أن فن القصة القصيرة"الأعقد بين الأجناس الأدبية،لأنه يتطلب جملة من المعطيات،من بينها تحويل اللقطة المفردة إلى قصة ذات مضمون وشكل متفردين، مركزين، مكثفين. فيهما الإيقاع والتشويق،وفيهما القدرة على صوغ البداية والنهاية،وإعطاء الدلالة الحديثة من إيحاء الحدث لا تقريريته،وإيحاء القول لا مباشرته"[5].وهذا ما دفع به إلى أن يكون نصه القصصي متميزا،ذا خصوصية فنية،وجمالية،ولا يخلو من مغامرة تخرجه عن التقليدية والتبعية.وقد استطاع انيس الرافعي أن ينجح في رهانه.فهو يمتلك الموهبة والبراعة والخيال.."لا ينجح أبدا كاتبا للقصة القصيرة ما لم يمتلك الأصالة والبراعة والتركيز،والأهم،أن يمتلك أيضا لمسة من الخيال"[6].
وأنيس الرافعي لا يعتبر ما يكتبه قصة قصيرة،وإنما مغامرة روحية وأدبية في الشكل والمضمون معا.والدليل على ذلك أنه لا يسمي محكيات قصة قصيرة،وإنما يعطيها مسميات أجناسية أخرى مثل (تعاقبات قصصية) كما في المجموعة القصصية(السيد ريباخا)،و(دليل حكائي متخيل)،كما في المجموعة القصصية(أريج البستان في تصاريف العميان)،و(فوتوغرام – حكائي)،في المجموعة القصصية (مصحة الدمى)،و(طقس قصصي)،في( الشركة المغربية لنقل الأموات)،و(قصص صوتية ومراجع بصرية للتفاعل النصي)في (اعتقال الغابة في زجاجة)،فهل هي كتابة عبر نوعية؟
إن كتابات أنيس الرافعي القصصية لها دهشتها،ولحظة انفعالها،وجماليتها.تشخص بعض تجلياتها لوحات الغلاف بعلاماتها الخطية واللونية،والميراثية،والتشكيلية والديكورية، والإيقاعية، والحسية والحركية ، والدلالية السيميائية . وتعطي بعض ملامح رؤيته التجديدية.
وقصصه تتحرك على شبكة محاور سردية،تترابط فيما بينها سرديا وتشكيليا وسينمائيا،في علاقة فنية تعمل كلها على تجسيم الرؤية القصصية وترسيخها لدى المتلقي،كلقطات مجتمعة،كأنه أمام شريط سينمائي.
وأنيس الرافعي،كتابته القصصية كتابة جديدة،كتابة جديدة،كتابة حداثية،وهو يعني أن الحداثة حكي منظوره هي السعي المستمر نحو المستحيل في التجاوز المستمر للأشكال[7].وهو كاتب مجرِّب وتجريبي،وقد أصبح التجريب عنده نوعا من التقليد الجديد،ومن ثمة أصبحت كتابته القصصية الجديدة،تمردا على الأساليب القديمة،وداحضة لكل القيم المستعصية على التحقق،"لأنه يحمل في لبه نواة هدمه وتدميره من أجل سعي مستمر إلى قيم جمالية وثقافية واجتماعية متجددة"[8]..
وكتابته الجديدة هذه،انبنت على كسر خطية السرد الاطرادي،وتحطيم كذلك خطية الزمن، واسترساله، والغوص إلى الداخل،واستعوار ما تحت الوعي،واستخدام الأنا العميقة لتعرية الذات عن طريق الحلم والهذيان والبوح.هذا جعله مجددا في أساليبه وتقنياته الكتابية.وأصبحت كتاباته تتميز في انتهائها وهويتها إلى ما بعد الحداثة او ما يسميها إدوارد الخراط بالحساسية الجديدة،لأنها في مضمونها "كيفية تلقي المؤثرات الخارجية والاستجابة لها"[9]..وقد استطاع انيس الرافعي أن يصنع له مكانا ادبيا في عالم القصة القصيرة المغربية،وذلك في زمن وجيز جدا.
يتبع
[1] - د. ضويو،(عبد العزيز)،التجريب في الرواية العربية المعاصرة،عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع،إربد،الأردن،ط1،2014، ص:3
[2] - د.عبد العزيز ضويو،المرجع نفسه، ص:8
[3] - د. صابر عبيد،(محمد)،المغامرة الجمالية للنص القصصي،عالم الكتب الحديث،إربد،الأردن، ط1، 2010، ص:2
[4] - حسين حسن،(خالد)شعرية المكان في الرواية العربية،كتاب الرياض(87) مؤسسة اليمامة الصحفية،الرياض،1412هـ ،ص: 328
[5] - مينة،(حنا)،مقابلة فاطمة حمود،مجلة الرافد،العدد 52، دائرة الثقافة والإعلام،الشارقة،2001.
[6] - سوزان لوهافر، الاعتراف بالقصة القصيرة،ترجمة، محمد نجيب لفتة، دار الشؤون الثقافية العامة،بغداد،ط1، 1990، ص:19
[7] - د. حسين المناصرة، المرجع نفسه، ص:34
[8] - المرجع نفسه، ص:34
[9] - الخراط،(إدوارد)،الحساسية الجديدة،مقالات في الظاهرة القصصية،دار الآداب ،بيروت،ط1، 1993، ص:45
هل استطاع المبدع أنيس الرافعي في اشتغاله على الكتابة القصصية أن يقدم لنا قصة قصيرة جديدة متميزة بعوالمها التخييلية؟
ما نعرفه،أن وعيه القصصي ناتج عن وعي إبداعي مجدد وجديد.وهذا في حد ذاته يشكل مشروعه القصصي الجديد والحداثي القائم على التجريب،والحداثة.
وقد شكلت الكتابة القصصية عند أنيس الرافعي أكثر من سؤال.فهو منذ إصدار مجموعته القصصية الأولى وهو يبحث في تجربته الإبداعية عن أشكال سردية جديدة.الشيء الذي وسم كتاباته القصصية بالتجريب والمغامرة،الناتجين عن وعي إبداعي جديد،ومن ثمة اصبحت الكتابة القصصية عنده تحولا من "كتابة المغامر إلى مغامرة الكتابة"- كما يقول جان ريكاردو-[1].لذا هو يبحث عن أشكال وأنساق سردية جديدة،ليخلق نوعا من التحول في المنظور والصوغ القصصي.
صحيح،أن مسار الأديب أنيس الرافعي القصصي،يغلب عليه طابع التجريب،والتأثر بإنتاجات شكلانية وطلائعية،إلا أنه بصم لمسته القصصية الخاصة والتي اهلته بأن يكون واحدا من الرواد والمجددين في القصة القصيرة المغربية والعربية.وأصبحت كتابته الما بعد الحداثة انقلابا على التقليدية،والنسق القديم.فأعطانا كتابة إبداعية،بل فتح سؤالا عريضا حول الكتابة القصصية نفسها.
لكن السؤال المطروح،هو:هل أنيس الرافعي مجدد،تجريبي،مغامر حداثي.أم أن القصة القصيرة في فترة ما بعد الحداثة تستمد حداثتها وتجريبيتها من نزوعها إلى التجريب تحت وعي خلق شكل قصصي جديد؟.
إن أنيس الرافعي يعرف عن وعي الجدول القائم حول المحكي وتمظهرات العمل الأدبي،والاختلافات الحاصلة بين المنظرين لهذا المحكي،أمثال:تزيفتان تودوروف،وجيرار جينيت،وجان ريكاردو،وبالتالي سينطلق أنيس الرافعي من اعتبار الفعل السردي:القصة ومحكيها في آن واحد.ومن ثمة أصبح ينظر إلى القصة على أنها خطاب ونص من جهة،وأحداث ووقائع من جهة ثانية.حيث أصبح المحكي عنده فضاء" لاشتغال السرد والقصة لبناء تجربة قصصية"[2].
إن الأديب القاص أنيس الرافعي يتمثل قول إدوارد الخراط"إن الكتابة تحتاج إلى مغامرة،إلى اقتحام،إلى توسع أفق"[3].وبالتالي اعتبر الكتابة اختراقا للمدى والأفق،ليكشف للمتلقي عن كنوز إبداعية،تمثلت في إصداراته القصصية.كما أصبح منظوره للكتابة الأدبية لا يرتكن إلى السائد،"إنه يسخر من كل قانون ليؤكد قانونه القائم على المخاتلة والتناقض والتدمير،والتفكيك المستمر لما أصبح ثابتا عائقا للحرية والتفتح"[4].
وهو يعرف أن فن القصة القصيرة"الأعقد بين الأجناس الأدبية،لأنه يتطلب جملة من المعطيات،من بينها تحويل اللقطة المفردة إلى قصة ذات مضمون وشكل متفردين، مركزين، مكثفين. فيهما الإيقاع والتشويق،وفيهما القدرة على صوغ البداية والنهاية،وإعطاء الدلالة الحديثة من إيحاء الحدث لا تقريريته،وإيحاء القول لا مباشرته"[5].وهذا ما دفع به إلى أن يكون نصه القصصي متميزا،ذا خصوصية فنية،وجمالية،ولا يخلو من مغامرة تخرجه عن التقليدية والتبعية.وقد استطاع انيس الرافعي أن ينجح في رهانه.فهو يمتلك الموهبة والبراعة والخيال.."لا ينجح أبدا كاتبا للقصة القصيرة ما لم يمتلك الأصالة والبراعة والتركيز،والأهم،أن يمتلك أيضا لمسة من الخيال"[6].
وأنيس الرافعي لا يعتبر ما يكتبه قصة قصيرة،وإنما مغامرة روحية وأدبية في الشكل والمضمون معا.والدليل على ذلك أنه لا يسمي محكيات قصة قصيرة،وإنما يعطيها مسميات أجناسية أخرى مثل (تعاقبات قصصية) كما في المجموعة القصصية(السيد ريباخا)،و(دليل حكائي متخيل)،كما في المجموعة القصصية(أريج البستان في تصاريف العميان)،و(فوتوغرام – حكائي)،في المجموعة القصصية (مصحة الدمى)،و(طقس قصصي)،في( الشركة المغربية لنقل الأموات)،و(قصص صوتية ومراجع بصرية للتفاعل النصي)في (اعتقال الغابة في زجاجة)،فهل هي كتابة عبر نوعية؟
إن كتابات أنيس الرافعي القصصية لها دهشتها،ولحظة انفعالها،وجماليتها.تشخص بعض تجلياتها لوحات الغلاف بعلاماتها الخطية واللونية،والميراثية،والتشكيلية والديكورية، والإيقاعية، والحسية والحركية ، والدلالية السيميائية . وتعطي بعض ملامح رؤيته التجديدية.
وقصصه تتحرك على شبكة محاور سردية،تترابط فيما بينها سرديا وتشكيليا وسينمائيا،في علاقة فنية تعمل كلها على تجسيم الرؤية القصصية وترسيخها لدى المتلقي،كلقطات مجتمعة،كأنه أمام شريط سينمائي.
وأنيس الرافعي،كتابته القصصية كتابة جديدة،كتابة جديدة،كتابة حداثية،وهو يعني أن الحداثة حكي منظوره هي السعي المستمر نحو المستحيل في التجاوز المستمر للأشكال[7].وهو كاتب مجرِّب وتجريبي،وقد أصبح التجريب عنده نوعا من التقليد الجديد،ومن ثمة أصبحت كتابته القصصية الجديدة،تمردا على الأساليب القديمة،وداحضة لكل القيم المستعصية على التحقق،"لأنه يحمل في لبه نواة هدمه وتدميره من أجل سعي مستمر إلى قيم جمالية وثقافية واجتماعية متجددة"[8]..
وكتابته الجديدة هذه،انبنت على كسر خطية السرد الاطرادي،وتحطيم كذلك خطية الزمن، واسترساله، والغوص إلى الداخل،واستعوار ما تحت الوعي،واستخدام الأنا العميقة لتعرية الذات عن طريق الحلم والهذيان والبوح.هذا جعله مجددا في أساليبه وتقنياته الكتابية.وأصبحت كتاباته تتميز في انتهائها وهويتها إلى ما بعد الحداثة او ما يسميها إدوارد الخراط بالحساسية الجديدة،لأنها في مضمونها "كيفية تلقي المؤثرات الخارجية والاستجابة لها"[9]..وقد استطاع انيس الرافعي أن يصنع له مكانا ادبيا في عالم القصة القصيرة المغربية،وذلك في زمن وجيز جدا.
يتبع
[1] - د. ضويو،(عبد العزيز)،التجريب في الرواية العربية المعاصرة،عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع،إربد،الأردن،ط1،2014، ص:3
[2] - د.عبد العزيز ضويو،المرجع نفسه، ص:8
[3] - د. صابر عبيد،(محمد)،المغامرة الجمالية للنص القصصي،عالم الكتب الحديث،إربد،الأردن، ط1، 2010، ص:2
[4] - حسين حسن،(خالد)شعرية المكان في الرواية العربية،كتاب الرياض(87) مؤسسة اليمامة الصحفية،الرياض،1412هـ ،ص: 328
[5] - مينة،(حنا)،مقابلة فاطمة حمود،مجلة الرافد،العدد 52، دائرة الثقافة والإعلام،الشارقة،2001.
[6] - سوزان لوهافر، الاعتراف بالقصة القصيرة،ترجمة، محمد نجيب لفتة، دار الشؤون الثقافية العامة،بغداد،ط1، 1990، ص:19
[7] - د. حسين المناصرة، المرجع نفسه، ص:34
[8] - المرجع نفسه، ص:34
[9] - الخراط،(إدوارد)،الحساسية الجديدة،مقالات في الظاهرة القصصية،دار الآداب ،بيروت،ط1، 1993، ص:45